Site icon IMLebanon

دروس اقتصادية من مؤتمر شرم الشيخ

EgyptEconomicConference
مروان اسكندر
لا شك في ان مؤتمر شرم الشيخ نجح الى حد كبير. فالانتظام الذي شهدناه قلما شاهدنا مثله في أي مؤتمر اقتصادي استثماري عربي. وقبل المؤتمر كانت دول الخليج الرئيسية، السعودية والامارات العربية والكويت وسلطنة عمان، تلتزم تسهيلات واستثمارات على مستوى 13 مليار دولار تضاف إلى ما يماثلها أو يزيد عنها من الالتزامات التي تحققت عام 2014. وكان من الملاحظ ان قطر تغيبت عن الحضور والمشاركة وعن أي التزام لتقديم موارد مالية للاستثمار أو المساندة، علماً بان امير قطر خلال زيارته للرئيس الاميركي في كانون الثاني التزم محاربة الارهاب الى جانب الاميركيين.

والملك سلمان بن عبد العزيز في خطابه الذي رسم فيه معالم السياسة السعودية في السنوات المقبلة، قال إن محاربة الارهاب هي الاولوية للسياسة السعودية. ومما لا شك فيه ان جمهورية مصر العربية تواجه الارهاب وممارساته يومياً، وان هي حققت نجاحاً كبيراً في ضبطه. والبرهان تجلى في غياب أي عمل ارهابي ملحوظ خلال ايام انعقاد المؤتمر في مختلف انحاء جمهورية مصر العربية.
أبرز ميزات المؤتمر ان حكومة الرئيس السيسي وفرت برامج واضحة لتطوير البنية التحتية، وبناء عاصمة حديثة على مساحة 200 كيلومتر مربع ستوفر الابنية المناسبة لإدارات الدولة، والمساكن لسكان هذه المدينة حين انتهاء اعمالها، والتي تستوجب سنوات، تفسح في مجال العمل والاقامة والانتاج لخمسة ملايين مواطن ومقيم مشارك في الانتاج في مصر المستقبل. وربما من المفيد للقارئ اللبناني ان يدرك ان مشروع اعادة اعمار وسط بيروت حتى مع مساحات الردم انتشر على مليوني متر مربع أي ما يوازي واحداً في المئة من مشروع القاهرة الجديدة.
مشروع انجاز المدينة تقدر تكاليفه بـ45 مليار دولار وقد ابدى رئيس وزراء دولة الامارات الشيخ محمد بن راشد استعداد الامارات لانجاز الاعمال المطلوبة، واستعداد شركة اعمار التي شيدت نسبة كبيرة من اعمال البنية التحتية والابنية السكنية وابنية المكاتب والمدارس والجامعات في دبي اضافة الى المنشآت السياحية، وهذا الالتزام المهني لم نشهد ما يماثله في أي دولة عربية، وهو البرهان على ان جمهورية مصر العربية لا تزال تحتل في الضمير العربي موقعاً مميزاً.
من الالتزامات الاستثمارية الانشائية البنيوية غير العربية برز التزام شركة سيمنز الالمانية انجاز 13300 ميغاوات من انتاج الطاقة الكهربائية مقابل كلفة تساوي 6,5 مليارات اورو (أو سبعة مليارات دولار بأسعار صرف اليوم)، وانجاز اعمال تشييد مصانع الانتاج سوف تحتاج الى سنة ونصف سنة فقط. وتجدر الاشارة الى ان قطر تملك حقوق التصويت على ثلاثة في المئة من اسهم سيمنز ابتاعتها في مقابل 2,4 ملياري أورو، الامر الذي يعني تخمين سعر شركة سيمنز عند شراء الاسهم بـ800 مليار أورو.
