IMLebanon

ما أسباب تضمين الفقرة 35 من مشروع اتفاقية التنقيب «التزام السرية»؟

OIlSea3
رائد الخطيب
الحديث عن موضوع النفط، أمانة الاجيال المقبلة، يتطلب بعضاً من الشفافية. ففي كل بلدان العالم، يكمن الحل، عند الشك في فساد الادارة العامة، في الشفافية للتمكن من المساءلة. والشفافية كلمة كبيرة قد تريح بعضا من هواجسنا، بمعنى أننا سنرتاح لسماع أن لبنان انضم الى منظمة الشفافية العالمية في ما يتعلق بقطاع النفط مثلا.

فالمواطن معني في مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية، وهو الهدف المعني بالاستفادة من هذه العملية، مباشرة وغير مباشرة، من خلال البرامج التنموية ورفع مستوى القدرة المعيشية له، وتوفير الخدمات في جميع المجالات وبناء المشاريع الاستراتيجية على كل الأصعدة، وجعلها قادرة على تلبية حاجات المواطن وبمستويات معينة. ذلك ان المبادرة تكشف للمواطن جميع المعلومات والبيانات والارقام التي توضح ايرادات الصناعات الاستخراجية، والكميات المباعة من النفط والغاز، والمبالغ المدفوعة للحكومة من الشركات المستفيدة من شراء النفط، ومعرفة الابواب التي ذهبت اليها هذه الاموال .

الشفافية ضرورية لضمان عدم تحوّل احتياط النفط والغاز في لبنان الى ما يسمّى «لعنة الموارد»، علماً أن الشعب أيضاً يجب أن يشارك في استخدام مثل هذه المعلومات. يجب أن تكون منظمات المجتمع المدني في قلب الجهود الآيلة الى منع الحكومة من السيطرة الحصرية على القطاع ومكافحة سوء الإدارة والفساد. وبحسب القيمين، توجد أكثر من طريقة للخوض في عملية الرقابة على قطاع النفط والغاز، بما في ذلك من خلال التفاعل سواء عبر التعاون أو المواجهة مع الحكومة والصناعة. كما توجد مسارات عمل أخرى، غير اعتماد مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية، والتي يمكن أن تعزز الرقابة السليمة على قطاع النفط والغاز في لبنان مثل التشريعات المحلية التي تملي كيفية تخصيص عائدات النفط.

خليفة

سألت «المستقبل» المحامية سهير خليفة عن الشفافية في الملف النفطي، فقالت «رغم أنّ مبادرة الشفافية هي خطوة أولى في اتّجاه المساءلة، إلاّ أنّها تعجز عن تحقيق ما نصبو إليه. في الواقع، يتمثل أحد المشاغل الرئيسيّة في أنّه وعند تسجّل لبنان في مبادرة الشفافيّة، سيُعطي انطباعًا بأنّنا نعمل على الشفافيّة أو بأنّ الحكومة تقوم بواجباتها باحترامها شروط المبادرات العالميّة. في هذه الحالة، تصبح مبادرة الشفافية الغاية وليست الوسيلة. والمقلق في ذلك هو أنّ الاستثمار في مبادرة الشفافية قد يحيد بالموارد عن المسائل الحقيقيّة الّتي تتخطّى ملاءمة الضرائب والاتاوات الّتي تدفعها الشركات للحكومة«. أضافت «لذا علينا أن نذهب أبعد من مبادرة الشفافيّة لاعتماد مقاربة أكثر شمولاً بدءًا من المرحلة التحضيريّة الّتي يتمّ خلالها منح العقود، وصولاً إلى كيفيّة صرف الموارد وآثارها على البلد. ذلك أنه في كل مرحلة من هذه المراحل، نحتاج إلى التفكير بشكل خلاّق حول كيفيّة الدفع في اتجاه الشفافيّة والمساءلة رغم القيود الحاليّة… علينا التفكير بطرق لاختراق ضبابيّة النظام والدفع في اتجاه تزويد نظامنا الحالي بآليّة مساءلة ليتّسم بعامل الثقة، كما علينا إيجاد طرق للتحرّر من مؤسساتنا الضعيفة، وتأسيس أخرى جديدة لا تعتمد مبدأ تقسيم قالب الجبنة«.

وبحسب خليفة، فانه «يمكن لمعالم هذه البنية التحتيّة المؤسساتيّة أن تتجلى بتمتّع هيئة إدارة قطاع البترول بمزيد من الاستقلاليّة تجاه وزارة الطاقة والمياه، وأن تتحكّم بموازنتها الخاصّة. أمّا قراراتها، فيجب أن تُعلن قبل رفعها إلى الوزارة، شرط ألاّ يمسّ ذلك بالتنافسيّة في العمليّة، حتّى يتمكن الشعب من رصد تغيّر السياسات، ومن يغيّرها، ولماذا. كذلك، يتعيّن أن يترافق أي قرار أو سياسة مع شرح وتبريرات. إلى ذلك، يجب أن تُلزَم شركات النفط بالإفصاح عن كلّ المواد ذات الصلة للهيئة العامّة، تحت طائلة خسارة عقودها«.

