فتح الرحمن يوسف
استبعد خبراء ومختصون في مجال التأمين في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تؤثر أحداث اليمن وعمليات تأمين باب المندب، على رفع بوليصة التأمين ورفع سعره على الحرب وعلى النقل البحري.
وعزوا ذلك إلى قدرة قوات التحالف بقيادة السعودية على السيطرة على باب المندب وتشديد الرقابة عليه، ليستمر منفذا بحريا ناقلا بين شمال وشرق العالم من جهة، وجنوبه وغربه من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، قال الدكتور فهد العنزي؛ خبير ومتخصص في مجال التأمين واتجاهاته: «حسب معلوماتي المتداولة، فإن السعودية فرضت سيطرتها على المنافذ البحرية باليمن، حيث تقع تحت رقابتها، وبالتالي أصبحت مناطق العبور التجارية آمنة، في حين أن عبور إمدادات الأسلحة للحوثيين، باتت في حكم الماضي ومراقبة بشكل جيد».
وأضاف: «أعتقد أن تأمين باب المندب يعني أن أسعار التأمين ستظل معقولة، ولن يكون هناك أي مبرر لارتفاعها، في حين أن هذه الرقابة لن تعيق خطوط عبور الملاحة البحرية باليمن، وبالتالي نطمئن شركات التأمين بأنه لا حاجة لرفع الأسعار، لأنه سيكون في هذه الحالة، غير مبرر».
وزاد: «عموما فإن التأمين في البضائع المنقولة بحرا، تزداد مخاطر التأمين عليها وقت الحرب، حيث إن أي منطقة يمر فيها النقل البحري وتشهد اضطرابات سياسية، لا شك سينعكس وضعها على ارتفاع أسعار بوليصة التأمين».
وتابع العنزي: «إن الأوضاع المضطربة ستكون بيئة صالحة لخلق أخطار على التأمين وأسعاره، وبالتالي يصبح في كل فترة هناك تذبذب في أسعار التأمين تميل نحو الارتفاع، بسبب وجود ظروف أمنية تتعلق بالنقل البحري، أو المخاطر المتعلقة بالنقل».
وزاد العنزي: «من المؤكد أن باب المندب يعتبر منطقة تجارية بحرية مهمة، تربط بين أوروبا في الشمال وآسيا من الشرق، حيث تعتبر المنطقة نافذة إلى كثير من القارات أو المناطق التجارية المهمة في المنطقة، في ظل أن باب المندب في الأصل منطقة صغيرة وضيقة».
وأكد العنزي، أن تأثير وضع باب المندب باليمن على أسعار التأمين محكوم بمدى قدرة السيطرة عليه وتشديد الرقابة عليه، من خلال تأثيرها المباشر على حركة الملاحة البحرية في المنطقة.
وقال: «من المهم أن تكون المنطقة مفتوحة، وتشهد تحسنا في بيئة النقل من ناحية أمنية، لأن أي اضطراب أمني وسياسي، يؤثر بشكل مباشر على قيمة وارتفاع أسعار النقل، وبالتالي لا بد من السيطرة على أسعار التأمين بأن تكون مقبولة وغير مبالغ فيها حتى بالنسبة للتجار».
وعني العنزي بذلك، أن تكون كلفة النقل حتى لو كان بعيدا، من ناحية الوقت والمسافة، في حدود كلفة التأمين المعقولة، لأنه برأيه أن التأمين يعتبر عاملا مؤثرا في أسعار السلع، في حين أن أجور النقل تعتبر جزءا من التكلفة التي يحسبها التاجر، يضيفها إلى كلفة البضاعة.
ونوه العنزي بأنه حينما تصبح قيمة التأمين مرتفعة جدا فإنها ترفض، مبينا أن الكثير من شركات التأمين في مناطق الحروب الأمنية والسياسية المضطربة، ستحجم عن التأمين أو إبرام وثائق تأمين، وذلك بسبب أن شركات إعادة التأمين ترفض التورط في خسائر، ذلك أن الخطر في عرف التأمين يسمى «الخطر المحقق».
ولفت العنزي إلى احتمال إيجاد حل آخر، وذلك بأن تؤمن شركات التأمين، وفق شروط قاسية جدا تستثني حالات مثل الأضرار الناتجة عن الاعتداءات المسلحة أو القرصنة أو ما شابه ذلك، مشيرا إلى أن ذلك يقيها الوقوع في خسائر جراء الاضطرابات، لأنها تبحث عن كيفية تفادي مثل هذه المخاطر، أو التعريض عليها في حالة حصولها.
وتوقع أن تتجه بعض شركات التأمين في مثل هذه الحالات، نحو اقتراح حلول مساندة تخفف من المخاطر، بمعنى أن تتفق شركات التأمين، على إيجاد جهات تحرس الخطوط البحرية وتساهم في كلفة هذه الحراسة.
ويعتقد العنزي أنه بالنسبة للوضع العام في المنطقة حاليا، فإن باب المندب يشكل مصلحة دولية عامة، ومن الضروري أن يبقى مفتوحا ومؤمنا ومستمرا في عمله كمنفذ للعبور التجاري، متوقعا أن تبقى كلفة التأمين في حدود ارتفاع معقول، مشددا على ضرورة ألا تكون هناك نتائج تؤثر على سرعة وأمن النقل في هذه المنطقة.
