Site icon IMLebanon

مصر والسودان وأثيوبيا تتشارك مياه النيل في اتفاقية سد النهضة.. من الخاسر؟

nile
مصطفى بسيوني
لا شك أن ركائز الأمن القومي المصري تشهد تغيرات مهمة في المرحلة الحالية. فبينما كان الخطر الأساسي الذي يهدد هذا الأمن نظرياً، يأتي من الشرق، وتحديداً من إسرائيل، أصبحت المخاطر تأتي من كل اتجاه.
فقد أضيف إلى خطر ذلك الشرق، خطر الجماعات المسلحة، والغرب أصبح مصدر تهديد بانهيار الأوضاع في ليبيا وتصدير العنف والسلاح إلى مصر عبر الحدود، بل واستهداف المصريين في ليبيا. وإلى جانب ذلك، ظهر خطر الإرهاب في الداخل عبر النشاط اليومي لجماعات العنف.
إلا أن كل تلك الأخطار لا تشبه ما يمثله التحدي الآتي من الجنوب. فقد كان الأمن المائي لمصر، المتمثل في ضمان تدفق مياه النيل من دول المنبع إلى مصر، أهم عوامل البقاء وليس فقط الاستقرار للدولة المصرية.
ويبدو منطقياً أن أبرز الزعماء المصريين في التاريخ هم من أحسنوا التعامل مع قضية النيل، سواء محمد علي الذي أرسل البعثات الاستكشافية إلى منابع النيل، أو جمال عبد الناصر الذي بنى السد العالي.
ووقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس وزراء أثيوبيا هايلي مريام ديسالين في الخرطوم أمس، اتفاق مبادئ سياسياً لحل خلافاتهم حول سد النهضة الأثيوبي، الذي يخشى أن يعرقل تدفق نهر النيل إلى مصر والسودان.
وقال ديسالين في كلمة في حفل التوقيع «أؤكد أن تشييد سد النهضة لن يسبب أي ضرر لدولنا الثلاث وتحديداً للشعب المصري»، مضيفاً أنه «بتوقيع إعلان المبادئ، فإننا نضع الأساس لنصنع مستقبل تعاوننا، ما يمهد الطريق لمزيد من التعاون بين الدول الثلاث».
وجدد رئيس الوزراء الأثيوبي التأكيد على أن «لا أحد سيتضرر من سد النهضة الإثيوبي.. ونسعى إلى تحقيق التنمية وسنتشارك في هذا النيل لتحقيق التنمية والاستفادة من مياهه».
من جهته، قال الرئيس المصري إن «هذا اتفاق إطار وسيكتمل، نحن اخترنا التعاون واخترنا أن نثق في بعضنا البعض من أجل التنمية واستكمال هذا الاتفاق الإطار».
وأضاف السيسي: «سنمضي قدماً في الطريق الذي اخترنا أن نسلكه سوياً حتى ننتهي للاتفاق على قواعد ملء خزان النهضة الأثيوبي وفق أسلوب يحقق المنفعة والتنمية لأثيوبيا من دون الإضرار بمصالح مصر والسودان»، مؤكداً أن توقيع الاتفاق «أصدق برهان على قدرة دولنا وإصرارها على ترجمة المكاسب المشتركة للجميع وعدم الاضرار بمصالح اي طرف من خلال مبادئ محددة والتزامات واضحة».
بدوره، وصف الرئيس السوداني توقيع الاتفاق بأنه «تاريخي»، قائلاً إنه «خطوة على طريق إرساء الدعائم الراسخة للتعاون بين شعوب دولنا وستنعكس إيجاباً على الأمن والتنمية لشعوب حوض النيل الشرقي». وأكد البشير أن المصالح الداخلية «يجب ألا تأتي خصماً للمصالح الإقليمية ومصالح دول الجوار».
من هنا يتخذ سد النهضة الأثيوبي الجاري إنشاؤه على منابع النيل في أثيوبيا بسعة تخزينية تصل إلى 74 مليار متر مكعب، أهمية خاصة. فهي المرة الأولى التي تصبح حصة مصر من المياه، والبالغة 55 مليار متر مكعب مهددة، وفي الوقت الذي تعاني فيه بالفعل من نقص في المياه.
ومن هنا أيضاً، تأتي أهمية اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه في الخرطوم أمس، بين مصر والسودان وأثيوبيا، حول سد النهضة.
الاتفاق، بحسب ما نشر عنه، لا يمثل مرجعية لأي مفاوضات مقبلة للمشاكل الناتجة عن بناء السد، ولكن يمثل إطاراً للحوار في المرحلة المقبلة حول السد. وتعتمد الاتفاقية في خطوطها العامة، القانون الدولي كمرجعية للعلاقة بين الدول الثلاث في ما يتعلق بالمشاكل الناجمة عن عملية البناء.
الاتفاق يجعل سد النهضة أمراً واقعاً، ويطلق يد أثيوبيا في استكماله، وفي الوقت ذاته، تضع هي قواعد للحوار والتوافق حول القضايا محل الخلاف بين الدول الثلاث.
