Site icon IMLebanon

جعجع: “حزب الله” يعيق قيام الدولة

 

رأى رئيس حزب “القوات اللبنانية”  سمير جعجع أن “ما يعوق قيام الدولة في لبنان بشكل فعلي هو عامل واحد، لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية، ألا وهو وجود حزب الله كدويلة داخل الدولة”، مشيراً الى ان “ما عطّل قيام الدولة في لبنان والعالم العربي طوال الخمسين سنة الماضية هو المتاجرة وحتى الآن بالقضية الفلسطينية، فإيران تتوسع في الشرق الأوسط تحت شعار القضية الفلسطينية وإزالة اسرائيل من الوجود، وقد أُزيلت الكثير من العواصم العربية ولم يضربوا اسرائيل كما يُقال بقمر ورد.”

وحذّر رئيس القوات من “ان هناك عملية انفلاش ايرانية كبيرة جداً في الشرق الأوسط لا يستطيع هذا الشرق تحملها، لأنها للأسف ستؤدي الى ردود فعل لا يستطيع أحد منا توقُع عمقها ومداها.”

وأكّد جعجع أنه “اذا أردنا الغاء الطائفية السياسية علينا الغاء الطائفية قبلها، اذ لا نستطيع الغاء تقاسم المناصب على مستوى السلطة السياسية باعتبار أنه أكبر صمام أمان لنا في الوقت الحاضر في الشرق الأوسط.”

هذه المواقف أطلقها جعجع في أول مقابلة لهُ على الـYouTube مع الاعلامي أحمد عدنان ضمن حوار فكري شامل حول التصوُف والإيمان، الطائفية والعلمانية، الموقف من العروبة ومن اسرائيل والنظرة الى التاريخ كما لم تخلُ المقابلة من المواقف السياسية.

وفي ما يلي نص الحوار:

 

لماذا مقابلة على “اليوتيوب”؟

–       كان هناك عاملان جاذبان. أولاً: المحاولة من جهة لأنه لم يعد هناك الكثير من الصحافيين الذين يحملون فكراً سياسياً معيناً ويهتمون بالنقاش الفكري بل همهم نقاش الأحداث كأحداث، وثانياً: لأن المقابلة على “يوتيوب” وبالتالي هي تجربة جديدة أحببت أن أخوضها.

من خلال ما نراه في المنطقة، العرب خرجوا في ربيع يبحثون فيه عن الدولة وفشلوا مرتين، أوصلوا الى الحكم استبداداً دينياً، والبعض يقول أنهم أوصلوا الاستبداد الأمني فأحبط الناس، ما رأيك؟

–       هذه ليست قراءتي للأحداث، فالعرب خرجوا في ربيع معيّن، نجح في بعض الأمكنة، وفي أمكنة أخرى تعثر، وفي أماكن أخرى أيضاً جاء من يخطف هذا الربيع ولكن حتى أجل. مثلاً في تونس، نجح الربيع العربي تماماً، ووصل الى خواتيمه السعيدة في فترة حوالي أربع سنوات بعد فترة انتقالية جد مقبولة، وفي مصر أيضاً أدى الربيع العربي ما هو مطلوب منه.

ألا يوجد ربيع في لبنان؟

–       في لبنان، حصل الربيع ولكن توقف عند حدٍّ معيّن بانتظار أن يستكمل مسيرته. ولكن دعني استكمل وضع المنطقة، ففي العراق مثلاً لم تكن مسألة ربيع عربي بل مسألة توازنات داخلية وما زلنا في المشكلة، وللأسف على أثر الخطوات التي تحدث في الوقت الحاضر والعملية السياسية المتعثرة، أعتقد أننا بأزمة لوقت طويل في العراق. أما في سوريا، فقد بدأ ربيعٌ فعلي، وأتمنى من الجميع أن يتذكروا الأشهر الستة الأولى من الثورة، ولكن دخل عليها انطلاقاً من موقع سوريا الاستراتيجي عوامل خارجية عديدة لا تُعد ولا تُحصى بدءاً من ايران وروسيا وليس انتهاءً بتركيا والأردن، وبالتالي أصبح وكأن ما يحدث الآن على أرض سوريا لا علاقة له بالربيع الذي انطلق عليها بل بات متعلقاً بالمعادلة العربية والدولية أكثر من أي شيء آخر، ولكنني أؤمن أنه في نهاية المطاف سينتهي الصراع الاقليمي والدولي في يوم ما ولو أن هذا اليوم ما زال بعيداً وسيعود الربيع السوري الى الساحة من جديد.

