ذكرت صحيفة “الديار” ان ما تشهده الساحة اللبنانية من حملات عنيفة مركزة بين الحين والآخر من قبل بعض وزراء ونواب تيار المستقبل ضد “حزب الله” المستمر بحواره مع التيار “الوطني الحر” ينذر بأن هذه الحملات ليست سوى الوجه الحقيقي للمرحلة الشديدة الخطورة بفتنها وتفجيراتها واغتيالاتها القادمة على لبنان، وهي المرحلة التي ستجعل الساحة اللبنانية جزءاً لا يتجزأ من الصراعات المحتدمة والتي من المتوقع وبحسب أوساط سياسية بارزة أن تتخذ منحى تصعيدياً في كافة أرجاء المنطقة بين المحور السعودي والمحور الإيراني. مضيفة بأن الخوف من هذا التصعيد السجالي الداخلي غير المسبوق منذ تشكيل الحكومة السلامية من قبل بعض القوى السياسية المتضررة من الحوار القائم بين تيار المستقبل وحزب الله ليس فقط من الاطاحة بهذا الحوار المحلي الذي يشكل بالحد الأدنى مظلة داخلية لاجمة للعصبيات والتوترات المذهبية السنية – الشيعية في الشارع اللبناني المحتقن، بل أن الخوف الأكبر يكمن في أن يكون هذا التصعيد غايته البعيدة المتدرجة هو الاطاحة بالحكومة السلامية. وبالتالي ترك لبنان في قلب كل هذه الأعاصير الإقليمية في مهب المجهول من دون رئيس للجمهورية ومن دون حكومة شرعية كاملة الصلاحية ما يعني أن اصحاب هذا التوجه يريدون أخذ لبنان إلى قلب صراع المحاور في المنطقة ليكون جزءاً لا يتجزأ من مواجهاتها وارتداداتها على كل المستويات الأمنية والسياسية وذلك خلافا للتوجهات الدولية والإقليمية الحريصة على تحييد لبنان وإبقائه بمنأى عن براكين المحيط والجوار المشتعلة.
وتتابع هناك أكثر من مؤشر يدل على أن مسار هذه الحملات التي تشن على حزب الله لا يمكن فصلها أبدا عن الخلافات الكبرى في المنطقة بين المشروع السعودي المتراجع وبين المشروع الإيراني المتقدم في ظل تنامي التقارب والتعاون الأميركي – الإيراني المعلن منه وغير المعلن في مكافحة الإرهاب التكفيري الذي يتهدد كل المنطقة. وبطبيعة الحال فإن هذا الإرهاب التكفيري هو أيضا يتهدد لبنان بكيانه وسيادته وتنوعه وتعدده. ما يعني بأن لبنان المنتظر على حافة التسويات الكبرى لن يكون باستطاعته أن ينتظر كثيرا في موقعه هذا، حيث أن تطورات الأحداث المتسارعة سوف تفرض قريبا على لبنان الرسمي أن يختار موقفا واضحا حاسما مما يجري من حوله ومحيطه وهذا الموقف إما أن يكون حاسما واضحا في الوقوف إلى جانب المحور الدولي والإقليمي الذي يحارب الإرهاب ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وحسب بل في كل أرجاء العالم، وإما على لبنان أن يبقى في دائرة الموقف الرمادي الذي يريد أن يحارب الإرهاب بشكل متردد كي لا يغضب بعض القوى الإقليمية الداعمة والحاضنة للإرهاب في مكان ما، وهذا أمر في غاية الخطورة كونه يعني ابقاء الساحة اللبنانية على هشاشاتها وانقساماتها وانكشافها التي تجعل منها قنبلة موقوته قابلة لتفجير أمن لبنان واستقراره وسلمه الأهلي والانزلاق به نحو أتون الفتنة والفوضى في أي لحظة.
