شوقي الحاج
تعتبر صناعة الفضة واحدة من الحرف القديمة، التي اشتهرت بها راشيا الوادي، فهي وإن كانت تعود الى عهد الشهابيين، الذين برعوا في دقها وصقلها وفنونها، فقد استمرت مع الحكم العثماني، حيث تتلمذ شبان من آل شاتيلا والراسي وأيوب على أيدي معلم تركي ماهر في هذه الصناعة، واكتسبوا خبرة واسعة في مجال إتقانها، خوّلتهم تطويرها، وتوسيع انتشارها لتشمل بيروت والشام وبعض الدول الأوروبية.
نشطت صناعة الفضة وازدهرت إبان القرن الماضي، حيث وصل عدد مشاغلها في راشيا الى تسعة عشر مشغلاً، وتراوح عدد الحرفيين العاملين في هذه الصناعة بين الـ45 و50 حرفياً، لكن هذه الصناعة تراجعت في الربع الأخير من القرن، وتقلّص عدد مشاغلها الى حدود الثلاثة، واقتصر عدد العاملين في هذه الصناعة اليوم على أصحاب المشاغل، وإن كان بعضهم يتكل على أفراد عائلته في إنجاز بعض الأشغال الدقيقة، هرباً من التكاليف المرتفعة، خصوصاً أن هذه الصناعة تشهد مزاحمة حادة من الصناعات الفضية الأجنبية المستوردة من تركيا وإيطاليا وإيران، في ظل غياب الحماية المحلية لهذه الصناعة.
صناعة الفضة دفعت بعدد من حرفيي راشيا الذين أتقنوا فنونها من آل أيوب وشاتيلا والراسي، الى التوسع بهذه الصناعة، نحو إنشاء مشاغل الذهب وفتح الصاغات في بيروت، ومن ثم كان لهم الفضل في انتشار هذه الصناعة في كندا وبعض الدول الأوروبية، وفق ما يتناقله بعض كبار السن من أبناء راشيا.
عصام المقت، وهو صاحب أحد المشاغل في راشيا، يرى أن “راشيا هي الأم الحقيقية لعملية الصناعة التحويلية لمادتي الفضة والذهب، ليس على مستوى لبنان وسوريا فقط، بل على مستوى كندا وبعض الدول الأوروبية”، مؤكداً أن “اسم راشيا يرتبط ببعض الصناعات الحرفية كالفضة والصوبيات والمدافئ ومعدات صناعة دبس العنب، باعتبارها المنشأ الأساس لهذه الصناعات”.
ويلفت المقت الى أن “صناعة الفضة مرت في فترة ذهبية، حين كان بيت المحترف في بيروت ناشطاً”، لافتاً الانتباه الى أن “الصناعات الفضية القديمة، كانت تستهدف صناعة القلادات، وفضيات الزينة للخيول والسيوف، وصناعة بعض الأواني المنزلية، لكن الصناعات الفضية الحديثة تتركز على صناعة العقود والأساور، والمسابح والخواتم، والميداليات، وحلق الأذن، والعلّاقات والخلاخل، وبعض الشعارات الدينية والوطنية والحزبية وغيرها”.
ويوضح أن “المعدات القديمة التي كانت تستخدم في هذه الصناعة من البوري الى السراج الى عدة التلحيم، استُبدلت بمعدات أكثر حداثة وسلاسية، ومع أن المقت أكد جودة هذه الصناعة، ودقتها، وجماليتها”، إلا أنه شكا من “المنافسة الحادة من قبل الفضيات الإيرانية والإيطالية والتركية، التي تُغرق السوق وتباع بأسعار رخيصة، لكونها صناعات غير يدوية، ورأى المقت ضرورة إعادة الروح الى بيت المحترف اللبناني، وتشريع قوانين لحماية صناعاتنا من المضاربات”.
ويلفت المقت الى أن “الارتفاعات الحادة التي شهدها سوق الذهب، دفع بكثيرين نحو شراء الصناعات الفضية، بغية إهدائها أو التبرج بها في المناسبات”.