في التفاوض الغربي – الإيراني حول البرنامج النووي، استنفدت كل النقاشات وبات المطلوب قراراً سياسياً واضحاً من إيران بالنسبة الى القبول بالتخلي عن البعد العسكري للبرنامج. وإذا اتخذت قراراً إيجابياً بالموافقة على توقيع الاتفاق، سيكون للأمر تبعات على وضع المنطقة.
وتفيد مصادر ديبلوماسية لصحيفة “المستقبل”، أن السؤال الكبير الذي يُطرح هو كيف سيكون الأداء الإيراني في حال توقيع الاتفاق بالنسبة الى المنطقة. وهل ستساعد إيران في الحل وتبدي إيجابية تماماً كالتي يطلبها الغربي، أم أنها ستبقى على مواقفها الحالية وتبقى طرفاً وليس أن تكون وسيطاً يتجاوب مع دعوات المجتمع الدولي؟
الاتفاق مع إيران، سيؤدي أولاً الى دعوتها الى المؤتمرات واللقاءات المهمة حول الحلول في المنطقة. ما هو غير واضح منذ الآن هو أداؤها. كما سيؤدي الاتفاق ثانياً الى إنهاء مشكلة البرنامج القائمة بين الغرب وإيران. وهذا جيد بالنسبة الى الطرفين، بحيث يجري تحييده. وثالثاً سيزيد الاتفاق من قوة إيران بحيث لا يعود الغرب قادراً على رفض مشاركتها، والإيجابية الأساسية هي أن الاتفاق يحيد قضية النووي، ويوقف عمل طهران في اتجاه القنبلة النووية، لأنه إذا أصبحت لديها هذه القنبلة فيعني أنها تصبح قوة لا يستطيع أي طرف التأثير معها. ثم رابعاً، سيؤدي الاتفاق الى منع سباق التسلح النووي في المنطقة، ويريح المنطقة في هذا المجال.
وتؤكد المصادر، أن إيران ستزيد في قوتها عندما تلغى العقوبات الدولية المفروضة عليها. وآخر فترة خفت عنها العزلة الدولية لمجرد الاتفاق الأولي الذي وقع والذي مدد مفعوله حتى تموز المقبل. إنما الحوار مع إيران لم يصل الى الكلام عن قضايا المنطقة وملفاتها المفتوحة والملتهبة، وبالتالي، لم يحل شيء في المنطقة والأطراف لا تزال على موقفها، بما في ذلك إيران، ومن غير المعروف إذا كانت ستبقى تؤثر في استمرارية دعمها للنظام السوري، وتبقى طرفاً بعد الاتفاق أم لا.
الاتفاق يعني وضع البرنامج النووي وحله جانباً وعزله عن أوضاع المنطقة، مع الإشارة الى أن الغرب لن يغير تحالفه مع السعودية، ولن يغير موقفه بالنسبة الى دور إيران في دول المنطقة. بعد الاتفاق يصبح هناك عامل جديد، من شأنه مراعاة إيران بدعوتها الى مؤتمرات المنطقة لكن ليس من الأكيد أنها ستتجاوب مع الغرب.
فإذا كانت المقاربة الإيرانية ايجابية تارة، وتتبع الأخذ والعطاء تارة أخرى، عندها ستجد ملفات المنطقة حلولاً، وإلا ستبقى كما هي الآن، لا بل يزداد التأزم. وبالتالي كل مشاكل المنطقة ستبقى قائمة بعد التوقيع، لكن يكون قد دخل على وضعها عامل جديد هو فتح الباب أمام التفاوض عليها بعد عزل الملف النووي جانباً. ويصعب منذ الآن تحديد المسار الذي ستتخذه إيران، والمسار الذي ستسلكه ملفات المنطقة لاحقاً.
لكن الحوار حول المنطقة سيبدأ حتماً بين الولايات المتحدة وإيران. لكن النتائج تتوقف على طبيعة الحوار، وعلى الممارسات على الأرض وعلى إبداء الإيجابية الإيرانية.
بالنسبة الى ضرب إيران لـ”داعش” في العراق، فإن التنسيق بين الغرب وطهران حول هذا الملف لا يتم بصورة مباشرة، إنما السلطات العراقية هي التي تقوم بالتنسيق ما بينهما. والعراق يرحب بأي جهد خارجي لمحاربة “داعش”، إنها أرض العراقيين الذين يتمسكون بها. والعلاقة جيدة بين العراق وكل من إيران والولايات المتحدة في الوقت نفسه. والتنسيق المباشر مع إيران من جانب واشنطن حول “داعش” لن يحصل وفقاً للمصادر، لأنه يظهر كأنه تنسيق مع الشيعة ضد السنّة. واشنطن تريد أن يقاتل السنة “داعش”، لكنها ليست ضد الجهد الإيراني في الموضوع، إنما لا تريد واشنطن التنسيق مباشرة لتحارب إيران الشيعية “داعش” السنّية، لأن ذلك يفسح في المجال لمزيد من التطرف عبر استقطاب “داعش” مزيداً من السنّة لتجعلهم أكثر تطرفاً، واستقطاب إيران لمزيد من التطرف الشيعي.
في هذا الوقت تدور مباحثات أميركية ـ أوروبية، وأميركية ـ خليجية حول إمكان حصول الاتفاق. وقد أعطت واشنطن ضمانات وتطمينات لحلفائها بالنسبة الى أن سياستها تجاه حلفائها لن تتغير، وأن الهدف هو وضع ضوابط للبرنامج النووي الإيراني العسكري. الأوروبيون والفرنسيون تحديداً يهمهم “اتفاق إطار” منطقي، وجيد، لمنع إيران من امتلاك القنبلة الذرية حاضراً ومستقبلاً، لأن أي قدرة لديها على التفلت من مضمون الاتفاق سيجعلها تستمر في السعي الى امتلاك القنبلة، الأمر الذي يدفع المنطقة الى سباق للتسلح.