Site icon IMLebanon

«باب المندب» شريان ملاحي عالمي وتعطيل المضيق يشل «السويس» ويهدّد 4 ملايين برميل نفط يومياً


حيدر الحسيني
لا شك في أن الأحداث التي يشهدها اليمن منذ مدة لها دوافعها وأبعادها السياسية. غير أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لهذا البلد يعطي التطورات بُعداً اقتصادياً مهمّاً يُسوّغ أسباب احتدام الصراع الميداني العسكري تحديداً في هذه النقطة من خارطة العالم.

إنه مضيق باب المندب، الذي ما إن تحكّمت به قوّة ما، فقد يمنحها ورقة مهمة تتيح لها القدرة على المناورة سياسياً واقتصادياً في العديد من الملفات الخلافية العالقة، ولعل هذا ما يُفسّر اهتمام الحوثيين بالزحف سريعاً باتجاه ميناء المخاء، غرب عدن، المطل على ممر المضيق الحيوي لحركة التجارة الدولية.

ويقول مراقبون انه رغم ان انتاج اليمن من مصادر الطاقة محدود نسبيا، الا ان هذا البلد يتمتع، ومن خلال خليج عدن الذي يشرف على مدخل مضيق «باب المندب«، بأحد أهم المواقع الجيوسياسية والحيوية للتجارة العالمية. فعبر هذا المضيق تمر الآلاف من ناقلات نفط الخليج وناقلات البضائع الأخرى بين آسيا وأوروبا وحوض المتوسط وشمال اميركا. ويمر عبر المضيق سنويا ما يزيد على 21 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع. وتمر عبره يوميا امدادت من النفط ومشتقاته بنحو 4 ملايين برميل باتجاه أوروبا وآسيا والولايات المتحدة.

ويشكل المضيق اهمية استراتيجية بالنسبة لقناة السويس التي تدر على مصر ما يزيد على 5 مليارات دولار سنويا. وعلى الصعيد الدولي يحتل المضيق المرتبة الثالثة عالميا من حيث الأهمية الإستراتيجية بعد مضيق هرمز ومضيق ملاقا.

وبالتالي، لم يكن غريباً أن تهوي أسعار النفط بِحدّة الخميس الفائت مع إطلاق الحملة العسكرية، باعتبار أن مجريات الأحداث والتقدّم البرّي باتجاه المضيق أشاع جواً من احتمال التسبب بتهديد الإمدادات. لكن إجماع القوى الفاعلة على إبقاء المعبر المائي مفتوحاً أنعش الثقة مجدداً، ما دفع النفط في ختام تعاملات الأسبوع إلى التراجع 5 في المئة يوم الجمعة الفائت.

في ضوء ذلك، أنهت عقود خام برنت القياسي الأوروبي تسليم أيار آخر جلسة أسبوعية منخفضة 2,78 دولارين إلى56,41 دولاراً البرميل عند التسوية، كما هوت عقود الخام الأميركي 2,56 دولارين إلى 48,87 دولاراً، قبل أن يواصل الخامان التراجع في التعاملات التي أعقبت لحظة التسوية.

أما صادرات النفط اليمني بحد ذاتها فلا تشكل عاملاً مؤثراً في مؤشر الأسعار، باعتبار أن اليمن بلغ إنتاجه 145 ألف برميل يومياً عام 2014، وقد أغلق الموانئ الرئيسة فعلاً، علماً أنه حتى في سيناريو سيطرة الحوثيين على «باب المندب» ثمة إمكانية لتحويل مسار الناقلات حول أفريقيا كخط بحري بديل للمضيق الذي يشكل بوّابة العبور نحو البحر الأحمر، ومنه إلى قناة السويس، وهو تطوّر محتمل يشكل هاجساً لدول المنطقة التي ترى فيه سيطرة من إيران على ثاني المعابر البحرية الإقليمية الحيوية بعد مضيق هُرمُز الذي تسيطر عليها طهران أصلاً.

ومع ذلك، فإن من شأن إغلاق «باب المندب» أن يلزم ناقلات النفط والغاز الطبيعي المُسال بالإبحار حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، في رحلة تستغرق أسابيع وتزيد تكاليف الشحن والتأمين، ما يؤثر تالياً في أسعار البضائع المنقولة على هذ الخط.

في هذا السياق، نقلت وكالات الأنباء عن محللين متخصصين إن أي إغلاق لـ»باب المندب« سيؤدي إلى إغلاق قناة السويس وخط أنابيب «سوميد«، الذي يصل إلى البحر المتوسط وينقل إمدادات نفط إلى جنوب أوروبا، حيث أن الناقلات القادمة من الخليج ستعجز عن الوصول إلى قناة السويس وخط الأنابيب المذكور، وستُضطَر لتحويل مسارها من أجل الإبحار حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، في رحلة تستمر 40 يوماً على الأقل.

ويبدو الاقتران واضحاً بين الأسباب السياسية والاقتصادية في تطورات المشهد، حيث صدرت تصريحات عديدة بهذا المعنى، ومنها تأكيد عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة أن «باب المندب« قضية عربية ودولية، داعياً لحمايته وحفظ الملاحة البحرية من خلاله. وكذلك قول الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، إن ضمان الأمن في «باب المندب«، وتأكيد حرية الملاحة الدولية فيه، وتأمين حوض البحر الأحمر إلى قناة السويس، هي «ضرورات حيوية لا جدال فيها«.

ولقيت التصريحات العربية صدىً أميركياً عبّرت عنه الولايات المتحدة التي قالت إنها ستعمل مع الشركاء على بقاء باب المندب مفتوحاً أمام حركة الملاحة، إضافةً إلى تأكيد قيادة الأسطول الخامس الأميركي، بأنها لن تسمح بأي تعطيل لحركة السفن في مضيق هُرُمز، علماً أن الأسطول يتخذ البحرين مقراً له، وهو المعني أميركياً بتغطية منطقة جغرافية تشمل الخليج والبحر الأحمر وخليج عُمان وأجزاء من المحيط الهندي.

على كل حال، تبقى سيناريوات الأحداث في اليمن مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن نتائجها بالنسبة لمضيق باب المندب من المستبعد أن يكون من بينها إغلاقه نتيجة الإرادة الإقليمية والدولية القوية بإبقائه مفتوحاً، فضلاً عن أن تجربة مضيق هُرمُز تثبت أن الممرات الاستراتيجية تبقى خارج دائرة الإقفال ما دامت التجاذبات السياسية والدبلوماسية وكذلك العمليات العسكرية تحت السيطرة وضمن نطاق الخطوط الحُمر.