سامانثا بيرسون
يقضي إميليو باستوري عادة عطلة نهاية الأسبوع في زيارة لوالديه المسنين أو ركوب الدراجة في جولة هادئة في الريف القريب من ساو باولو، ولكنه في يوم الأحد الماضي طبع محلل النظم البالغ من العمر 50 عاما لافتة تحمل شعار: “لا مزيد من الأكاذيب”، وخرج بها إلى الشوارع للاحتجاج لأول مرة في حياته.
ويقول إن فضيحة الفساد التي تقدر بمليارات الدولارات التي تجتاح شركة النفط المملوكة للدولة بتروبراس، والائتلاف الحاكم للرئيسة ديلما روسيف أمر لا يمكن تحمله بتاتاً، إن: “تصاعد الفساد من كونه حالات عشوائية إلى أن أصبح استراتيجية للدولة – يبدو أنه الآن المصدر الرسمي لأموال الحزب، من رئيسة بلدية بلدة صغيرة وصولا إلى رئيسة دولة. لقد بلغ السيل الزبى”.
من بين مليون محتج انضموا له في شارع باوليستا في ساو باولو، هناك امرأة في الثمانينيات من عمرها لوحت بملصق يدعو الرئيسة إلى “الرحيل”، وفي حين ترفع الحشود المرددة للشعارات رايات الأعلام البرازيلية، كانوا يحتسون الجعة ويلتهمون الفشار.
هذا ما يبدو عليه البرازيليون، وإن كان بطريقتهم الاحتفالية وغير التصادمية الخاصة، عندما يصلون لنقطة الانهيار.
ويقول فرناندو شولر، أستاذ العلوم السياسية في إنسبير، كلية إدارة الأعمال البرازيلية: “أن يباشر البرازيليون في التصويت في الانتخابات، فهذا أمر، لكن النزول إلى الشوارع هذا أمر مختلف”.
في مواجهة الركود، والتضخم المرتفع منذ عقد من الزمن، وسوء الخدمات العامة، والأزمة المالية، ونقص المياه واحتمال تقنين الطاقة، حتى أكثر البرازيليين تسامحا وجدوا أنه من الصعب استساغة مزاعم أن ما يصل إلى عشرة مليارات دولار، كانت قد سرقت من شركة بتروبراس لدفع الرشاوى والتمويل للحملات السياسية حين كانت روسيف رئيسة لمجلس إدارة الشركة.
انضم مئات الآلاف للاحتجاجات في أنحاء برازيليا، العاصمة، و25 ولاية أخرى يوم الأحد، ما يجعل منها المظاهرات الأكبر منذ تلك التي سبقت إقالة الرئيس فرناندو كولور دي ميلو بسبب الفساد في عام 1992.
ويقول رافائيل كورتيز، المختص بالعلوم السياسية في تندنسياس، وهي شركة استشارية: “إننا نشهد تحولا في طبيعة المخاطر السياسية المحيطة بالبرازيل”. وكما يقول، تواجه روسيف الآن موقفا يمكن أن تصبح فيه “رئيسة اقترب موعد رحيلها” بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على فترة ولايتها الثانية.
مع دعوات لإقالة روسيف لنفسها واستطلاع داتافولها الذي يصنف الزعيمة اليسارية بمستوى الرئيسة الأقل شعبية منذ كولور دي ميلو هذا الأسبوع، قد يبدو أن التاريخ يعيد نفسه.
ومع ذلك، كما يقول جواو أوجوستو دي كاسترو نيفيس من مجموعة أوراسيا، في حين أن نسبة تأييد روسيف من المحتمل أن تنخفض إلى ما هو أقل من النسبة الحالية البالغة 13 في المائة، في الوقت الذي يواصل فيه الاقتصاد حالة التدهور، قطع ثاني أكبر الأسواق الناشئة في العالم مسافة تفوق الحد، على نحو يجعل من غير الممكن العودة إلى الأيام المظلمة الماضية.
تدابير التقشف التي أدخلها جواكيم ليفي، وزير المالية الصديق للسوق الجديدة في البرازيل، من المتوقع لها أن تضع الاقتصاد -الذي من المتوقع أن ينكمش بنسبة 0.8 في المائة هذا العام- على طريق العودة إلى النمو بحلول عام 2016.
وفي الوقت نفسه، فإن ظهور فضيحة بتروبراس في آذار (مارس) العام الماضي، هو في حد ذاته شيء يعود الفضل فيه للاستقلال المتزايد للقضاء وجهاز النيابة العامة في البرازيل.
وكما يقول كاسترو نيفيز: “هناك تقدم لا يمكن إنكاره … على الرغم من الشعور بأننا عدنا إلى نقطة الصفر”.
