فولفجانج مونشو
عندما تلتقي الأمية الاقتصادية في ألمانيا مع الأمية الدبلوماسية في اليونان، لن ينتج مثل هذا اللقاء شيئا جيدا. في الأسبوع الماضي هدد أحد وزراء اليونان بغمر ألمانيا باللاجئين الإسلاميين. ومن جانبهم، عاد الألمان مرة أخرى إلى مناقشة احتمال حدوث خروج عرضي لليونان من منطقة اليورو. وفي الوقت ذاته ربط أليكسيس تسيبراس، رئيس وزراء اليونان، مطالبة بمدفوعات خاصة بتعويضات الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، بالمناقشات الخاصة بتمديد اتفاق قرض لليونان.
المطالبة بالتعويضات نفسها ليست نوعا من العبث. حتى أن هناك محامين ألمان يعتقدون أن أثينا لديها حجة معقولة. لكن من الجنون سياسياً ربط الأمرين. ما نسمعه ليس الضجيح المعتاد ـ هناك فقدان للثقة.
ما استنتجته من هذا هو أن احتمالات خروج اليونان من منطقة اليورو تقلّصت بشكل كبير في الأسبوعين الماضيين. قد يقوم كلا الجانبين بتخفيف خطابه في الأيام المقبلة، لكني لا أستطيع أن أرى البلدان الدائنة تلين فيما يتعلق بشروط اتفاق تمديد الديون الذي تم الشهر الماضي. كذلك لا أستطيع أن أرى الحكومة اليونانية تفي بها. بما أن لا أحد يعرف عدد الأيام أو الأسابيع التي تفصل أثينا عن العجز عن السداد، فإن خطر الخروج المفاجئ هو واضح وقائم. خروج اليونان من منطقة اليورو قد لا يحدث أبداً – لكن الوقت قد حان للاستعداد.
خروج اليونان ليس نتيجة يمكن أن يتمناها أي شخص عاقل. سيؤدي ذلك إلى تقويض النفوذ الجغرافي الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي. من الناحية الاقتصادية، سيعمل على كشف حقيقة خفية: وهي أن الاتحاد النقدي هو مجرد نظام معزز لأسعار الصرف الثابتة. وعدد كبير من العقود المالية ستصاب على الفور بالعجز عن السداد. من غير الواضح كيف سيتعامل النظام المالي العالمي مع هذا الوضع. كما سيكون الانتعاش الاقتصادي الوليد في منطقة اليورو في خطر.
بالنسبة لليونان، الخروج قد ينجح تماماً على المدى الطويل، إذا تمت إدارته بشكل جيد، لكنه سيجلب بؤساً اقتصادياً على المدى القصير. إذ لا تزال اليونان تعاني عجزا في الحساب الجاري، ما يعني أنها تعتمد على التمويل الخارجي لدعم الاستهلاك المحلي. ذلك التمويل قد يختفي من يوم إلى آخر، في حال عجزت اليونان عن سداد دائنيها.
الاستعداد لخروج اليونان لا يتعلق بخطة بديلة موجودة في الدرج العلوي. بل يعني تسلسلا متفقا عليه مُسبقاً من الإجراءات الجاهزة للتنفيذ. التغيير الجذري في نظام العملة في غضون فترة قصيرة من الوقت يُشكّل تحدياً تنظيمياً ولوجستياً يتجاوز أي شيء قامت به الدول العادية على الإطلاق.
قد أنصح ضد الانتقال الفوري إلى نظام عملة جديد – نظام من شأنه استبدال اليورو بدراخما جديدة. كذلك لا أعتقد أن هذا ممكن منطقياً أو مرغوب من الناحية الاقتصادية. أنا أفضل استخدام نظام انتقالي، نسخة مُبهمة، حيث لا أحد يعرف بالضبط ما إذا كانت اليونان داخل أو خارج الاتحاد الأوروبي.
خياري المفضل سيكون عملة موازية تعمل بمنزلة وسيط للتبادل لكن ليس بالضرورة كمخزن للقيمة أو وحدة للحساب. ستكون مقومة باليورو. لكن هذه العملة الزائفة لن تكون عملة قانونية. إذ يتوقف نجاحها على مدى قبول الناس لها. مهمتها الوحيدة في البداية ستكون لتوفير سيولة مؤقتة إذا كان تمويل البنك المركزي سينقطع عن اليونان.
هناك مقترحات مختلفة قيد النقاش، بما في ذلك اقتراح مدعوم من الدخل الضريبي في المستقبل. لاحظتُ أن يانيس فاروفاكيس، وزير المالية اليوناني، قام بمناقشة خيار أكثر غرابة بكثير في مقالة كتبت في العام الماضي.
فقد طرح الفكرة بأن حكومة المنطقة الطرفية في اليورو يمكن أن ترعى عملة رقمية ذات خصائص مماثلة لعملة البتكوين. كان هناك الكثير من الإثارة حول إمكانية عملة الإنترنت. على المدى الطويل، التكنولوجيا القائمة عليها عملة البتكوين يمكن أن تكون لها آثار عميقة على اقتصاداتنا. لكن في نسختها الحالية، عملة البتكوين وأخواتها من العملات الرقمية غير مفيدة كبديل محتمل في المستقبل للدولار أو اليورو، لأنها انكماشية من حيث البناء. هذا الخلل يتحوّل إلى ميزة عندما ترغب في شيء لا يمكن أن يتضخم نسبة إلى أي عملة أساسية. العملة الرقمية مبنية على خوارزمية شفافة؛ ولا توجد أي حكومة أو بنك مركزي يقوم بإصدارها أو السيطرة عليها.
الصعوبة بالنسبة لجميع خيارات العملة الموازية هي الحاجة إلى منع انهيار المصارف. اليونان قد تحتاج إلى تمويل خارجي خلال الفترة الانتقالية. كما قد تضطر الحكومة لفرض ضوابط رأسمالية أو تقوم بصفة مؤقتة بإغلاق الحدود والموانئ والمطارات.
وهكذا، العملة الموازية ليست خيارا مرنا، لكنها تظل أقل خطورة من البديل. فهي قد تمهد الطريق لعودة اليونان مرة أخرى إلى منطقة اليورو. وفي أسوأ الحالات ستكون نظاما انتقاليا نحو خروج أكثر تنظيما. وعلى الأقل ستؤمننا ضد الخطر الأكبر، وهو ليس خروج اليونان من منطقة اليورو، بل “حادث اليونان” Greexident المتمثل في نوبة مرضية مفاجئة تصيب النظام المالي اليوناني وتؤدي إلى أزمة إنسانية، وعدوى مالية عالمية، وتلحق ضررا بسمعة الاتحاد الأوروبي.
والنتيجة الحتمية: أفضل سبيل لتجنب “حادث اليونان” هو الاستعداد لخروج اليونان.