كتب رولا حداد
يعيش جميع الأطراف اللبنانيين أزمة كبرى بات عنوانها المعلن من دون أي مبالغة “السباق نحو المجهول”. ففي حين تبدو قوى 14 آذار عاجزة عن المبادرة أو عن القيام بأي فعل، وتكتفي بالحد الأدنى بالثبات على مبادئها، وإن عانت في أحيان كثيرة من تراجع نتيجة بعض المساومات تحت شعار أنها “أم الصبي”، لا تبدو قوى 8 آذار بأفضل حال على الإطلاق، ولو أن “حزب الله” يحاول الادعاء بأنه في موقع القوة.
فحزب إيران في لبنان وقع في “فييتنام” السورية في حرب استنزاف لا يمكن أن يخرج منها رابحاً في مواجهة أكثر من 20 مليون سوري على الأقل (هذا إذا احتسبنا السنّة السوريين منهم فقط). هذه الحرب مكلفة جداً على الصعيد البشري حيث خسر “حزب الله” معظم مقاتلي النخبة لديه من الذين قاتلوا في وجه إسرائيل في حرب تموز 2006، إضافة الى الخسائر بالمئات رغم كل محاولات التكتّم، ما سبّب إحراجاً كبيراً للحزب داخل طائفته وبيئته الحاضنة يحاول أن يمتصّه تحت شعار أن “قتال الإرهابيين في سوريا أفضل من قتالهم في لبنان”. كما أن الكلفة المادية للانغماس في هذه الحرب بات ينهك إيران، المنهكة أساساً اقتصادياً، ما دفع “حزب الله” الى البحث عن وسائل جديدة لمحاولة تأمين مداخيل بديلة، منها إلزام أصحاب رؤوس الأموال الذين يدورون في فلكه بدفع ملايين الدولارات لمحاولة التعويض عن التوازن المالي المفقود، ومنها أيضا تفعيل تجارته بالممنوعات كما تحدث أكثر من تقرير صحافي غربي.
وبالتالي فإن “حزب الله” لا يبدو في أفضل حالاته في مواجهة حرب استنزاف لا يبدو أنها ستنتهي في القريب العاجل. وحتى “صديق” الحزب النائب وليد جنبلاط تحدث من باريس عن توقعات بأن تستمر هذه “الحروب العربية” ما لا يقلّ عن 10 سنوات على الأقل.
إضافة الى “حزب الله” بدأ الهريان يضرب صفوف أزلام النظام السوري في لبنان، بدءًا من اعتقال مستشار الرئيس بشار الأسد الوزير السابق ميشال سماحة بالجرم المشهود في لبنان، وعجز كل حلفاء الأسد عن إطلاقه، مرورا بالضائقة المالية الكبرى التي انعكست تراجعاً في الأداء لبعض منظري البعث في لبنان، وصولاً الى عمليات التصفية السورية الداخلية، كتصفية اللواء رستم غزالي التي عمل النظام السوري على تأمين إخراج لها على مراحل تجنبّاً لحدوث انهيارات دراماتيكية متسارعة في صفوف حلفائه في لبنان، ووصولا أيضا الى عمليات التصفية السياسية مثل إبعاد فايز شكر عن قيادة حزب البعث- فرع لبنان.
كل ما تقدّم لا يجعل “حزب الله” وكل فريق 8 آذار في موقع القوي في الداخل اللبناني على الإطلاق، لا بل يجعله في موقع العدّ التنازلي لانهيارات بالجملة في صفوف حلفائه الداخليين. كما أن حليفه الإقليمي، النظام الإيراني، لا شيء في الأفق يوحي له بالخروج من النفق المظلم اقتصاديا في ظل استحالة التوصل الى أي اتفاق مع الغرب يضمن رفعاً شاملا للعقوبات الاقتصادية عنه.
وبالتالي فإن المتوقع أن تطول كثيرا مرحلة الانتظار بالنسبة الى طرفي النزاع في لبنان. فـ”حزب الله” لن يكون قادراً على الاقتداء بالحوثيين في اليمن لتنفيذ أي محاولة انقلاب لأن التوازنات في لبنان مختلفة تماماً، وقوى 14 آذار التي أدمنت الانتظار منذ ما بعد 14 آذار 2005، لا يبدو أن في متناولها أي عناصر قوة جديدة لا دولياً قبل انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما، ولا إقليميا قبل اتضاح الصورة الكاملة للصفقات مع إيران، ولا داخلياً حيث أصبحت هي في وادِ وجمهورها في وادٍ آخر!