الربيع هو أصلاً بحث عن الدولة، هل هذه الدولة قريبة المنال في لبنان وعند العرب أم لا؟

–       في لبنان، قريبة جداً، لأن الدولة أصبحت في فكر وعقل اكثرية المواطنين، وما يعوق قيامها الفعلي في الوقت الحاضر هو عامل واحد لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية ألا وهو وجود حزب الله كدويلة داخل الدولة.

قد يسالُك أحد المعارضين لك: هل موقفك المعادي لحزب الله هو امتداد لعلاقة صداقة أو تحالف مصالح سابق حصل بين القوات اللبنانية وبين اسرائيل؟

–       أولاً أود الإيضاح أن علاقتنا مع حزب الله ليست عداءً بل هي كناية عن معارضة الموقف السياسي لحزب الله الذي له ارتباطات خارجية تقع تماماً على نقيض نظرتنا للبنان ولعلاقاته الخارجية، اذاً ليس عداء بقدر ما هي خصام سياسي بين مشروعين سياسيين مختلفين تماماً. أما في ما يتعلق باسرائيل وبخلاف ما يُشيعه البعض، لم يكن هناك من علاقات سياسية ولا يوم من الأيام بمعنى العلاقات السياسية بين المسيحيين في لبنان وبين اسرائيل، ولأشرح تماماً بشكل واقعي وبسيط هذا الأمر، تصوّر أنك في وقت من الأوقات تغرق في البحر فتمد يدك للتمسُك بأي شيء بهدف انقاذ حياتك، وهذه لا تُسمى علاقات بل للضرورات القصوى تمد يدك الى أيٍّ كان ولكن انتهى الأمر بعد السنوات الأولى للحرب في لبنان، وأنا شخصياً كنتُ من الذين أشرفوا على انهاء هذه العلاقة مع اسرائيل خصوصاً وأنه كانت قد فُتحت بعض الآفاق في العالم العربي وبالأخص مع منظمة التحرير الفلسطينية وأبو عمار رحمه الله، ومع القيادة المصرية، ومع العراق في ذلك الوقت. وبالتالي، كل هذه المقولة لا تستقيم.

هل اسرائيل هي التي عطلت قيام الدولة في العالم العربي؟

–       اسرائيل لا تستطيع تعطيل شيء، وأقول لك ومن جراء دراسات معمقة جداً ان اسرائيل وبخلاف ما يعتقد البعض لديها قوة عسكرية كبيرة ولكنها قادرة على ضربة واحدة فقط لا غير، وبالتالي لا تستطيع تعطيل أي شيء، فما عطّل قيام الدولة في العالم العربي طوال الخمسين سنة الماضية هو المتاجرة وحتى الآن بالقضية الفلسطينية. ان ايران تتوسّع في الشرق الأوسط تحت شعار القضية الفلسطينية وإزالة اسرائيل من الوجود، أُزيل الكثير من العواصم العربية ولم يضربوا اسرائيل كما يُقال بقمر ورد. وبالتالي هذه المتاجرة بالقضية الفلسطينية وشعار إزالة اسرائيل من الوجود عطّلا قيام الدولة في لبنان وفي الشرق.