اكتسب المبنى الأسمنتي على طراز جنجا، الشاهق فوق مركز ريو دي جانيرو التاريخي الذي يضم مقر شركة بتروبراس، طابعا شبه أسطوري خلال العام الماضي.
علينا ألا ننسى أن ما سيحدث داخل جدرانه المضلعة القذرة خلال الشهرين المقبلين، يمكن أن يقرر المستقبل المباشر في البرازيل.
إذا لم تتمكن “بتروبراس” من حساب خسائر الشركة الناتجة عن الفساد وإقناع مدققي الحسابات لديها، أي شركة برايس ووترهاوس كوبرز، للتوقيع على بياناتها المالية السنوية بحلول نهاية أيار (مايو) المقبل، فإن شركة النفط الرئيسة الأكثر مديونية في العالم، سوف تواجه إعسارا من الناحية الفنية.
بعد أن فوتت الشركة المواعيد النهائية لتقديم تقارير الربع الثالث، تقول وكالة موديز الأمريكية إنها “لا ترى حتى الآن أي تأكيد بأن البيانات المدققة سوف تكون متاحة بحلول أي تاريخ معين”.
ويقول نيميا كورتيس دي ألميدا من وكالة التصنيف الأمريكية، التي خفضت مستوى الشركة إلى مستوى السندات الخطرة في شباط (فبراير) الماضي، إن فوات وقت الموعد النهائي في أيار (مايو) الماضي، كان خرقا للالتزامات حول ديونها البالغة 137 مليار دولار، ما أدى إلى تفادي إلى إنقاذ ممكن، ومزيد من التدهور في المالية العامة للشركة.
خلال معظم العقد الماضي، تواطأ بعض التنفيذيين السابقين في نيويورك والشركة المدرجة في ساو باولو، كما يقال، مع كبار السياسيين في البلاد وشركات البناء لتقسيم ما يصل إلى 3 في المائة من عقود شركة بتروبراس.
هذا النقد، الذي غالبا ما كان يُهرَّب عن طريق حسابات في المصارف السويسرية، كان يستخدم لدفع الرشاوى وتمويل الحملات السياسية، كما يدعي ممثلو النائب العام.
كما اتهموا المقاولين الأجانب بما في ذلك شركة رولز رويس بتقديم دفعات غير مشروعة.
وفي حين أن النيابة العامة كانت قد حددت مبلغ الرشاوى بأنه في حدود 800 مليون دولار بحلول كانون الثاني (يناير) الماضي، إلا أن من المرجح أن يكون المبلغ النهائي المسروق بحدود عشرة مليارات دولار، نظرا إلى الرقم المزعوم بنسبة 3 في المائة، والفترات الزمنية المعنية وحجم شركة بتروبراس، وهو ما يمثل 10 في المائة من مجموع الاستثمار في البرازيل، كما يقول أندريه جوردون من جمعية المساهمين أميك ومؤسس شركة GTI لإدارة الأصول.
هذه قضية أفزعت وفتنت البرازيليين على حد سواء، مثل كثير من قصص المسلسلات التلفزيونية البرازيلية غير الواقعية. ابتهج كثيرون بمعركة السلطات ضد الحصانة، وكانوا يلتهمون تقارير وسائل الإعلام حول زعماء البناء الذين لا يزالون محتجزين في زنازين الشرطة.
غالبا ما يفسح السحر الطريق إلى اليأس كما حدث هذا الأسبوع، بسبب مزاعم بأن كولور دي ميلو تلقى أيضا النقدية ضمن البرنامج. وقد نفى هذه المزاعم.
وكما يقول شولر: “هناك إحساس أن البلاد يتم سلبها بشكل منتظم من قبل الجهاز السياسي”، مضيفا أن نتائج التحقيق لا تأتي بعد عام من سجن السياسيين حول فضيحة شراء الأصوات منسالاو.
وفي حين كان قد تم تشغيل ذلك المخطط بين عامي 2003 و2005 من قبل مستشارين للرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا آنذاك، معلم روسيف، إلا أنه نفى أي علم له به ولم يواجه أبدا أي اتهامات رسمية.
ويقول محللون إنه إذا كانت الأموال المتعلقة بفضيحة شركة بتروبراس تعتبر مذهلة، فإن بعض السبب على الأقل يعود إلى أنه كان هناك كثير من المال الذي انتشر في البرازيل، خلال فترة ازدهار السلع.
