IMLebanon

“معمل فتوش”.. زحلة ناقمة على قرار “شورى الدولة”

ZahleFatoush
لوسي بارسخيان
بينما كان كل الاهتمام في زحلة مركزاً على المفاوضات التي يجريها راعي ابرشية زحلة الكاثوليكية المطران عصام درويش مع بيار فتوش رئيس مجلس إدارة “شركة التطوير والتعمير”، في محاولة لحمله على التراجع عن مشروع معمل الاسمنت الذي اثيرت بوجهه الإعتراضات “الزحلية”، ارتفع منسوب البلبلة التي تسبب بها هذا المشروع نهاية الاسبوع الماضي، على اثر قرار اعدادي لـ”مجلس شورى الدولة”، قضى برد طلب وقف العمل بقرار إنشاء المعمل، في دعوى الطعن المقدمة من بلدية زحلة.

ترك قرار مجلس الشورى الباب مفتوحاً على كل التأويلات. فهو من جهة أبقى على الترخيص من حيث رده طلب وقف العمل، ولكنه أعاق عملية الإستثمار من حيث وقفه التنفيذ الجزئي للمواد الثانية والثالثة والرابعة من القرار المتمم الرقم 4628، فاتحاً الباب على كل الاحتمالات في المفاوضات الجارية مع بيار فتوش، بعد ان كان المطران درويش قد تحدث عن مفاجأة لأهالي زحلة، سيعلن عنها خلال مؤتمر صحافي يعقد بمطرانية زحلة، ويتحدث فيه بيار فتوش عن قراراته بشأن نقل المعمل.
ما يزيد من الإضطراب الزحلي الذي ترجمته أحزاب “قوى 14 اذار”، خلال مؤتمر عقده نوابها في “اوتيل قادري الكبير” مساء الاحد، هو الغموض الذي يلف المفاوضات الجارية مع فتوش، والذي جعل النائبين ايلي الماروني وجوزف معلوف يطالبان بإزالته بإطلاعهما على تفاصيل ما توصل اليه درويش مع اصحاب الشركة، خصوصاً بعد ان دخلت على خط المفاوضات مرجعيات أمنية بارزة.

غير ان التوجه الذي كان سائدا قبل صدور قرار مجلس شورى الدولة، والذي سارع رئيس “الكتلة الشعبية” النائب الياس سكاف للإعلان عنه، مستبقاً المؤتمر الصحافي المزمع عقده من قبل فتوش، كان يقضي بنقل ترخيص المعمل الى مكان آخر، من دون ان يحدد هذا المكان، خصوصاً ان الإعتراضات التي أثيرت بوجهه في زحلة قد تثار في اي بقعة من الأراضي اللبنانية، وفي التحركات الشعبية التي انفجرت بوجه المعمل المزمع إنشاؤه في جنتا خير دليل على ذلك.
وجاء صدور قرار مجلس شورى الدولة مخالفاً لتمنيات أكثر من عشرة آلاف زحلي من مختلف الانتماءات وقعوا على عريضة اطلقها “القوات اللبنانية” رفضاً لإنشاء المعمل، ما دفع بالتعليقات على رد طلب وقف إنشاء المعمل إلى اسقاط الثقة بمرجعية أخرى من مرجعيات الدولة، بعد ان تسبب الإعلان عن قرار وزارة الصناعة بالترخيص للمعمل، الى التشكيك بتواطؤ أكثر من مؤسسة لتمريره، بدءاً من بلدية زحلة التي لم تتلق سهام الإنتقاد من معارضيها في قوى “14 آذار” فحسب، بل من راعيتها “الكتلة الشعبية”، وصولا إلى الطلب من رئيسها تقديم إستقالته أمام المجلس البلدي. ولم تنجح البلدية في استعادة هذه الثقة حتى بعد قرارها بإبطال قرار الموافقة 424 والغائه بموجب قرار جديد رقم 469 رفعته إلى كل من الوزارات المعنية.