على ذكر ايران، هل ترى أوجه شبه بين ايران واسرائيل؟

–       لا أحب التشبيه بين فريق وآخر أو بين شخص وآخر، ولكن ما أستطيع قوله في الوقت الحاضر ان هناك عملية انفلاش ايرانية كبيرة جداً في الشرق الأوسط ولا اعتقد ان الشرق الأوسط يستطيع تحملها، لأنها للأسف ستؤدي الى ردود فعل لا يستطيع أحد منا توقُع عمقها ومداها.

لو انتقلنا الى محور آخر حول المسيحيين في لبنان وفي العالم العربي، لماذا لم يتمكن المسيحيون العرب من استيعاب أو اقتباس الاصلاح الديني التي حصلت في أوروبا الى المشرق؟

–       لقد تمكنوا واستوعبوا هذه الفكرة تماماً، وبالفعل اذا أخذنا مسيحيي لبنان كمثال نستطيع القول إن الأكثرية الساحقة منهم هم بطبعهم وتصرفاتهم علمانيون في المجتمع أي يخضعون لقوانين وضعية لا علاقة لها بالقوانين الدينية، ويحترمون الكنيسة من زاوية روحية ولا يعتبرون أن هناك علاقة بين القوانين الدينية والقوانين الوضعية أو أنه يجب أن تكون هناك علاقة ما، ولكن دائماً يجري الخلط بين طريقة تكوين السلطة في المجتمع اللبناني الذي هو مجتمع تعددي وبين الطائفية. ففي نهاية المطاف، الدولة اللبنانية هي دولة مدنية، وكثيرون يختلط عليهم هذا الواقع، فالدولة اللبنانية لا تستمد قوانينها وشرائعها لا من الانجيل ولا من القرآن ولا من أي مراجع دينية أخرى، بل تستمدها من قوانين وضعية موجودة في دول أخرى ومن احتياجات المجتمع، وبالتالي هي في الجوهر دولة مدنية ولكن ما يجري في لبنان هو طريقة تكوين السلطة، وهي نقطة اساسية جداً.

لو قلت لك كرئيس حزب مسيحي، هل أنت ترأس حزباً علمانياً أم لا؟

–       نعم، حزبنا علماني، ان حزبنا قاعدته مسيحية ولكن تطلعاته هي تطلعات علمانية.

يوجد بندٌ واضح في الدستور اللبناني يتحدث عن الغاء الطائفية السياسية، لو وصلت الى رئاسة الجمهورية هلى ستسعى لتطبيقه؟

–       ما زال الأمر باكراً جداً، اذ يجب الوصول أولاً الى مجتمع مدني لكي نصل الى دولة مدنية. لا تستطيع ان تبني دولة مدنية بينما المجتمع غير مدني. اذا أردنا الغاء الطائفية السياسية علينا الغاء الطائفية قبلها، اذ لا نستطيع الغاء تقاسم المناصب على مستوى السلطة السياسية باعتبار أنه أكبر صمام أمان لنا في الوقت الحاضر في الشرق الأوسط.

ألا تشعر أنه يوجد خلط في لبنان بين مفهوم الطائفة ومفهوم الوطن؟

–       بلى، ولكن هذا الأمر له أسبابه التاريخية التي علينا أن نعمل رويداً رويداً لإزالتها. فحتى مئة سنة خلت، كان المواطن السني في لبنان على سبيل المثال لا الحصر مواطناً درجة أولى في السلطنة العثمانية بينما المواطن المسيحي كان مواطناً درجة ثانية، والمواطن الشيعي كان مواطناً درجة ثالثة، وانا أقول ذلك فقط لإعطاء فكرة عن الهوية التاريخية لكل من المكونات، وبالتالي لا نستطيع الغاء تاريخ بأكمله بلحظة واحدة.

