اذا كان القلق الوجودي قد دفع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الى زيارة باريس، فان القلق المذكور تحول الى كابوس بعد لقائه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وقد بدا واضحا من خلال التصريح الذي ادلى به من على درج الاليزيه حيث اختصر جنبلاط وضع المنطقة بمخطط سوداوي “لتدمير الهلال الخصيب” وان الحروب في المنطقة قد تستمر مئات من السنين في ظل الصراع بين “العثمانيين والفرس” وفق توصيفه وعلى قاعدة ان التاريخ يتكرر في محطات كثيرة كما تقول الاوساط المواكبة لايقاع الزعيم الدرزي.
لم يخف ابو تيمور بحسب صحيفة “الديار” تشاؤمه وخوفه على مصير الدروز تلك “المجموعة البشرية الصغيرة” في لعبة الامم وصدام الحضارات وبلغ به اليأس والقنوط الى حدود الاعلان ان “جبهة النصرة” سميت “خطأ” تنظيما ارهابيا وكاد يشببها بانها اقرب الى “سان فالنتين” منها الى الهمجية، بعد فتحه قنوات اتصال معها اثر سيطرتها على البلدات الدرزية الـ14 في جبل السماق في محاولة منه الى انقاذ الممكن اثر الاجتماع الذي عقدته “النصرة” ممثلة بامير المنطقة هناك ابو عبد الرحمن التونسي “وبالشرعي” فيها ابو معن الحمصي مع وجهاء البلدات الدرزية في 1/2/2015 فارضة شروطها وهي: نبش المقامات وتسويتها بالارض وفرض اللباس الشرعي على النساء ومنع الاختلاط في المدارس، وكان سبق لجنبلاط ان قدم اوراقا للتكفيريين اثر جولته المعروفة في منطقة راشيا دعا فيها الدروز للعودة الى “تأدية الفرائض الخمس” واعادة بناء المساجد، في محاولة منه لتخفيف الوطأة وفق منظوره على دروز جبل السماق، واذا كان قد افلح في تأجيل المواجهة بينهم وبين “النصرة” فماذا لو افتى ابو عبد الرحمن التونسي بالزواج من الفتيات الدرزيات وهذا امر يعتبر من الكبائد لدى طائفة الموحدين، وربما هذا الامر يضاعف القلق لدى الزعيم الدرزي.
وتشير الاوساط انه في ذروة الصراع الوجودي في المنطقة لعب جنبلاط اكثر من “صولد” لعله يكسب، فقد سبق له وحلل دم الدروز الذين يقاتلون الى جانب النظام، علما ان دروز سوريا لم يتفقوا يوما مع اي من الزعماء الجنبلاطيين كون قناعتهم العروبية تتخطى المذهبية، وكانوا عبر تاريخهم “حماة الثغور” ورواد الثورة السورية الكبرى التي اطلقها سلطان باشا الاطرش في وقت كانت دارة المختارة تتفيأ الراية الفرنسية، ولعل من اللافت بمكان ان جنبلاط يسعى الى تنظيم الخلاف مع جماعات لا تقرأ الا في كتاب “القاعدة” وتكفر حتى اهل السنة المعتدلين، فهل يفهم هؤلاء ما يسمى الجهاد.
وتقول الاوساط انه في المرحلة الاستثنائية التي تعيشها المنطقة كان الاجدى بجنبلاط ان يتراصف مع المير طلال ارسلان في الخطاب السياسي فالاخير معروف بوضوح الموقف وثباته “من اعتدى ليس منا ومن لم يرد الاعتداء ليس منه”. وكان من البديهي بمكان في ظل الصراع الوجودي ان يؤجل سيد المختارة ثأره مع دمشق الذي يتهمها باغتيال والده لتمرير المرحلة بالحد الادنى الممكن من الخسائر على الدروز والاقليات بشكل عام، ففي الوقت الذي اندلعت فيها الحروب السورية، سوق جنبلاط للسباحة في بحر الاكثرية كون تحالف الاقليات يشكل مقتلا لها. علما ان البحار تبتلع السفن الكبيرة في زمن العواصف فهل يعقل ان يقطعها جنبلاط سباحة بقارب “المجموعة البشرية الصغيرة”.
وترى الاوساط ان تصريح جنبلاط بعد لقائه هولاند يدل على انه عالق في عنق الزجاجة وان الاقليات بمجملها تعيش خطرا وجوديا، لم يستشعره اقطابها المتفرغين للمماحكات المحلية، وان زمن حماية الاقليات في المنطقة قد ولى الى غير رجعة يوم حمت فرنسا الموارنة والانكليز الدروز وروسيا القيصرية الاورثوذكس لا سيما وان الاخيرة عانت ولا زالت تعاني من حربها في الشيشان اضافة الى اشتعال الحرائق في حديقتها الاوكرانية، وان تدمير الهلال الخصيب مخطط اميركي – غربي ممنهج وسيمتد بسرعة الى الخليج على خلفية مذهبية واضحة في ظل النفخ في الفتنة السنية – الشيعية، وان جنبلاط الذي كان “ينتظر جثة عدوه على ضفة النهر” فوجئ بجثث الكيانات الكبرى في المنطقة تعبره وهذا امر لم يكن يتوقعه يوما، لقد كان رهانه ان سقوط “نظام الاسد” مسألة ايام، فاذا بالامور تنقلب رأسا على عقب لان الغرب بات اكثر قناعة بوجوب التفاوض مع الاسد للحل في سوريا وفق ما اعلنه وزير الخارجية الاميركي جون كيري.