ويفند النائب جوزف المعلوف اخطاء البلدية صاحبة الرأي الاول بإنشاء المعمل، حيث “كان يفترض ان تأخذ البلدية مهلة 30 يوماً لدراسة مشروع بهذا الحجم ومن نوع التصنيف المنصوص عنه، لتعلم المجتمع الأهلي وتنشر التفاصيل عن المشروع، حتى نتمكن كمواطنين من إبداء عدم رغبتنا به. ولكن بعد تسعة ايام وافقت البلدية بأغلبية 11 من اعضائها على الطلب الذي كان في البداية مقدما لعقار واحد، لتضاف إليه لاحقاً أربعة عقارات اخرى بخط اليد. ومرت العقارات الأربعة على كل الادارات المعنية بالترخيص في الدولة، ليقال بعدها أن أعضاء البلدية خدعوا”.

ويجمع المعترضون على المشروع على استغراب منح وزراة الصناعة المشروع رخصتي الانشاء والإستثمار في فترة قياسية، لا تتعدى اليومين. الى جانب اعطائها المعمل ترخيصاً صناعياً للأبد، بينما معامل الإسمنت الحالية تقوم على تجديد ترخيصها سنوياً، وإعطاء وزير الصناعة كل الصلاحيات لإصدار أي قرارات تكميلية لهذا الترخيص، من دون الإشارة إلى أي تدابير واجراءات معتمدة، وإجازته للمعمل طيلة فترة عمله باستيراد المواد الأولية لزوم العمل، وبكميات مفتوحة، بينما شركات الإسمنت الحالية عليها الحصول على موافقة مسبقة قبل استيراد “الكلينكر” والجفصين و”البوزولن” و”البتروليوم كوك”.
ويشرح النائب معلوف في هذا الاطار ان “رخص الاستثمار لهذا النوع والحجم من المشاريع حسب التصنيف الصادر في 2012 للصناعات الثقيلة، يجب ان تحترم المرسوم 8633\2012 والذي ينص على تقديم أثر بيئي مفصل عن اي نوع من هذه المشاريع”، متسائلاً في المقابل كيف مرت اضافة العقارات الأربعة بخط اليد من دون ان يسأل عنها احد في الوزارة؟ وهل مر ترخيص الاستثمار على التقنيين بالوزارة وعلى مديرها العام؟
أما بالنسبة إلى وزارة البيئة، التي صرح احد القضاة انه ارتكز في قرار رد الطلب الى رأيها القانوني، فيسأل المعلوف “عن سبب تغيير وزير البيئة رأيه في شأن المعمل. فهو بعد أن أرسل بتاريخ 24\11\2014 مذكرة موجهة الى وزير الصناعة يطلب فيها وقف العمل بالقرارين 4627 و4628 المتعلقان بالانشاء و4645 المتعلق بالإستثمار، عاد بسحر ساحر عن القرار وقدم تبريرات قانونية للمعمل الى مجلس شورى الدولة”.

عند تقديم طلب الطعن الى مجلس شورى الدولة، حبست الانفاس في زحلة، حتى لا يعلو صوت فوق صوت القضاء. الا ان قرار مجلس الشورى “غير الشعبي”، هدم “قدسيته”، لتطال الألسنة المعترضة هذه المرة “نزاهة” القضاء.
النائب سكاف اعتبر ان قرار مجلس شورى الدولة “جاء ليؤكد مخاوفنا وهواجسنا من التدخلات السياسية والمالية التي أفسدت جزءاً من الجسم القضائي فشوّهت مصداقيته”. وكذلك انتقد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع القرار المذكور، معتبرا أنه يدفع 100 الف مواطن لبناني الى الكفر بالدولة. كذلك تناوب نواب زحلة على وصف القرار بالفاسد والمتحيز والمثير للاشمئزاز.
فهل يقود استمرار ترخيص معمل الاسمنت في زحلة الى التحرك نحو التفتيش القضائي، مثلما ألمح نواب زحلة، أو يطرح هؤلاء الثقة بالوزراء المعنيين كما وعدوا. أم يكون الخيار الاخير بالنزول الى الشارع لضمان اصغاء اصحاب المعمل إليه في عدم تشغيل المعمل، ونقل ترخيصه إلى مكان آخر؟