وليد خدوري
تواجه صناعة النفط العراقية، في كل من إقليم كردستان وبقية أنحاء العراق، مشكلة من نوع جديد، وهي التلكؤ في دفع المستحقات المالية إلى الشركات النفطية العاملة في البلاد. يذكر ان حكومة حيدر العبادي استلمت خزينة فارغة من حكومة نوري المالكي. وبحسب عضو كتلة الأحرار النائب ماجدة التميمي، ثمة 300 بليون دولار مفقودة من خزينة الدولة خلال فترة الحكم السابق بسبب الفساد. وزاد من تفاقم الأمور، انهيار أسعار النفط خلال النصف الثاني من 2014 والحرب على “داعش”. طبعاً يصعب على المواطن ان يتصور سرقة 300 بليون دولار من موازنة أي دولة من دون رقابة أو محاسبة أو عقاب، لكن كل شيء متاح في بلادنا هذه الأيام من دون رادع.
يطرح هذا الأمر أسئلة كثيرة: من حصل على مئات البلايين من الدولارات المسروقة؟ هل استفاد السياسيون منها شخصياً مع أفراد عائلاتهم وأزلامهم فقط؟ وبما ان معظم هذه الأموال تهرب إلى الخارج للاستفادة منها مستقبلاً، كم النسبة التي بقيت بعد تبييضها؟ وما هي كمية الأموال التي استعملت لتمويل الأحزاب والسياسيين المحليين، والأموال التي حولت لتمويل الدول التي تساندهم في البقاء في الحكم، خصوصاً سورية وإيران اللتين تواجهان حصاراً ومقاطعة دولية وتنهمكان في حروب داخلية أو إقليمية، تجعلها في حاجة ماسة إلى العملة الصعبة في ظل شح الاحتياطات وصعوبة الحصول على الأموال اللازمة لردف اقتصادها؟ أدى هذا الفساد المفتوح على مصراعيه، مع بقية مشاكل البلاد، إلى عجز في موازنة الدولة فأصبح صعباً عليها الوفاء بالتزاماتها، ومنها تنفيذ عقودها مع شركات النفط الدولية.
يعاني العراق بحكومته الفيديرالية وحكومة إقليم كردستان عجزاً أدى إلى تأجيل دفع الالتزامات المالية عليهما، من رواتب للموظفين والعسكريين والالتزام بالعقود للشركات الهندسية والخدمية. وفي خير دليل على الأزمة، تأخرت بغداد مرة أخرى في دفع المترتب عليها لحكومة إقليم كردستان من الريع النفطي. ويعود السبب في التأخير إلى افتقاد الأموال في خزينة الدولة. وأدى هذا الأمر بدوره إلى تأخر إربيل في دفع التزاماتها إلى الشركات النفطية العاملة عندها، الأمر الذي دفع الشركتين الكبريين في الإقليم إلى تحويل الإمدادات النفطية من التصدير إلى السوق المحلية في إقليم كردستان للحصول على السيولة المالية بسرعة، ما أدى إلى جني أرباح أقل مما لو جرى تصدير الإمدادات.
وتفاقمت الأمور أكثر، خصوصاً مع عدم تمكن إربيل من تنفيذ كامل تعهداتها بحسب اتفاق كانون الأول (ديسمبر) مع بغداد القاضي بتصدير 550 ألف برميل يومياً من النفط عبر مؤسسة تسويق النفط العراقي (سومو)، كي تستلم لقاء ذلك 17 في المئة من الريع النفطي العراقي. واختلفت مشاكل الإقليم عن مشاكل الحكومة الفيديرالية، فمعظم الشركات النفطية العاملة في الإقليم تعتبر صغيرة نسبياً، ولا تتوافر لها الأموال الضخمة للاستثمار الجديد من دون الحصول على مستحقاتها في الوقت المحدد.
أما بالنسبة إلى مشكلات بغداد مع الشركات النفطية، فأدى تفريغ الخزينة في عهد الحكومة السابقة، وانهيار أسعار النفط ونفقات الحرب ضد “داعش” إلى ان تؤجل بغداد تسليم حصص الشركات من النفط الخام للربع الثالث من 2014 إلى الربع الأول من 2015. وأشارت “الحياة” إلى ان السلطات البتروليةطلبت أخيراً من الشركات مناقشتها حول تسديد المستحقات مقابل الاستثمارات الجديدة. وأشارت معلومات صحافية أخرى إلى ان الحكومة العراقية وافقت أخيراً على إصدار سندات خزينة بقيمة 12 بليون دولار كي تدفع المستحقات للشركات النفطية. وتكمن فداحة تأخير الدفع في الخوف من ان تبادر الشركات إلى تقليص أعمال التطوير للحقول، ما يعني انخفاض معدلات الإنتاج مستقبلاً. وطلبت الوزارة ان تبادر الشركات إلى مراجعة خطط تطوير الحقول لتقليص النفقات، بالإضافة إلى درس إمكانية تغيير بعض بنود العقود كي يدفع العراق مبالغ اقل للشركات عند انخفاض أسعار النفط.
تؤدي هذه التحديات بالطبع إلى نشوب خلافات جانبية. وهذا ما حصل في المنتدى الذي أدارته الجامعة الأميركية في العراق في السليمانية. فأثناء جلسة 11 آذار (مارس) التي شارك فيها وزير النفط العراقي عادل عبدالمهدي ووزير الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان آشتي هورامي، أشار الأخير إلى ان حكومة الإقليم نفذت 97 في المئة من التزاماتها وفق الاتفاق النفطي مع بغداد من دون استلام حصتها المالية منها. لكن عبدالمهدي قال ان إربيل صدرت في كانون الثاني (يناير) الماضي نحو 40 في المئة من التزامها، مضيفاً ان معدل صادرات إربيل في كانون الثاني سجلت 135 ألف برميل يومياً، وارتفعت إلى 306 آلاف برميل يومياً خلال شباط (فبراير).
يذكر ان اتفاق كانون الأول بين بغداد وإربيل ينص ان تصدر حكومة الإقليم 250 ألف برميل يومياً عبر شركة تسويق النفط (سومو) الفيديرالية، ونص الاتفاق على ان تصدر حكومة إربيل نحو 300 ألف برميل يومياً من نفط حقول كركوك عبر خط الأنابيب الخاص بها. وفي مقابل هذه الإمدادات من الصادرات تدفع بغداد 17 في المئة من الريع النفطي للبلاد إلى إربيل. ويذكر ان موازنة العراق لعام 2015 رسمت على أساس تصدير 3.3 مليون برميل يومياً من النفط الخام، من ضمنه 550 ألف برميل يومياً من إقليم كردستان أو عبره.
تتعدد الخسائر المترتبة على القطاع النفطي خلال فترة وهن الدولة، إذ أحرقت “داعش”، مثلاً، آبار حقل عجيل النفطي شمال شرق تكريت. وبلغ إنتاج الحقل قبل احتلاله نحو 25 ألف برميل يومياً من النفط الخام و150 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً. وفي الأراضي التركية نسف أنبوب النفط الخام من كركوك إلى ميناء جيهان التركي أواسط هذا الشهر، وتوقف نقل الصادرات النفطية ليومين إلى حين الانتهاء من الإصلاحات.