في العام الذي مر منذ أن قبضت النيابة العامة على باولو روبرتو كوستا، وهو أول تنفيذي لشركة بتروبراس تحول إلى مخبر أو شاهد ملك، تمت إدانة 103 أشخاص و33 عضوا من حزب العمال التابع للسيدة روسيف (PT)، وحلفاء الائتلاف الحاكم هم قيد التحقيق من قبل المحكمة العليا. في حين أن الرئيسة تنفي أي تورط لها في المخطط ويقول حزب العمال إن جميع التبرعات كانت قانونية، طالبت أحزاب المعارضة بالتحقيق مع روسيف، كما يدعي النقاد أنها كانت إما متواطئة أو تفتقر إلى الكفاءة.
إقالة الرئيسة، كما يقول دييجو يرنيك، أستاذ القانون في المؤسسة الأكاديمية FGV، ليس بالأمر السهل. ويضيف: “فقدان ثقة الشعب ليس أمرا كافيا”. يجب أن يكون هناك دليل على أنها ارتكبت جريمة، ويفضل أن تكون ارتكبتها خلال ولايتها الحالية التي أسفرت في إثرائها الشخصي، كما يقول.
مهما كان خطؤها، لم تُظهِر الرئيسة أبدا كثيرا من الاهتمام بزخارف الثروة.
في رحلة إلى أوروجواي هذا الشهر، التقطت صور روسيف في سوبر ماركت محلي، وهي تشتري الحليب وحاجيات البقالة بعد ما قيل إنها ألغت موعد عشاء مع وزراء.
باعتبارها فردا من العصابات الماركسية في الستينيات، ربما لم تتخيل روسيف أبدا أنها سوف تعتمد على مصرفي سابق تدرب في شيكاغو من أجل البقاء.
خلال الانتخابات في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عمل حزبها على تصوير المصارف في صورة الشرير. ومع ذلك، يعتبر وزير ماليتها ليفي الآن أفضل أمل لتحقيق الانتعاش في البرازيل، وأفضل أمل لمنصب روسيف. بعد الفوز بإعادة انتخابها من خلال أحد أضيق الهوامش في تاريخ البرازيل، أحدثت روسيف انعطافاً حاداً مفاجئاً في السياسة، من خلال توظيف ليفي واقتراح سلسلة تخفيضات الفائدة وزيادة الضرائب.
وفي حين سجلت البرازيل أول عجز في ميزانيها الأساسية منذ أكثر من عقد من الزمان في عام 2014، وعد ليفي بفائض هذا العام يصل إلى 1.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في محاولة لاستعادة المصداقية وجذب الاستثمار.
هذه الجهود كانت واجبة منذ زمن طويل. مثل غيرها من الأسواق الناشئة، عانت البرازيل نهاية الدورة الفائقة للسلع، ولكن يجب إلقاء اللوم أيضا على سنوات من الإسراف في الإنفاق وتدخل الدولة ضمن علامات الركود التضخمي.
فضيحة شركة بتروبراس، التي أدت منذ الآن إلى فقدان الوظائف وشلت الصناعة، من المحتمل أن تضر الاقتصاد أكثر مما فعلت حتى الآن.
ويقول محللون إن إقناع الناخبين بضرورة خفض الإنفاق في الوقت الذي تعاني فيه الخدمات العامة في البرازيل، سيكون أمرا شاقا. قصص الرعب تكثر حول الخدمات الصحية في البلاد. نشر هذا الأسبوع أطباء الأسنان في برازيليا الفيديو الذي انتشر في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وهم يزيلون 15 يرقة من لثة فتاة.
ويقول كاسترو نيفيس من شركة أوراسيا إن جدول الأعمال المالية العامة لا يزال صالحا، نظرا لجهود روسيف التصالحية الأخيرة لجلب وزراء من الأحزاب الأخرى إلى دائرتها الداخلية.
ويقول محللون إن التحدي الأكبر قد يكون الإصلاح السياسي – إيجاد طريقة لإزالة الحوافز الهيكلية للفساد، واستعادة ثقة البرازيليين في قادتهم.
وخلال جلسة ساخنة في الكونجرس يوم الأربعاء، وصف وزير التعليم جوميز حلفاء حزب العمال بأنهم حفنة من الانتهازيين، صارخا بأنه يفضل أن يراه الناس على أنه غير مهذب بدلا من كونه “مبتزا”.
لقد كانت لحظة نادرة من الصراحة التي ضربت على وتر حساس، مع خروج البرازيليين المحبطين إلى الشوارع يوم الأحد.
في إشارة إلى المدى الذي يتعين على البرازيل أن تقطعه من أجل استعادة ثقة الجماهير، فُصِل جوميز على الفور، من منصبه، فهل يكفي ذاك الناخبين المحتجين؟