لم تخل الاتفاقية من نقاط غامضة. فمثلاً أصرت أثيوبيا على ألا يكون تقرير المكتب الاستشاري حول مشروع السد ونتائجه ملزماً، واكتفت بأن «يحترم». كذلك لم تنص الاتفاقية صراحة على حصص المياه للدول، واكتفت بألا تضار أي دولة.
وبرغم ذلك، قد تمثل الاتفاقية خطوة جيدة تضع قضايا السد ونتائجه المحتملة محل حوار بين الأطراف الثلاثة، بعدما كانت مصر بعيدة عن أي تأثير في مسار بناء السد. ولكن لا تعني الاتفاقية بأي حال أن الأزمة قد انتهت، بل إن المقبل في تلك القضية قد يكون أهم مما سبق.
وفي هذا السياق، يقول مدير «مركز البحوث العربية والإفريقية» حلمي شعراوي في حديث إلى «السفير» إنه «بقدر ما تكون الدولة قوية، تكون مؤثرة. الاتفاقية عبرت عن حسن نيات، وأعتقد أن أثيوبيا حريصة على مصر التي تملك نقاط قوة يمكن أن تؤثر بها. فالدول الداعمة والممولة لمشروع السد تجمعها علاقات جيدة بمصر، مثل إيطاليا والصين والهند وكوريا، ولن تقبل الإضرار بمصر. كذلك دول الخليج العربي لديها استثمارات ضخمة في أثيوبيا، يمكن أن تضغط بها من أجل حماية حقوق مصر».
ويضيف شعراوي أن «الاتفاقية مكسب للدولة المصرية. فقد اطمأنت أن أثيوبيا ستعمل ضمن إطار قانوني ودولي يمكن مراجعته والحوار حوله. كما أنها أسست لقواعد الحوار والمفاوضة حول المشاكل التي قد تنجم، ومصر يجب أن تسعى لتكوين كتلة من دول حوض النيل بما يحقق مصالح كل دولة».
ولكن هناك آراء ترى أن الاتفاقية حققت لأثيوبيا أكثر بكثير مما حققته لمصر. ومن تلك الآراء ما قالته لـ «السفير» مديرة البرنامج الإفريقي في «مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية أماني الطويل، التي اعتبرت أنه «على المستوى السياسي أثيوبيا هي الرابح. فلم تقدم تنازلات ولم تلتزم بشيء فعلي، حتى أنها رفضت النص في الاتفاقية على حصة مصر من المياه. كما رفضت أن يكون تقرير المكتب الاستشاري ملزماً. الاتفاقية إعلان مبادئ ديبلوماسي، يحسن الأجواء ولكنه لا يلزم أثيوبيا».
وتضيف الطويل أن «تقرير لجنة الخبراء الدوليين العشرة الذي تم تقديمه في 31 أيار 2013 شكك في معامل الأمان للسد، وذكر أنه يهدد الأمن الإنساني لدول النيل. ومع ذلك تحاول أثيوبيا كسب الوقت عن طريق إطالة أمد عمل المكتب الاستشاري لـ15 شهراً بدلاً من خمسة أشهر»، مشيرة إلى أن «على الديبلوماسية المصرية أن تتحرك سريعاً، فالاتفاقية برغم كل ذلك يمكن أن تستخدم للإضرار بمصر».
وتؤكد الطويل أن «الاتفاقية حسنت صورة مصر بعد الطريقة التي عولج بها الموضوع في عهد (الرئيس المعزول محمد) مرسي، وأيضاً أساءت بشدة لمصر. ويجب أن تتحرك الدولة بسرعة شديدة لاستثمارها، قبل أن تخلق أثيوبيا أمراً واقعاً يصعب تغييره».
وبالنسبة إلى البعض، تمثل اتفاقية المبادئ خطوة جيدة، وضعت أزمة سد النهضة على طريق الحل، برغم أنها لم تقدم الحلول، وقدمت إطاراً للحوار والتفاوض، كانت مصر بحاجة إليه.
وبالنسبة إلى آخرين، كرست الاتفاقية أمراً واقعاً حرر أثيوبيا من الالتزام بحقوق مصر المائية، وعفاها من النتائج المحتملة لبناء السد، وأتاحت فرصة لكسب الوقت والانتهاء من بناء السد في ظل مفاوضات ممتدة.
ولكن، قبل هذه الاتفاقية كان الرئيس الأثيوبي في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي. وعقب توقيع الاتفاقية كان الرئيس المصري في طريقه إلى أثيوبيا، لإلقاء كلمة أمام البرلمان الأثيوبي. كان بصحبته وفد من رجال الأعمال، ما يعني أن الاتفاقية الموقعة، أياً كان مضمونها، تمثل خطوة واحدة في طريقة معالجة مصر لأزمة سد النهضة، قد تكون موفقة أو غير موفقة، وأن خطوات تالية، سياسية واقتصادية بدأت مصر في اتخاذها. وحتى تظهر نتائج هذه الخطوات تبقى الأزمة أهم تهديد تواجهه مصر حالياً.