هل يمكن لمنهج مدرسي واحد غير هادف للربح، ومتضمن للغة الإنجليزية الأساسية، أن يؤهل جيلاً من الطلبة خلال 6 أشهر ويجعلهم مؤهلين ومستعدين للعمل؟
تعمل مدرسة داخلية خاصة في كوالالمبور على رعاية جيل يمكن تأهيله في المرحلة المقبلة للاقتصاد الماليزي. وتتضمن المدرسة صفوفاً خاصة لتدريس اللغة الإنجليزية وأساسيات التعامل مع أجهزة الكمبيوتر وكيفية صيانتها، وغيرها من الصفوف المتخصصة في العديد من المجالات الأخرى.
وقد لا تكون المهارات الأساسية مثل الدرجات التي يتم الحصول عليها من جامعات عالمية مثل: جامعة هارفارد أو جامعة ستانفورد، من التي يسعى للحصول عليها طلاب الطبقة المتوسطة الطموحين في جميع أنحاء شرق آسيا. لكن يمكن القول إنها ذات أهمية أكبر بكثير بالنسبة للاقتصاد الماليزي، إذ إن هذا البلد المكون من 29 مليون نسمة هو على مفترق طرق، مع انخفاض المصادر التقليدية لفرص العمل في الصناعات الاستخراجية والتحويلية. وبالنسبة لكثير من الناس، فإن فرص العمل ستعتمد على سرعة إمكانية هذه الدولة في تبني واعتماد أساليب العمل الخاصة بالاقتصاد العالمي.
ويقول الاستشاري المحلي كال جوفريز من شركة (تانديميك– Tandemic): “الناس هنا مستعدون وقادرون على العمل، وتمتلك البلاد علاقات جيدة ضمن محيطها في المنطقة، كما تمتلك بنية تحتية جيدة”.
ويضيف: “يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يجعلوا هذا المكان أشبه بمكتب مساند لعمليات اقتصاد الإنترنت. لكنهم بحاجة لتعليم أساسي أفضل، لكي يصبح هذا الأمر حقيقة واقعة”.
ويتفق الجميع على أن هناك مجالاً للتحسين والتطوير، فقد صنفت دراسة حديثة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الطلاب الماليزيين في المرتبة الـ39 بين 44 دولة، من حيث القدرة على حل المشكلات. وهو مؤشر يضم مهارات: اللغة والفهم والحساب والتحليل. ولهذا آثار طويلة الأجل، إذ أشارت دراسة حكومية حديثة إلى أن نسبة العمال الماليزيين المهرة في القوى العاملة هي 25٪، أي أقل من نصف النسبة الموجودة في دولة سنغافورة المجاورة.
وهذا الأمر يلحق الضرر على المدى القصير، فقد تخلت شركات الأجهزة الإلكترونية عن آلاف الوظائف في ماليزيا على مدى السنوات القليلة الماضية، من أجل دفع رواتب أقل للقوى العاملة التي تمتلك مهارات مماثلة في الصين والدول الأخرى المجاورة، بتكاليف أقل بكثير.
لكن هناك بعض الإجراءات الجادة حالياً لتحسين نوعية التعليم الأساسي، لاسيما ما يتعلق منها بتعليم اللغة الإنجليزية، لغة الاقتصاد العالمي التي غيرت جنوب شرق آسيا، التي انخفضت في ماليزيا على مدى السنوات الـ40 الماضية.
واستجابة لذلك، هناك عدد كبير من المدارس الخاصة هنا، والتي يستطيع الآباء والأمهات تحمل تكاليفها والتخلي فيها عن منظومة النظام العام للمدارس. كما أنهم يحاولون جاهدين لتسجيل أبنائهم في المدارس الدولية في البلاد. وهذا من شأنه أن يقصي 40% من أطفال المدارس، معظمهم من عرق الملايو الذي يشكل أغلبية سكان ماليزيا، بما في ذلك جميع السكان الأصليين في المنطقة تقريباً.
كذلك يسري الاختلال الوظيفي بعمق في العديد من المدارس الحكومية. ووفقاً للمراقبين الدوليين، فإنه في المناطق الريفية قد نتج عن السياسة الوطنية بتفضيل عرق الملايو لشغل الوظائف الحكومية، عدد من الصفوف الدراسية حيث المعلمين لا يتفاعلون مع طلابهم ما داموا يتقاضون رواتبهم. وقد جعلت هذه السياسة التعليمية الوطنية الأمر صعباً للعثور على معلمين مؤهلين للغة الإنجليزية.
لكن ظهرت عدد من الجهود غير الحكومية لمساعدتهم على مدى السنوات القليلة الماضية، منها: نمو إحدى المنظمات غير الحكومية التي تدير عدداً كبيراً من برامج التنمية المجتمعية، وبشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية؛ حيث ارتفعت من 5 مدارس على مستوى المجتمع المحلي في عام 2011 إلى أكثر من 50 مدرسة هذا العام، مع التخطيط لتأسيس 50 مدرسة أخرى على الأقل، خلال السنوات الـ3 المقبلة.
وقد قامت منظمة (علم دراسات الحياة 24/7- Science of Life Studies 24/7) الموجودة في كوالالمبور، والتي سميت بهذا الاسم نظراً للنهج الذي تتبعه، والمستند إلى المهارات الحياتية في تدريس اللغة الإنجليزية، بتدريس أكثر من 17 ألف طالب منذ إنشائها، ليكتسب معظمهم مهارة الطلاقة الأساسية في اللغة الإنجليزية في 6 أشهر أو أقل. وعلى الرغم من أن معظم الطلاب من فئة طلاب المدارس، إلا أن هناك أعداداً متزايدة من النساء اللواتي تعدين مرحلة الإنجاب وانضممن إلى الطلاب، للالتحاق بعد ذلك بسوق العمل.
وبينما لا تزال المدارس العامة تنقسم إلى مسارات عدة، ويستمر أداؤها في الانخفاض، تعد مدارس مجموعة المنظمة مختلفة، ويطلق عليها “مراكز التعليم المجتمعية”. وهي تعمل على دمج تعليم اللغة الإنجليزية مع دروس حول إدارة المشاريع والتدريب على العمل. ويتم تشغيل هذه المراكز بموارد وميزانية محدودة، فيما يعمل عليها عدد من الشباب المشحونين بالطاقة من جميع أنحاء العالم، ويتلقى معظمهم التدريب لمدة عام قبل مواصلة تعليمهم. ويضم المبنى أكثر من 200 طفل، من بينهم 90 طفلاً مقيماً تقريباً.
وقال آدم تايلور، نائب مدير قسم تنمية الشباب في المنظمة، قبل نقله إلى تايلاند مؤخراً: “العديد من هؤلاء الطلاب يأتون إلى هنا وهم يشعرون بقليل من الثقة بقدراتهم. ومن ثم يحصلون على هذه التجربة كي يعتمدوا عليها في تطوير أنفسهم.”
إن معظم طلاب هذه المراكز لم يسبق لأي منهم رؤية المدينة من قبل، إذ جاؤوا من القرى النائية للحصول على التعليم الذي يقدم مجاناً للجميع. بينما بعضهم الآخر من أعراق مختلفة، تعكس الانقسامات العرقية الصارمة التي لا تزال تميز ماليزيا بعد 51 سنة من الاستقلال، لكن في هذه المراكز لا مكان لهذه الفروقات، إذ إن هؤلاء الطلاب يتشاركون بطموح واحد وهو الحصول على العلم.