المتابعون للأوضاع في لبنان يحمدون للمسيحيين تصديهم وصمودهم للإسلام السياسي، لو قمنا بمراجعة تاريخية هل نستطيع القول انهم وقفوا ضد القومية العربية؟

–       لم يقفوا ضد القومية العربية بقدر ما وقفوا الى جانب سيادة واستقلال لبنان، فبالنسبة الى المسيحيين وأعتقد الآن بالنسبة الى الاكثرية الساحقة من اللبنانيين أن موضوع استقلال لبنان هو موضوع اساسي حيوي جداً بغض النظر عن أي قومية سورية كما تدعو بعض الأحزاب أو الأممية والقومية العربية التي تدعوا لها أحزاب أخرى الخ… المسيحيون في لبنان ليسوا ضد القومية العربية أو السورية بحد ذاتها ولكنهم متشبثون باستقلال وفرادة الكيان اللبناني انطلاقاً من تركيبة لبنان.

هل ترفض التصور السائد ان هناك جفاءً تاريخياً بين المسيحيين والعروبة وبينهم وبين القضية الفلسطينية؟

–       لا هذا الكلام غير دقيق. يوجد خوف كبير لدى المسيحيين من تذويبهم في كيان اكبر منهم بمئات وآلاف المرات، ولكن لا يوجد جفاء تجاه العروبة وبالأخص تجاه القضية الفلسطينية. مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل مصائبهم في سنوات السبعين والحرب الأهلية اللبنانية أتت من جراء انفلاش المجموعات الفلسطينية المسلحة في لبنان، ما خلق نوعاً من الجفاء الذي له علاقة بالانفلاش المسلح الذي حصل في لبنان وتغليبهم فئة على أخرى أكثر مما له علاقة بنظرتهم الأساسية للقضية الفلسطينية. فاليوم أكثر فريق في لبنان لديه علاقات عربية هو فريق مسيحي وهو القوات اللبنانية وبالدرجة الأولى مع الأخوة الفلسطينيين وكذلك الأمر في الدول العربية كافة. عام 1975، كان هناك شعور مسيحي عارم ضد الوجود الفلسطيني المسلح ولكن ليس ضد القضية الفلسطينية.

لو قمنا بعملية مقارنة بين الفاعلية السياسية للدروز والمسيحيين، هاتان الطائفتان اللتان صنعتا وجه لبنان وتاريخه، البعض يرون ان الدروز أكثر فاعلية وتأثيراً فهل توافق على هذا الرأي؟

–       لا أعتقد ذلك، لأنه في أساس وجود لبنان منذ العام 1920 حتى 1945 كان المسيحيون هم العامل الاساسي في وجود لبنان. طبعاً كان الدروز فاعلين أكثر في حقبات وفي حقبات أخرى المسيحيون ولكن القول انه خلال التاريخ كان المسيحيون أكثر فاعليةً أو الدروز أكثر فاعليةً، فقول غير دقيق.

انا اقصد ان تأثيرهم على مستوى الدولة أعلى أو مثلاً طريقتهم في النجاة من تداعيات الوصاية السورية والتكيُّف الذي قاموا به…

–       نعم صحيح، فالدروز أكثر تكيّفاً من المسيحيين لأن المسيحيين حساسون جداً على كل شيء يتعلق بحريتهم وباستقلاليتهم.

هل التكيُّف أصعب مسيحياً بمعنى ان المسيحيين أصعب تكيُفاً؟

–       نعم، بما يتعلق بأي أمر له علاقة باستقلالية الوضعية اللبنانية. فهم أصعب بدرجات في التكيُّف.

أنت ترأس حزباً قاعدته مسيحية وشاركت في حرب أهلية للدفاع عن الوجود المسيحي واستقلال لبنان، وانت لديك اليوم شعبية واضحة لدى المسلمين؟

–       أشعر برضى وفخر كبيرين، وهذا عائد للمشروع الوطني الذي تحمله القوات اللبنانية وهذا اكبر دليل أنها ليست حزباً طائفياً، فقاعدة الحزب من المسيحيين ولكنه يحمل مشروعاً غير طائفي.

لو غداً اندلعت الحرب ماذا ستفعل؟

–       سأسعى جاهداً كي نتجنبها.

ولو وقعت الحرب لا سمح الله؟

–       سنرى كيف ننهيها بسرعة.

