Site icon IMLebanon

الصعود الاقتصادي للصين يربك الغرب المنقسم


فيليب ستيفنز

الخلاف بين ضفتي الأطلسي حول بنك الاستثمار الآسيوي الجديد في الصين يروي قصة تحذيرية. هذا التصادم الأخير بين الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية يعد نذيرا بالمعارك المقبلة. السؤال الأصعب الذي يواجه العالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة هو ما إذا كان يمكن لنظام مالي واقتصادي متكامل البقاء في ظل ارتفاع المنافسة بين القوى العظمى، أبرزها ما بين الصين والولايات المتحدة. على صعيد الاتجاهات الحالية، الإجابة هي ربما لا.

انكشفت الانقسامات داخل الدول المتقدمة حول كيفية التعامل مع محاولة الصين زيادة نفوذها الاقتصادي الدولي عندما أعلنت بريطانيا من جانب واحد أنها قد تصبح عضوا مؤسسا في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية المقترح من بكين. وأثارت هذه الخطوة استجابة حادة غير معتادة من قبل البيت الأبيض، الذي اتهم حليفته بالتزلف للصين، سعيا إلى تحقيق منفعة تجارية – أمرا سبق للحكومة في لندن أن فعلته من قبل.

قد يكون من اللطيف الاعتقاد بأن التباعد جاء عقب نقاش حماسي حول المزايا الاستراتيجية، أو خلاف ذلك، الناتجة عن مشاركة الغرب في مؤسسات مالية دولية ترعاها بكين. ما من شك في أن الصين تريد تعزيز وزنها أو مكانتها في الشؤون العالمية. والسؤال، هل تعمل مثل تلك المبادرات على تخريب أم تكملة القواعد الموجودة حاليا للتمويل العالمي؟ هل بإمكان الغرب استخدام الفيتو ضد مثل هذه المشاريع؟ هل من المعقول أكثر فكرة الانضمام بدلا من المقاطعة؟ أين ينبغي للقوى القديمة إحداث التوازن بين الانخراط مع، والتحوط ضد القوة الصينية؟

لم يكن هناك مثل هذا النقاش. كان التحرك البريطاني مدفوعا بالانتهازية الاقتصادية بدلا من الحساب الجيوستراتيجي، وكان رد الفعل الغاضب في واشنطن انعكاسا للفوضى البيروقراطية بقدر ما كان حكما مدروسا. كانت الجغرافيا الاقتصادية تقود الجغرافيا السياسية، لكن كان هناك القليل من الاعتراف بالحقيقة الكامنة في هيكل صنع القرار على جانبي المحيط الأطلسي. لا تزال السياسة تصنع في معزل.

كان جورج أوزبورن هو القوة المحركة وراء إعلان بريطانيا. فقد اتخذ وزير المالية وجهة نظر ميركانتيلية للعلاقة مع بكين. قد تكون الولايات المتحدة أهم حليف لبريطانيا، لكن اقتصاد المملكة المتحدة عالق في حفرة، وحسب رأي أوزبورن تعتبر الصين القوة الاقتصادية الجديدة في العالم. إن هدف الحكومة هو أن تصبح شريكا مميزا، وقبل كل شيء التأكد من أن لندن هي وجهة الصين المفضلة للحصول على الخدمات المالية.

أوزبورن يعد لاعبا سياسيا قويا، لذلك لم يتم مناقشة الآثار الجيوستراتيجية الأوسع نطاقا من قبل مجلس الأمن القومي التابع للحكومة. تم إرسال ورقة إلى الإدارات المهتمة بالأمر، ويقال إن وزارة الخارجية أبدت استغرابا حول عدم إجراء مشاورات مع الحلفاء. تمتلك الصين سمعة في اللعب وفق نمط فرق تسد، لكن وزير المالية لم يكن كذلك. إن اتخاذ قرار سريع قد يسمح له بنقل الخبر السار شخصيا لنظيره الصيني خلال اجتماع لوزراء المالية.

اجتمعت الانتهازية البريطانية مع التحسس الأمريكي. كانت وزارة الخزانة الأمريكية وفريق البيت الأبيض الاقتصادي يعرفان أن لدى الأوروبيين وجهة نظر مختلفة حيال البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا سارت على نهج بريطانيا)، لكن النقاش لم يصل إلى فريق الأمن القومي. كان النقاش داخل مجموعة الدول المتقدمة السبع فنيا أكثر منه استراتيجيا. أما قضية أن الصين يمكنها استخدام البنك لتقويض قوة الولايات المتحدة في المنطقة فقد كانت أمرا مسلما به.

كانت واشنطن على أية حال تقف على أرض هشة، وتوقفت محاولات إعطاء وزن أكبر للدول البارزة في مؤسسات بريتون وودز من قبل الكونجرس الأمريكي. وليس متوقعا أن تكتفي الصين بالتفرج على ذلك. أي شخص متفائل قد يقول إن التأثير الأوروبي لدى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية سيضمن ألا يصبح أداة سياسية لبكين، رغم أن التجربة الماضية تشير إلى أن بريطانيا ستفعل ما يملى عليها. أما النزاع، على الرغم من ذلك، فإنه يبشر بأنه سيكون الأول من بين كثير من النزاعات الأخرى. لنقل بصراحة، مصالح الولايات المتحدة تكمن في التسوية التي تم التوصل إليها بعد عام 1945، بينما تريد الصين أن تتصدر المؤسسات والترتيبات التي من صنعها جدول أعمالها الدولي.

إن مثل هذا التفكك هو بالفعل أمر مرئي في مجال التجارة، حيث أفسحت التعددية الطريق للثنائية والتعددية التنافسية. أما الخطر الحقيقي القائم على سلامة نظام تجاري ليبرالي مفتوح فهو وارد في مجموعة ممتازة من المقالات التي تم نشرها من قبل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

يمكن اعتبار الترتيبات الجديدة المدعومة من الولايات المتحدة، مثل الشراكة المقترحة عبر المحيط الهادئ وميثاق الاستثمار والتجارة عبر الأطلسي، أو خطة الصين لتأسيس بنك (بريكس) ومشروعها “طريق الحرير الجديد”، لبنات أساسية للتعاون الدولي الأوسع. في الحقيقة إنهم يشبهون بشكل كبير مسرحيات التنازع على القوة الجيوسياسية.

على المدى القصير، قد تكون النتيجة اقتصادا فيه مزيج من الحوكمة الدولية، بينما تتعايش الترتيبات متعددة الأطراف لفترة ما بعد الحرب بشكل مضطرب مع طائفة من المؤسسات الأكثر خصوصية التي تعكس تماما التنافس الكبير على السلطة بين الولايات المتحدة والصين. ما بين المديين المتوسط والطويل ستكون جميع الأطراف خاسرة، لأن التكامل المالي والاقتصادي العالمي سيقع فريسة التعريفات الأضيق المتعلقة بالمصالح الوطنية وقواعد المنافسة. أيا كان المسار الدقيق، تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى البدء في الربط بين الاقتصاد والسياسة على الفور لدعم النظام الدولي القائم على القواعد في الوقت الذي يتم فيه منح الصين والآخرين نفوذا مستحقا في هذا النظام. لم تسر أمور بريطانيا ولا الولايات المتحدة بشكل سليم في قضية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ولا حتى، على ما أظن، النظام العالمي.