IMLebanon

السعودية لن تعمل منفردة… و «أوبك» باقية

OPEC-FLAG
كامل عبدالله الحرمي
أكدت السعودية بوضوح أنها لن تؤدي بمفردها دور المنتج المرجح، وأن أي خفض في إنتاج النفط يجب ان يشمل الدول خارج منظمة «أوبك»، في إشارة واضحة إلى روسيا والدول النفطية الأخرى المنتجة للنفوط الأعلى كلفة. وفيما كان أعضاء كثيرون في «أوبك» غير راضين على قرار عدم خفض الإنتاج والإبقاء على معدل 30 مليون برميل يومياً الذي اتخذته المنظمة في تشرين الثاني (نوفمبر)، أصبح الجميع الآن أكثر اقتناعاً بأن رأي الأقلية الذي انسحب على القرار، كان سليماً ومناسباً ولم يكن هناك قرار بديل آخر، وبأن الدول النفطية الأخرى كان عليها ان تشارك في خفض الإنتاج إذ من غير المعقول ان تستفيد هذه الدول من قرارات «أوبك» وتضحياتها من دون أي كلفة سوى زيادة مداخيلها المالية وحصولها على حصص سوقية أكبر، في حين تخسر دول «أوبك» حصصها ومكانتها في الأسواق النفطية.
علينا ان نتقبل ان أسعار النفط لن تتحسن وستظل عند المعدلات الحالية ما بين 55 و 60 دولاراً في المستقبل المنظور. وبدأت الشركات النفطية العالمية تبني حساباتها عند هذا المعدل في مشاريعها المستقبلية عند شراء أصول الشركات أو في احتساب الجدوى المالية. وكي تدور العجلة الاقتصادية حول العالم، يلزمها ما بين ثلاث وخمس سنوات، قبل استعادة أسعار النفط عافيتها واستقرارها. لكن الأسعار لن تصل على الأرجح خلال هذه الفترة إلى معدلات الماضي عند 100 دولار للبرميل، فالأمر سيستغرق بعض الوقت وقد يصبح شيئاً من الماضي، علماً أن أي أسعار فوق معدل 70 دولاراً للبرميل لن تكون لمصلحة «أوبك» لأنها ستحفز إنتاج النفوط غير التقليدية.
رسالة السعودية تصبح أكثر وضوحاً يومياً، فالمملكة قدمت كثيراً من التضحيات وخفضت إنتاجها قدر الإمكان وحرمت نفسها من بيع شحنات نفطية أكثر ومن إيرادات مالية أعلى كانت ستحصل عليها. والرسالة الأخرى أطلقها وزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي ومفادها بأن الاجتماع المقبل لـ «أوبك» في حزيران (يونيو) المقبل لن يؤدي إلى أي شيء جديد من دون موافقة الدول النفطية خارج المنظمة على المشاركة في الخفض.
وربما تتضمن الرسالة السعودية دعوة ضمنية إلى أعضاء المنظمة بشد الحزام وتقليل الهدر، فطالما ان المنظمة تطالب أصحاب التكاليف العالية بخفض إنتاجهم، على أعضائها ضغط نفقاتهم حتى يتمكنوا من التعايش مع أسعار تقل عن 60 دولاراً للبرميل تحقيقاً للتوازن المالي والتعادلي في موازناتهم. هي رسالة برسائل كثيرة لكن الخلاصة واحدة: أسعار النفط ستظل منخفضة إلى ان تقرر الدول النفطية خفض الإنتاج بمشاركة الجميع.
على صعيد آخر، صدرت أخيراً مواقف من ثلاثة مصادر أجنبية هي تقرير لـ «سيتي بنك» الأميركي، ومقال لآلان غرينسبان، الرئيس السابق لمجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي، في صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، والتقرير السنوي لشركة «بي بي»، تناولت كلها مستقبل «أوبك». وكانت لهذه المواقف آراء مختلفة حول مستقبل المنظمة ما بين البقاء أو الانهيار. فالمصرف الأميركي توقع انقسام المنظمة وانهيارها، معتبراً ان الأمور بدأت تخرج من يدها وأن ثمة انقساماً شديداً في الآراء فيها سيؤدي إلى انهيارها. ورأى الرئيس السابق لمجلس الاحتياط الفيديرالي ان النفط الصخري هو العنصر «المهدئ» للأسعار وأن دور المنظمة في استقرار أسعار النفط انتهى وأن أميركا تقود اليوم الأسواق النفطية وأن إنتاج النفط الصخري أدى كذلك إلى انهيار في قيمة الروبل وضعف مالي في دول المنظمة، إذ ان غالبيتها قد تقترض هذه السنة من أسواق المال.
ورأى تقرير «بي بي» عودة «أوبك» إلى قمتها بحلول نهاية عام 2030 لتقود الأسواق، خصوصاً ان الاستثمار في النفط الصخري في كل من روسيا والصين والأرجنتين لن يتحقق ولن تتكرر التجربة الأميركية، ومن ثم سيسترد النفط التقليدي عافيته وصدارته مع زيادة الطلب العالمي على النفط ليصل إنتاج المنظمة مرة أخرى إلى أكثر من 32 مليون برميل يومياً وهو المستوى المحقق عام 2007.
لكن هل علينا ان نصدقهم ونأخذ بآرائهم أم هل هناك وجهات نظر أخرى تؤكد بقاء «أوبك» في الصدارة، وهو موقع يمكنها استعادته في يوم ان أرادت. لكن هل هذا هو هدف المنظمة البترولية الآن؟ أم هل عليها ان تتمكن من الحفاظ على أسواقها وحصتها في الأسواق أولاً وأن ترى قوة منافسيها ومن ثم ترتب البيت النفطي مرة أخرى؟
الدور القيادي لـ «أوبك» لم ينتهِ ولن ينتهي لأن ما تنتجه الولايات المتحدة من النفط الصخري والذي يقارب الآن نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً هو للاستهلاك المحلي وسيجعلها مكتفية ذاتياً لكنه لن يفيد العالم بشيء. ودور «أوبك» ما زال قوياً ومتماسكاً واجتماعها الأخير في تشرين الثاني كان تاريخياً لأنها سمحت للأسواق العالمية بالتعبير عن نفسها ومن دون تدخلات. لقد اتخذت المنظمة الخطوة الحاسمة الأولى بتماسك أعضائها كلهم وتعاونهم. هي الخطوة الصحية الصحيحة ومهما كتبوا وقالوا ستظل المنظمة المؤثر الأول في أسعار النفط سلباً أم إيجاباً، حالياً ومستقبلاً، لتقود وتبقى.