المسيحيون شاركوا في حرب أهلية دفاعاً عن الوجود، فهل تشعر أنهم الآن أمام تحدٍّ وفي صراع من أجل التعايش وفي ظل وجود داعش والنظام السوري؟

–       صراحةً لا أعتقد ان هناك الآن تهديداً وجودياً للمسيحيين في لبنان، بل هم أمام تهديد من نوع آخر أي البقاء كما هو الحال الآن أي في منزلة بين منزلتين: الدولة واللادولة. يجب الانتقال الى حال الدولة الفعلية الموجودة التي تؤمّن استقراراً فعلياً، فالمسيحي لا يستطيع الاستمرار بدون حرية وبدون استقرار.

جزء من الصراع في لبنان هو نوع من الصراع على التاريخ، يوجد تفسير مختلف للتاريخ عند أطراف مختلفة ويوجد تصور لهويات مختلفة، وأبسط الأمور أن اللبنانيين عاجزون عن إصدار كتاب موحّد للتاريخ الحديث، هل ستُحل الصراعات من الاتفاق على تصور واحد للتاريخ؟

–       فلنكن صريحين، ان التاريخ حتى البارحة لم يكن تاريخاً واحداً، في بعض الأوقات من هو بطل لدى بعض المجموعات اللبنانية هو خائن لدى مجموعة أخرى. ولكن ما هو ايجابي جداً في هذا المجال انه بدءاً من العام 2005 بات هناك اكثرية كبيرة من اللبنانيين متفقة على تاريخ واحد اقله من العام 2005 وحتى عودةً الى العام 1990 أو الى العام 1975. فمثلاً حين يقول سياسيون من تيار المستقبل الذي يمثل شريحة كبيرة من السنّة:”لقد فهمنا الآن، أُكل الثور الأسود حين أُكل الثور الأبيض…” ما يعني أنه عندما ضُرب المسيحيون في بدايات 1990 لم يكن السنّة يقدرون ان الضربة التالية عليهم ستكون عبر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولكن بعد هذا الاغتيال اصبح الأمر واضحاً جداً. أستطيع القول انه لأول مرة في تاريخنا الحديث نبدأ بقراءة واحدة لتاريخنا المعاصر.

يوجد اتفاق ان تاريخ 14 آذار 2005 يجمع أغلب اللبنانيين، ولكن قادة 14 آذار ألا يجب ان يعتذروا من جمهورهم؟

–       هذا أمر نسبي جداً، البعض منهم يجب ان يفعل ، اما البعض الآخر ففعل كل ما بوسعه.

هل تحققت اهداف 14 آذار ولماذا لم تُحقق، فالناس تسألكم وتضع عليكم اللوم؟

–       برأيي هذا تظلم كبير، أولاً بذور 14 آذار زُرعت في الارض اللبنانية وستُزهر مستقبلاً، فهذا تحصيل حاصل ولا عودة الى الوراء في هذا المجال. من جهة أخرى، لا شك انه يوجد اخطاء لدى بعض قيادات 14 آذار اذ ان التعميم لا يفيد، ولكن مواجهة 14 آذار كانت قمعية، عنفية ودموية حتى النهاية. فمنذ العام 2005 تعرضت هذه القوى الى 20 اغتيالاً ومحاولة اغتيال، تركت اثرها على تقدم مشروع 14 آذار.

ولكن لو أردت أن تقوم بنقد ذاتي لقوى 14 آذار، ما ابرز العناوين؟

–       انا لست من اصحاب هذه المدرسة بل من اصحاب المدرسة الواقعية جداً، بمعنى ان نبحث عن ماذا يمكن لنا ان نحقق بقيادات واحزاب وجمهور 14 آذار كما هي لأن البحث الآخر لا يُفيد بشيء. مهاجمة بعض القيادات أو القواعد داخل 14 آذار لن يُفيدنا بشيء…

هل سبب الفراغ الرئاسي هو الانقسام المسيحي أم ضعف قوى 14 آذار؟

–       لا هذا ولا ذاك. سبب الفراغ هو قرار ايراني واضح جداً، إما انتخاب رئيس مؤيد لها تماماً أو عدم إجراء الانتخابات الرئاسية. وهذا ما هو حاصل.