وأشارت خليفة الى أنه «يتعيّن على الحكومة، مع وزارة الطاقة والمياه، أن تُطوّر سياسة الطاقة، حّتى نكوّن فكرة عن وجهة القطاع، وكيفيّة مساهمة اكتشافات النفط والغاز بذلك، وكيف تنوي الحكومة التعامل مع آثارها على الاقتصاد«. و»يجب أن يضطلع مجلس النوّاب، ولا سيّما لجنة الطاقة البرلمانيّة، بدور أكثر فاعليّة. لذلك، يتعيّن على هذه الأخيرة تطوير قدراتها الفنيّة لمراجعة آفاق سياسة الحكومة والمساهمة فيها ومناقشتها. ولا يجدر أن تقتصر استشاراتها على هيئة إدارة قطاع البترول والحكومة، بل لا بدّ لها أيضًا أن تعقد جلسات استماع عامّة دوريّة حول سياسة النفط والغاز، إلى جانب وزارة الطاقة، والهيئة، وديوان المحاسبة، وغيرها من الهيئات الرقابيّة للإجابة عن الأسئلة. ويجب على هذه الجلسات أن تضمّ خبراء ومنظّمات المجتمع المدني. فهدف اللجنة يكمن أولاً في مساءلة الحكومة، ولكنه يسعى أكثر الى التوصّل لتوافق وطني حول سياسة النفط والغاز.

وحتّى تكون منظّمات المجتمع المدني أكثر اطلاعًا، يتعيّن عليها بناء قدراتها من خلال التعرّف إلى القطاع. وعليها إجراء نقاشاتها الخاصّة حول الطريقة الفُضلى لرصد قطاع النفط والغاز، حتّى تكون أكثر تمثيلاً«.

ان الشفافية لا يمكن إلاّ أن تؤدّي إلى المساءلة في حال وجود فهم حول ما تعنيه الأرقام ونقاش عام حول كيفيّة إدارة ثروة الموارد في البلد. ورغم أنّ الإفصاح عن المعلومات والنقاش العام ضروريّان، إلاّ أنّهما لا يكفيان أبدًا لمساءلة الحكومة. ولا شكّ في أنّ تقرير التدقيق الصادر عن مبادرة الشفافية، إذا صيغ باقتضابٍ ووضوح، من شأنه أن يُطلع المواطنين لا بل أن يُثقّفهم، لكن لا يُرجّح أن يؤدّي إلى المساءلة. فلبنان مشهور بشكل خاص بذلك، لأنّ الهيئات الرقابيّة تبلّغ عن الكثير من الانتهاكات في تقاريرها السنويّة أو في الإعلام، لكنّ قلّما تتمّ معالجتها.

غير أنّ القصور الأكبر في مبادرة الشفافيّة هو أنّها تركّز على عنصر واحد في سلسلة القيمة: أي الشفافية في الإيرادات. وبعبارة أخرى، فهي تتجاهل التحديات الّتي تواجه البلاد في مجال أنشطة المنبع، سيّما لجهة منح العقود، كما في مجال أنشطة المصبّ، لناحية توزيع الإيرادات.

وتشير خليفة الى ما ورد في الفقرة 35 من مشروع اتفاقية التنقيب والإنتاج عن «الالتزام بالسرية«، والتي تفسر كيف يجب أن تبقى هذه الاتفاقية وجميع المعلومات والبيانات والتحليلات والتفسيرات والنتائج التي جرى جمعها أو الحصول عليها والمتعلقة بالأنشطة النفطية أو الناجمة عنها بموجب هذه الاتفاقية سرية، ولا يجوز إفشاؤها أو نقلها من قبل أصحاب الحقوق إلى أي شخص ثالث. ويلزم البند نفسه بالسرية كل متعاقد وكل مستشار يعمل مع الشركات البترولية. كما تؤكد أنه «إذا كانت السرية أمراً عادياً في العقود التجارية، فما معناها ودوافعها في قوانين وأنظمة تتعلق باستغلال ثروة وطنية عامة، ويُفترض أن تجري مناقشتها وإقرارها في المجلس النيابي!؟ من يطلع على النصوص المعدة لانطلاق صناعة النفط والغاز في لبنان، لا يسعه الا أن يتساءل عن الأسباب التي استدعت الالتزام بمثل هذه السرية؛ ومهما كانت الأسباب. انتهاج السرية أشبه بقنبلة موقوتة ستنفجر لا محالة يوماً ما، مفجرة نزاعات سياسية داخلية إضافية نحن بغنى عنها. وإذا اعتُمدت النصوص الحالية لتوقيع العقود مع شركات النفط، فستصبح هذه العقود فخاً يصعب الافلات منه ومن عواقبه الاقتصادية والسياسية الضخمة التي لا تقارَن بما نجم عن رسم خط أعوج عند الحدود البحرية مع قبرص ومع اسرائيل».

وختمت قائلة: «لم يفت بعد أوان تعطيل هذه القنبلة الموقوتة وإعادة رسم سياسة نفطية على أعلى درجة من الشفافية تحقق مصالح اللبنانيين في المقام الأول، وتؤمن توازناً معقولاً مع مصالح شركات النفط الأجنبية للحفاظ على ثروة ليست تشبه إلا الحلم في ظل نظامنا الحالي«.