وشددت على أن القوى الإقليمية التي تسعى لتعطيل وعرقلة الحوارات المحلية اللبنانية هي القوى التي تشعر بأنه لا مكان للإرهاب التكفيري ومن يموله ويسلحه ويحتضنه على خريطة النظام العالمي – الإقليمي الجديد الذي يعيد النظر في خياراته وتوجهاته السياسية الإستراتيجية على صعيد العالم وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط سيما وعلى وجه الخصوص تجاه الأحداث الجارية في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من الدول التي أصبحت خلال السنوات الماضية الأخيرة دولاً مستوردة ومصدرة للإرهاب التكفيري المتطرف الذي نجح تحت ستار ما سمي بالربيع العربي وبفعل احتضان ورعاية ودعم دول إقليمية لهذا الإرهاب في تعزيز حضوره وقوته الإقليمية والدولية، بحيث أنه وبعد أن كان هذا التهديد محصورا بتنظيم القاعدة باتت لهذا الإرهاب التكفيري تنظيمات جديدة أشد قوة وعنفا وتطرفا وإجراما وأكثر مقدرة وتنظيما وعديدا وانتشارا كتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرهما من التنظيمات التي تتبنى هذا الفكر الأصولي المتطرف المعادي لكل اختلاف او تنوع في هذا العالم.
الأوساط أشارت بأن خطر التكفيريين الداهم على المسيحيين في لبنان لا يعني بتاتاً بأن بقية المكونات اللبنانية هي بمأمن عن بطش وإجرام تلك الجماعات البربرية التكفيرية، بل على العكس من ذلك فان بقية مكونات لبنان لا سيما الأقليات غير السنية منها تحديدا فإنما تنتظرها مخاطر تتهدد وجودها وهي كبيرة جدا ولا تقل شأنا عن الوضع المسيحي المهدد سيما أن هناك اجماعاً بين الباحثين المتخصصين في شؤون التنظيمات التكفيرية الظلامية على أن هؤلاء التكفيريين الذين يرفضون المسيحيين تحت راية ما يسمى بالجهاد فإن جهادهم هو أيضا موجه ضد باقي المذاهب الإسلامية نفسها وهم لا يترددون في تصفية واستباحة كل من يخالفهم المذهب الذي يتبعونه ويريدون فرضه بقوة البطش والسفك على بقية المذاهب الإسلامية التي يعتبرونها خارجة وضالة و فاسدة عن الأصول الإسلامية، فالمسيرة عند هؤلاء حرب دائمة ضد المختلف والمغاير لما يشهدون أنه الحق.
ولفتت الأوساط الى أن وحش التطرف في الشارع السني الذي رعته أطراف وقوى سياسية محسوبة على تيارات الاعتدال السني في لبنان تنفيذا لأجندات داخلية عنوانها الأساسي احراج حزب الله وخارجية عنوانها الأساسي جر الشارع السني في لبنان إلى خندق مواجهة محور الممانعة في كل ارجاء المنطقة انطلاقا من لبنان باتجاه الساحة السورية، قد بدأ يخرج عن السيطرة بعد أن ساهم ذلك الاحتضان الداخلي والخارجي لوحش التطرف في الشارع السني بطريقة مباشرة وغير مباشرة في خلق بيئة حاضنة لنمو وتصاعد موجة الأصوليات المتطرفة وتغلغل راياتها السوداء في العديد من المناطق اللبنانية التي دخلتها التنظيمات التكفيرية الإرهابية التي استفادت من هذا المناخ المتطرف لتجنيد عشرات المقاتلين من الشباب اللبناني لإستدارجها للقتال على جبهات سوريا المشتعلة كما انها نجحت في استقطاب عشرات الشباب اللبناني ليكونوا وقودا لتنفيذ عمليات انتحارية ارهابية وهناك أدلة كثيرة على تلك السلوكيات المنحرفة عن كل ما يمت بصلة إلى الاعتدال السني الذي تمثله الحريرية السياسية التي أساسها الشهيد رفيق الحريري واستشهد في سبيلها.