وماذا يفعل اللبنانيون؟

–       انا أقول: ماذا يستطيع اللبنانيون أن يفعلوا سوى أن يثوروا من جديد. وهنا يطرح السؤال نفسه، هل هذا هو الوقت الملائم للثورة من جديد. وأنا لا أدعي أن لدي جواباً.

جئت زعيماً لأكبر حزب مسيحي في شبه ثورة، لماذا لا تكمل هذه الثورة ويتحول الحزب المسيحي الى حزب وطني؟

–       هذا أمرٌ وارد في أي لحظة. وفي كافة الأحوال على المستوى السياسي هذا ما نفعله. اما على مستوى القواعد، فهناك حالة تماهٍ كاملة بين قواعدنا وقواعد أخرى تاريخياً لم تكن من قواعد القوات اللبنانية.

ألا تلاحظ انهُ بقدر قوة لبنان الثقافية بقدر ما هو ضعيف سياسياً؟

–       لنكن منصفين ان تركيبة لبنان معقدة جداً وكنتُ أتمنى أن نكون قوة سياسية مختلفة تماماً، وأتمنى ان يصبح لبنان قوة سياسية توازي قوته وقيمته الحضارية والثقافية.

يُقال ان لبنان سيء الحظ بسبب جيرانه اسرائيل من جهة ونظام البعث من جهة أخرى؟ فماذا يجب ان يفعل بهذه الجيرة؟

–       أحد الجيران بدأنا نجد له حلاً، انما لكل الاسباب الموجبة، الحل الوحيد هو وجود دولة قوية تؤمن الاستقرار والجو الملائم للمواطن اللبناني لكي يذهب بعيداً في حضارته وتقاليده.

ولكن هل البيئة العربية تساعد لبنان على هذا الأمر، فهم أصلاً لديهم تشوه في مفهوم الدولة؟

–       لا أشارك البعض هذا الرأي. فعن تجربة في السنوات العشر الأخيرة، اعتقد ان العالم العربي يفرح لكل ما هو يتطور ويتقدم ويخطو الى الامام. ولت أيام الانظمة الديكتاتورية التي كانت تتدخل لمنع النقلات النوعية والثورات في المجتمعات الأخرى. اللبنانيون اليوم لديهم كل الحرية بالقيام بثورة على الذات والمجتمع للانتقال بلبنان الى وضع أفضل.

بقيت 11 عاماً في السجن، البعض يقول ان هذه التجربة هي التي دفعتك الى التصوّف؟ هل اهتمامك للتصوف سابق لهذه المرحلة أم أنه نجم عن هذه التجربة؟

–       كلا، اهتمامي بالتصوف كان سابقاً لهذه المرحلة ولكن تتالي الأحداث اليومية والحرب اللبنانية لم يكن يُتح لي مجالاً للذهاب عميقاً في تصوفي. بينما وجودي في الاعتقال ترك لي المجال واسعاً.

البعض يقول ان التصوف يمكن أن يكون هوية قائمة بحد ذاتها بعيداً عن الأديان، وهو عابر لكل الأديان، هل شعرت بهذا الشيء؟

–       أولاً لم أشعر ببعدي عن معتقداتي المسيحية، ولكن شعرت بقرب كبير الى كثير من المعتقدات الأخرى في الوقت نفسه. وهذا شيئان لا يتناقضان، في اول مقابلة لي بعد الاعتقال قلت: انسان واحد، قضية واحدة في كل زمان ومكان. وهذا ما أؤمن به بمعنى ما، فالانسان العربي الآن هو نفسه الانسان الأوروبي في القرون الوسطى، فما عاشه الأوروبي في القرون الوسطى يمر به الانسان العربي مع فروقات صغيرة بالزمان والمكان… اذاً انسان واحد، قضية واحدة، في كل زمان ومكان.

