وليد خدوري
تتكرر خلال هذه الحقبة ظاهرة اقتصادية برزت في ثمانينات القرن الماضي، حيث تم استبدال «الفيول أويل» بالغاز في محطات الكهرباء، ما أنتج انخفاضاً كبيراً في استهلاك المنتجات البترولية. ونشهد الآن تنافساً قوياً بين استخدام الغاز الطبيعي والفحم الحجري في محطات الكهرباء العالمية. ويذكر أن بعض الدول، مثل الولايات المتحدة والصين، أكبر دولتين مستهلكتين للطاقة في العالم، تستهلكان كميات كبيرة من الفحم لتوليد الكهرباء. لكن هناك محاولات واسعة في كلتا الدولتين لتقليص استخدام الفحم، سعياً إلى المحافظة على البيئة. فانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من الغاز هي تقريباً نصف تلك التي يصدرها الفحم.
تواجه محاولة التحول من الفحم إلى الغاز، معارضة قوية من المناطق التي تنتج الفحم. ففي الولايات المتحدة مثلاً، يحاول الرئيس باراك أوباما تبني سياسة بيئية جديدة للبلاد، من خلال تقليص مؤسسات الدولة الفيديرالية انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون نحو 40 في المئة خلال العقد المقبل، وذلك بالاستعمال الأوسع لبدائل الطاقة المستدامة والغاز الطبيعي. وتعهدت الشركات التي تزود الحكومة الفيديرالية بالطاقة («جنرال اليكتريك» و «اي بي ام» و «يونايتد تكنولوجيز») خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون نحو خمسة ملايين طن خلال العقد المقبل، مقارنة بها عام 2008.
تشير التوقعات إلى أن في إمكان المؤسسات الفيديرالية والقطاع الخاص تقليص الانبعاثات الكربونية نحو 26 مليون طن بحلول عام 2025، مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه عام 2008، أو وفقاً لبيان إعلامي صادر عن البيت الأبيض بما يعادل التخلص من انبعاثات 5.5 مليون سيارة لمدة سنة.
لكن، في الوقت ذاته الذي بادر البيت الأبيض إلى طرح برنامجه هذا، صرح زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، السناتور ميتش ماكونيل (جمهوري من ولاية كانتكي المنتجة الكبيرة للفحم)، أنه سيشن حملة معارضة لبرنامج أوباما. وقد بادر بالفعل إلى إرسال 50 رسالة إلى حكام الولايات يناشدهم فيها عدم تنفيذ الإرشادات الفيديرالية بهذا الخصوص، التي إن تم تنفيذها، فسيتم إغلاق المئات من محطات الكهرباء التي تحرق الفحم في الولايات المتحدة. وحجة السناتور ماكونيل هي أن تهميش صناعة الفحم ستؤدي إلى خسارة الآلاف من الوظائف.
يذكر أن الفحم يشكل الوقود الأكثر استعمالاً في الولايات المتحدة، ومجاله الأوسع هو توليد الكهرباء. من ثم، سيعني تقليص استعماله في هذه المحطات، أو من خلال تقليص تشييد محطات كهربائية جديدة تستعمل الفحم، تغييراً جذرياً في نوعية الوقود الذي سيستعمل في الولايات المتحدة. والأمر ذاته يحصل في الصين، التي تحاول هي أيضاً تقليص انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون وتحسين البيئة في المدن.
تشير دراسة صدرت حديثاً عن مؤسسة «سيديغاز» الفرنسية المتخصصة بالتوقعات المتعلقة بالغاز الطبيعي في المديين المتوسط والبعيد، إلى أن الطلب العالمي على الغاز سيستمر في الازدياد بحلول عام 2035، بسبب زيادة الاستهلاك في كل من الصين والشرق الأوسط. لكن، تضيف الدراسة، أن المنافسة الأهم للغاز هي من الفحم، والسبب هو ارتفاع سعر الغاز مقارنة بالفحم، نظراً إلى التكاليف الاستثمارية الباهظة لتشييد منشآت الغاز. وتتوقع «سيديغاز» أن يزداد الطلب على الغاز سنوياً نحو 1.3 في المئة خلال العقدين المقبلين. كما تتوقع الدراسة أن ترتفع حصة الغاز من مجمل مصادر الطاقة المستعملة عالمياً إلى 23.6 في المئة بحلول عام 2035، مقارنة بنحو 21.3 في المئة في 2013، وأن 75 في المئة من زيادة استعمال الغاز سيكون مصدرها الدول الناشئة، حيث النمو الاقتصادي العالي واستبدال النفط ببدائل الطاقة الأخرى.
أما في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الدول الغربية والصناعية)، فسيزيد الاعتماد على الغاز في كل من قطاعي المواصلات والكهرباء.
كما تتوقع «سيديغاز» أن يزداد إنتاج الغاز من مختلف أرجاء العالم، باستثناء أوروبا، حيث يتوقع انخفاض الإنتاج هناك نحو 2.1 في المئة سنوياً. أما أعلى زيادة في الإنتاج، فستكون من الولايات المتحدة وروسيا والصين، وسيشكل نحو 60 في المئة من الغاز الجديد إمدادات من مصادر «غير تقليدية»، أي الغاز الصخري، أو الغاز من أعماق البحار والمحيطات (حيث ستشكل هذه المصادر غير التقليدية نحو 32 في المئة من الإمدادات الجديدة بحلول عام 2035، مقارنة بنحو 19 في المئة عام 2013). وتتوقع «سيديغاز» أن يستمر الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي حتى عام 2035.
من جهة أخرى، تبين دراسة للمنظمة البيئية «نادي سييرا»، أن تطوير صناعة الفحم بدأت تتقلص فعلاً منذ العام 2010. فقد تم تأجيل او إلغاء نحو ربع المحطات المعتمدة على الفحم في العالم التي كان مخططاً تشييدها. من ثم، فإن طاقة المحطات الكهربائية عالمياً قد انخفضت من 1401 غيغوات عام 2012، إلى نحو 1080 غيغوات في 2014 ، أو انخفاضاً تبلغ نسبته 23 في المئة. وتعتبر الصين الأكثر استخداماً للفحم في العالم، لكن بدأت مسيرة خفض الاعتماد على هذا الوقود لتوليد الكهرباء بنسبة 1.6 في المئة العام الماضي، بينما يلاحظ في الهند، انخفاض كبير للاستثمارات في المحطات المعتمدة على الفحم، بسبب معارضة السكان المحليين.