قصة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية تتحوّل إلى كارثة دبلوماسية بالنسبة للولايات المتحدة. من خلال إيجادها صراعا على القوة مع الصين ومن ثم خسارته، أرسلت واشنطن إشارة غير مقصودة عن تحوّل القوة والنفوذ في القرن الحادي والعشرين.
حالما أوضحت الصين، في عام 2013، أنها تعتزم إنشاء البنك، بدأت الولايات المتحدة بإقناع حلفائها بمقاطعة المؤسسة الجديدة. جادل الأمريكيون بأن البنك الجديد المدعوم من بكين قد يتبع معايير إقراض أقل دقّة من البنك الدولي فيما يتعلق بقضايا مثل معايير الحكومة والبيئة النظيفتين.
لكن الأمر كان واضحاً جداً أيضاً أن هذا كان صراعاً على القوة. البنك الدولي قائم في واشنطن ورئيسه دائماً كان أمريكياً. بينما البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، المنافس المحتمل، سيكون قائماً في شنغهاي والصين هي المساهم الأبرز.
في البداية، قررت اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا عدم المشاركة في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، كما فعلت جميع البلدان الأوروبية الكبيرة. لكن الأنباء التي تفيد بأن بريطانيا الآن تعتزم الانضمام إلى البنك الجديد باعتبارها عضوا مؤسِسا تبدو كأنها تفتح صدعا حاسما في الجبهة المناهضة للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
أمضيتُ الأسبوع الماضي في كوريا الجنوبية ومعظم المحللين هناك يعتقدون أنها مسألة وقت فقط قبل أن تقوم حكومة سيئول بالتوقيع. وأستراليا تعمل منذ الآن على إعادة النظر في موقفها، وبلدان الاتحاد الأوروبي الكبيرة الأخرى من المرجح أن تحذو حذو بريطانيا. في تلك المرحلة، المقاومة المهمة الوحيدة ستكون اليابان والولايات المتحدة. وهذا قد يبدو سيئاً جداً بالنسبة لأمريكا. فبدلاً من حشد أصدقائها في معارضة مبدئية لمشروع ذي عيوب، فإن واقعة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية تجعل الولايات المتحدة تبدو منعزلة وعدوانية.
القصة ستكون الأحلى تماما بالنسبة للصين، لأنها عانت عامين سيئين في صراعها المتطور مع أمريكا على القوة والنفوذ في آسيا. من خلال اتخاذ موقف عدائي بشكل متزايد في النزاعات الإقليمية مع جيرانها، فقد تمكّنت بكين بغير قصد من تعزيز موقف أمريكا في الوقت الذي تنتقل فيه سلسلة من البلدان – منها الفلبين واليابان وأستراليا والهند – إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية والأمنية مع الولايات المتحدة.
لكن يبدو أن الصين تعلّمت من هذه التجربة. في الأشهر الأخيرة كانت أقل مواجهة علنية نحو جيرانها، وبدلاً من ذلك كانت تؤكد رغبتها في بناء علاقات اقتصادية – بما في ذلك برنامج طريق الحرير للتجارة والبنية التحتية عبر آسيا الوسطى، يُقابله “طريق الحرير البحري” في كافة أنحاء بحار جنوب شرقي آسيا. والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تمويل هذه المبادرات.
المرجو من ذلك هو إقناع البلدان الآسيوية بأنها يمكن، بدلا من مواجهة التهديد من صعود الصين، أن تستفيد من ثروتها المتزايدة. معظم جيران الصين – إلى جانب البريطانيين الذين لديهم آمالهم الخاصة في اجتذاب الاستثمارات الصينية – يبدو أنهم استنتجوا أنه سيكون من الحمق تفويت هذه الفرصة.
مسألة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية تبين أنه في الصراع على النفوذ في آسيا، فإن أقوى بطاقة في يد الصين هي قوتها الاقتصادية المتنامية. في المقابل، أقوى بطاقة في يد أمريكا هي قدرتها العسكرية وشبكتها من المعاهدات الأمنية. البلدان العالقة في الوسط تواجه معضلة. فاليابان وأستراليا والفلبين وكوريا الجنوبية لديها جميعا معاهدات أمنية مع الولايات المتحدة. لكن كل بلد منها يجري تعاملات تجارية مع الصين أكبر بكثير من التعاملات مع الولايات المتحدة.
مثلا، كوريا الجنوبية تعتمد على القوة الأمريكية لإبعاد شبح كوريا الشمالية، وربما تعتمد عليها يوما ما لتتحوط ضد الصين نفسها. لكن الصين تأخذ الآن أكثر من ربع صادرات كوريا الجنوبية، مقارنة بـ 12 في المائة من الصادرات التي تذهب إلى أمريكا.
نتيجة لذلك، يتم دفع الكوريين الجنوبيين باستمرار في اتجاهين ـ البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية مثال على ذلك. هناك جدل شديد آخر في البلاد حول ما إذا كان من الممكن قبول طلب أمريكي لإنشاء نظام مضاد للصواريخ ربما يكون مفيدا في الدفاع عنها ضد كوريا الشمالية، لكنه نظام يعتبره الصينيون تهديدا لأمنهم.
مسألة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية لن تعمل سوى على زيادة الحوافز لدى أمريكا واليابان لاختتام المفاوضات حول الشراكة عبر الباسيفيكي، وهي اتفاقية تجارية من شأنها أن تجمع بين 12 بلدا في منطقة الباسيفيكي، لكنها تستثني الصين بصورة واضحة ومقصودة. مرة أخرى، يجادل الأمريكيون بأن هذا الأمر يتعلق بالمحافظة على معايير الانفتاح الاقتصادي وليس باعتباره جهدا لإنشاء كتلة ضد الصين. لكن حتى بعض حلفائهم لا يقبلون بهذه الحجة تماما، وبعضهم يتمتم بأن من المستغرب إنشاء اتفاق تجاري يستثني الصين، التي هي الشريك التجاري الرئيسي في منطقة آسيا – الباسيفيكي.
السؤال المهم في لعبة ليّ الأذرع الآسيوية هذه بين واشنطن وبكين هو ما إذا كانت القوة العسكرية الأمريكية في نهاية المطاف ستكون أكثر أهمية من القدرة الاقتصادية الصينية. سيتغير الجواب من قضية لأخرى. لكن بصورة عامة كلما ازداد شعور بلد معين بالتهديد من الصين، ازداد احتمال أن يميل نحو أمريكا. وهذا هو السبب في أنه يرجح أن تكون اليابان آخر بلد آسيوي كبير يصمد في وجه البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. في المقابل، إذا تصرفت الصين بقدر كاف من العقلانية وامتنعت عن التلويح بقبضتها فوق الحد، فهي تتمتع بفرصة جيدة في أن تترجَم قوتها الاقتصادية إلى ثقل سياسي ودبلوماسي متزايد – حتى مع الحلفاء المقربين من أمريكا.
مر زمن كان العالم فيه، على ما يقال، ينحني أمام الدولار القوي. لكن قصة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية تشير إلى أنه في هذه الأيام، حتى كثير من أقرب حلفاء أمريكا، لديهم إشارات الرينمينبي في أعينهم.