في شبابك كنت معجباً بتيار دو شردان الذي لديه صلاة مشهورة:”اللهم اجعلنا واحداً”، هل ما زال هذا الاعجاب وهل هذه الفكرة تؤثر بك؟

–       طبعاً، وأنا رأيي الله يعمل ليجعلنا واحداً. من كان يتصور قبل عشر سنوات ان جامعة الأزهر ستخرج يوماً من الأيام باعلان مبادئ مثل الذي خرت به العام الماضي. فأنا لو اعطيتني هذا الاعلان ولم تقل لي أنه صادر عن الأزهر لاعتبرت انه من مقررات أحد السينودسات التي تجري في الفاتيكان مثلاً…

11      سنة اعتقال، هذه التجربة القاسية هل غيرت بك؟ الانسان الذي دخل هو نفسه الذي خرج؟

–       طبعاً تغيرت أشياء عديدة من الناحية الانسانية. بات لدي عمقاً اكبر، نضوجاً أكثر، ومعرفة أكبر بطبيعة الانسان البشري لأنني كنت منكباً على نفسي. ولم أشعر ان ارادتي انكسرت لأنه لا احد يستطيع ان يكسر ارادتكَ إلا أنتَ نفسك…

هل كنت تشعر بأنك ستخرج من المعتقل؟

–       نعم، بل كنت واثقاً من قبيل الحدس وليس من قبيل أي شيء آخر.

ألم تيأس؟

–       أبداً…

انت سياسي جربت ان تقوم بظلم، ولكن بعد ان عشت الظلم، ماذا تقول عنه؟

–       انا لم أعش الظلم من هذه الزاوية بالذات بل من زاوية أكبر. كان الصراع القائم في لبنان بين الاستقلاليين والوصاية السورية وانا اعتبر ان عملية اعتقالي أتت في هذا السياق أكثر من أي سياق آخر.

هل ترى ان فكرة العدل تؤمنها الجمهورية القوية ام جمهورية رشيقة لا تتدخل إلا قليلاً في أحوال الناس؟

–       لا، الوضع يحتاج جمهورية قوية. والجمهورية القوية ليس بالضرورة ان تكون غير رشيقة، يمكنها ان تكون رشيقة جداً وقوية…

ما رأيك بمقولة بيار الجميل:”قوة لبنان في ضعفه”.

–       لقد أثبتت صوابيتها في هذه المرحلة بالذات. قوة لبنان ليست في ضعفه، فقد استُعمل التعبير في غير مكانه. وإنما قوة لبنان في تركيبته التي تجعل حياته بعض الأوقات صعبة ولكن في نهاية المطاف تجعله قوياً في المحن. وأكبر دليل ما تمر به المنطقة الآن ووضع لبنان المستقر في الوقت الحاضر …

 

هل تؤيد انخراط لبنان في العملية السلمية مع مصر والأردن ليُنهي وضعية الصراع المسلح في الجنوب وتحرير شبعا والقرى السبع؟

–       طبعاً أؤيد هذا الأمر، فبالدرجة الأولى يجب ان نعتمد الوسائل السياسية لاستعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. فالنضال المسلح ليس هدفاً بحد ذاته إنما وسيلة للوصول الى هدف تحرير أرضنا المحتلة، وبالدرجة الأولى يجب ان نلجأ الى السياسة لأنها أقل كلفة واكثر حضارة.

هل ستسعى لهذا الهدف حين تصل الى الرئاسة؟

-مئة بالمئة، وعلى هذا الصعيد الهدف ليس صعب المنال. فبقليل من الجدية يُوقع محضراً مشتركاً بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية القادمة حول هوية مزارع شبعا، ويُرسل الى الأمم المتحدة فتصبح مزارع شبعا تحت أحكام القرار 425 وليس القرار 242 وبالفعل ذاته تُصبح الحكومة الاسرائيلية مضطرة للانسحاب منها بهذه البساطة.