من جهته، أوضح الدكتور مراد زريقات؛ خبير ومحلل في مجال التأمين، أن البضائع التي تنقل عبر الملاحة البحرية والعابرة لباب المندب، سواء كانت قادمة من السعودية أو خارجة منها، في العادة تؤمن وفق سعرين للتأمين.
واسترسل زريقات قائلا: «إن البضائع لديها سعران، السعر الأول عن البضائع نفسها، من الأخطار التي يمكن أن تحدث نتيجة النقل في البحر، والسعر الثاني هو سعر على أخطار الحرب، الذي يحدد من خلال مجمع تسعير أخطار الحرب».
وأضاف زريقات: «نسبة التغيرات في التسعير، عادة تكون مرهونة بنسبة ما يحدث من المعطيات السياسية في المنطقة، وفي العادة عندما يكون هناك أخطار سياسية، تسعر من الجميع بنفس السعر، بمعنى أن السعر لو ارتفع فإنه يرتفع على الكل، وعلى كل شركات التأمين دون تمييز».
ووفق زريقات، فإنه إذا تطور الوضع في باب المندب، فإنه سيزيد سعر التأمين على الحرب، لأن معظم شركات التأمين برأيه، تتأثر بحركة هذا المعبر، كونه معبرا يصل بين شرق العالم وغربه وجنوبه وشماله، غير أن الارتفاع سيكون بمستوى طفيف ليس بالفارق حتى على مستوى العالم، نسبة لقدرة سيطرة قوات التحالف على المعبر وتأمين تشغيله.
وتوقع زريقات ارتفاع أسعار التأمين بسبب وضع باب المندب باليمن بمستوى طفيف جدا، مبينا أن سعر التأمين على الحرب حاليا، عبارة عن 0.05 في المائة، على قيمة البضاعة المشحونة، التي تفرضها الشركات على البضائع المشحونة في البحر.
وأضاف إلى ذلك، سعر التأمين البحري الذي يختلف وفق نوع البضاعة وحسب شروط التأمين المطلوبة من صاحب البضاعة وأمر السفينة وطول الرحلة ونوع الغطاء التأميني المطلوب، سواء أكان تأمينا شاملا أو جزئيا على البضاعة.
وقال زريقات: «بشكل عام فإن البضاعة يقع عليها سعران؛ سعر التأمين على الحرب الذي يراوح 0.05 في المائة، بجانب سعر التأمين البحري، الذي يراوح بين 0.10 في المائة و0.75 في المائة، حيث إن أي بضاعة تشحن يقع عليها سعران، سعر التأمين البحري والثاني سعر تأمين الحرب».
وزاد زريقات: «إن سعر أخطار الحرب، يفترض فيه ثباته، غير أنه يتغير وفقا المستجدات التي تخلقها الأحداث التي تصير في المنطقة كما هي الحال في باب المندب باليمن»، مشيرا إلى أن المجمع العربي للتسعير التأميني على الحرب ينعقد بين الفينة لتحديد الأسعار تبعا للمتغيرات والخسائر المتوقعة.
ومع أن زريقات استبعد ارتفاع سعر التأمين على الحرب في باب المندب كونه يقع تحت سيطرة ورقابة قوات الحالف العربية والسعودية، غير أنه توقع أنه إذا استجدت أمور فإن السعر سيرتفع بشكل طفيف لا يتعدى حدود 0.075 في المائة ويعني ربع في المائة.
واتفق زريقات مع العنزي، في أن أي ارتفاع في بوليصة التأمين غير مبرر البتة، مبينا أنه لو أن هناك جهات أو شركات حاولت رفع سعر البوليصة سيحكم عليه بالفشل، عازيا ذلك إلى أن هناك تحكما في الحرب القائمة الآن في اليمن من قبل قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، وأن هناك تأمينا للمعابر خاصة باب المندب.
وقال زريقات: «حتى الآن ليس هناك تطور، وبالتالي السعر ثابت، ولكن إذا استجدت تطورات للوضع بشكل دراماتيكي، فإن السعر التأمين الحالي سيكون في حدوده المعقولة»، مشيرا إلى أن هناك صورا مشابهة مثلما حصل في دول مثل أفغانستان وسوريا وفي العراق، حيث تأثر الوضع فيها بتأثر الميناء البحري في ظل غياب التأمين على سلامة المعابر.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية بجازان – غرب السعودية، إن «باب المندب باليمن منطقة حيوية ومنطقة عبور ومن المصلحة بقاؤها مفتوحة وآمنة»، مشيرا إلى أن قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، حجمت التهديدات على باب المندب ولن تستمر في ظل إجماع دول العالم على أهميته التجارية.
وشدد على ضرورة تكاتف العالم أجمع في أن يبقى باب المندب بوابة عبور استراتيجية للحركة التجارية الدولية، مبينا أن الوضع الاقتصادي العالمي والتحديات التي تواجهه في ظل بطء نموه، لن تترك أمام دول العالم خيارا غير تأمين باب المندب باليمن لتأمين التجارة.
وتوقع أن الوضع في باب المندب لن يكون مبررا لرفع أسعار التأمين على الحرب وعلى النقل البحري لشركات التأمين التي تسعى لخلق ثغرة تجني بها أرباحا غير مشروعة، من خلال ادعائها بأنها ستتكبد خسائر فادحة جراء الأحداث باليمن.