عبدالرحمن الضعيان
«المرض الهولندي (Dutch Disease)، في الاقتصاد، العلاقة الظاهرة بين ازدهار التنمية الاقتصادية بسبب الموارد الطبيعية وانخفاض قطاع الصناعات التحويلية (أو الزراعية). الآلية تكمن في ارتفاع عائدات الدولة من الموارد الطبيعية (كالنفط مثلاً) ستجعل من عملة الدولة المعنية أقوى مقارنة مع الدول الأخرى، ما يؤدي إلى ارتفاع كلفة الصادرات بالنسبة للبلدان الأخرى، بينما تصبح الواردات أرخص، ما يجعل قطاع الصناعات التحويلية (أو الزراعية) عند أقل قدرة منافسة (على المستوى المحلي)، وعلى رغم ارتباط هذا المصطلح بالموارد الطبيعية، فإنه يمكن ربطه بأي تطور ينتج عنه تدفق كبير في العملات الأجنبية»، تعود هذه الظاهرة (التسمية) إلى حال الكسل والتراخي التي أصابت الشعب الهولندي بعد اكتشاف النفط، إذ هجع للترف والراحة واستلطاف الإنفاق الاستهلاكي، فكان أن دفع ضريبة هذه الحال بعد أن فاق على حقيقة نضوب الآبار التي استنزفها باستهلاكه. يقول البروفيسور جوزيف ستيلنغز، وهو اقتصادي حاصل على جائزة نوبل: «بعد اكتشاف هذه الموارد الطبيعية السخية اكتشف الهولنديون أنهم يواجهون معدلات متزايدة من البطالة، ومن تفشي ظاهرة الإعاقة بين صفوف القوى العاملة، فالغريب أن العمال الهولنديين الذين فشلوا في البحث عن وظائف اكتشفوا أن استحقاقات العجز والإعاقة أفضل لهم مادياً من الاكتفاء باستحقاقات البطالة. وزاد من تفاقم الظاهرة إلى أن أدت حصيلة الموارد الطبيعية من الطاقة إلى ارتفاع أسعار صرف العملة الوطنية في هولندا، فكان أن ارتفعت أسعار السلع التي أنتجتها هولندا، ما أفضى إلى عجز هذه السلع عن المنافسة في أسواق التصدير، بل جعل الواردات من الخارج أقل سعراً ومن ثم أفضل اختياراً للمستهلك المحلي. وكانت نتيجة هذا كله اضمحلال النشاط الإنتاجي – الصناعي بالذات، وتلك ظاهرة أخرى قد يطلق عليها وصف «اللا تصنيع».
وهذا المرض لم يكن مقتصراً فقط على الاقتصاد الهولندي، بل شمل اقتصادات دول كثيرة عبر التاريخ، كان جل اعتمادها على ما تملك من موارد طبيعية، مثال على ذلك إسبانيا (سابقاً)، والمكسيك، وأذربيجان، ودول الخليج ومنها المملكة العربية السعودية، وهي موضوع بحثنا، إذ تعتبر المملكة العربية السعودية من أكبر الدول المصدرة للطاقة في العالم، وهي أحد الاقتصاديات التي تعتمد على النفط باعتباره مصدر دخل أساسي لها. إلا أنها منذ اكتشاف النفط عملت على تنويع اقتصاداتها وعمل برامج تنموية تعزز من قاعدتها الاقتصادية من توطين للوظائف وإنشاء لصناديق استثمارية تدعم القطاع الخاص في جميع المجالات الصحية والصناعية والزراعية والعقارية، إلا أن هذه البرامج التنموية مرت بمراحل عدة منذ تأسيس الدولة يمكن تصنيفها على ثلاث مراحل زمنية. الطفرة الأولى كما هو شائع لدى العامة أسهمت في بدايتها إلى طفرة هائلة في جميع المجالات، أنتجت عنها تشوهات اقتصادية لقصور مستوى التعليم، لم يكن المجتمع في ذلك الوقت مترفاً، وكانت القوى العاملة تسعى دائماً إلى كسب العيش، بدلاً من الكسل والتهاون والاعتماد على الإعانات المقدمة من الدولة. الطفرة الثانية في هذه الحقبة الزمنية، كان للمرض الهولندي أثر كبير، نتج منه تهاون للقوى العاملة المحلية لتوجهها للأعمال الإدارية (المكتبية)، واستغنائها عن الوظائف الفنية والحرفية، واستيراد العمالة الأجنبية لإحلال هذه الوظائف، كان أحد نتاجها هرب الأموال للخارج (عناصر التسرب أكبر من عناصر الحقن).
لم يكن هناك أثر رجعي للعملة المحلية، لأن المملكة تنتهج سياسة التثبيت Fixed Rate لعملتها المحلية بربط الريال بالدولار الأميركي (أقوى اقتصاديات العالم)، إذ أبقت عملتها عند مستوى مقبول يخدم مصالحها الداخلية والخارجية. نتاجاً لذلك، أصبحت السلع المستوردة بشكل عام أسعارها أعلى من أسعار السلع المحلية نتيجة الدعم الحكومي المتواصل للقطاع الخاص لإبقاء المنافسة، وتشجيع دخول رجال أعمال جدد لصناعات وقطاعات مختلفة، واستمر الحال ومع تقلبات أسعار الطاقة، في الآونة الأخيرة خلال السنوات العشر الماضية ازدادت عائدات الدولة فدخلت المملكة في طفرة ثالثة، يطلق عليها طفرة الاقتصاد المعرفي (التكنولوجي)، توجيه قوي وفعال للاستثمار المعرفي لرفع مستوى التعليم وفتح باب الابتعاث للخارج وتعزيز ثقافة العمل الحر وريادة الأعمال، من خلال ورش عمل ومشاركات في منتديات اقتصادية دولية. ولا ننسى دور الأجهزة الحكومية مشكورة، وعلى رأسها وزارة العمل، التي عملت بجهد متفان لحل مشكلة توطين الوظائف وتقليل وجود العمالة الأجنبية، ما كان له الأثر الإيجابي. أصبح من الممكن بل واقعاً ملموساً رؤية الشباب السعودي يشغل تلك المهن بكل ثقة واعتزاز، وقيام وزارة التجارة والصناعة والبنوك الحكومية وصناديق الدعم الحكومي بتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إذ تشير الدراسات إلى أن المشاريع الصغيرة تلعب دوراً مهماً وحيوياً في القضاء على البطالة، وغيرها من التسهيلات على مستوى القيادات العليا والدنيا تعمل معاً للرقي بحياة المواطن ورفاهيته، والمحافظة على استقرار الأعمال التجارية والأنشطة الأخرى.