وهذا المثال يوفر للبنان درساً بليغاً، ذلك اننا نحتاج الى انجاز معامل لانتاج الكهرباء بطاقة 3000 ميغاوات، ولا نزال نتعثر منذ وضع برنامج لتطوير مصادر الطاقة منذ عام 2010، وليت وزير النفط أريتور نظريان كان في عداد الوفد اللبناني، ربما كان استفاد من امكان مباحثة فريق سيمنز في شأن حاجاتنا، وكل ما تعاقدنا على انجازه من مصانع الانتاج الحديثة الجديدة، معمل لانتاج الكهرباء يرسى على افتراض توافر الغاز لتشغيله بطاقة 500 ميغاوات في منطقة نهر البارد حيث هنالك مصنع انجز عام 1995-1996 بطاقة مماثلة. وكلفة المصنع في لبنان نحو 500 مليون دولار أي ان الميغاوات الواحد يستوجب مليون دولار، في مقابل نصف هذا المبلغ لمشروع سيمنز في مصر.
المصريون عانوا خلال السنة المنصرمة وهذه السنة تقطع إمدادات الكهرباء، نتيجة امرين: امداد مصر اسرائيل بكميات من الغاز مدى سنوات باسعار متدنية، وانخفاض انتاج مصر من الغاز بسبب سوء ادارة هذا القطاع البالغ الاهمية، فبرزت الحاجة الى استيراد المازوت لاحلاله محل الغاز في مصانع لانتاج الكهرباء توقفت عن الانتاج. وحيث ان تكاليف هذه المستوردات تجاوزت ضعفي تكاليف استعمال الغاز، لم تتوافر موارد القطع اللازمة لاستيراد المشتقات التي تكفل تشغيل المصانع بكامل طاقتها.
إن انخفاض إنتاج الغاز، واستمرار تسليمات الغاز الى اسرائيل في الوقت ذاته أصابا الاقتصاد المصري باضرار كبيرة كان منها تعذر تغطية تكاليف استيراد المشتقات، ومعاناة غالبية الشعب المصري تقطع الامدادات، وانخفاض الانتاج الصناعي، وندرة الغاز لحاجات التدفئة، وبعض هذه المشاكل بات محلولاً لان اسرائيل صارت تكفي حاجاتها من الغاز من انتاجها بعد الاكتشافات التي حققتها في حقل تامار، المقارب للمياه الاقليمية اللبنانية جنوباً، والذي يمتد على الارجح في المياه الاقليمية اللبنانية، وحققت اكتشافات اكبر في حقل لفياتان أي العملاق، وبلغت التكاليف الاولية لهذا الحقل ستة مليارات دولار.
برنامج شركة سيمنز الالمانية لزيادة طاقة انتاج الكهرباء في مصر اكثر من 13000 ميغاوات وبكلفة توازي سبعة مليارات دولار، امر يعني ان في امكاننا مباحثة هذه الشركة العملاقة في زيادة الطاقة في لبنان 3000 ميغاوات. ولنفترض ان كلفة انجاز طاقة تقل عن ربع الطاقة المقترحة في مصر يؤدي الى زيادة كلفة كل ميغاوات بنسبة 25 في المئة، بفعل اقتصاديات الحجم، أي تحقيق وفر في انجاز المشاريع الكبيرة، يمكن ان يكون لدينا 3000 ميغاوات بكلفة ملياري دولار على الاكثر، أي ما يقل عن الثلاثة مليارات دولار التي وازت عجز الكهرباء على مستوى اللقيم خلال 2013 و2014.
بالطبع، بعد ظهور مؤشرات الكلفة لمشاريع مصر، والزمن المطلوب لزيادة الانتاج، ستكون هنالك اصوات تنادي بامكان تحقيق وفورات اكبر، وبالتأكيد تعالي الاصوات هذه لن يستند الى أي دليل حسي. ولنفترض ان في الامكان تفحص امكان كهذا، يكفي ان يكون هنالك عرض كالعرض المتوافر لتأمين ارضية تفاوضية حقيقية لتأمين حاجات لبنان، وكبح استئثار اصحاب المولدات بتأمين نصف حاجات اللبنانيين في مقابل اشتراكات باهظة يئن منها ذوو الدخل المنخفض، ويشكو منها اصحاب المستشفيات والمؤسسات التعليمية والانتاجية.
امامنا فرصة لن تعوض، كما امامنا فرصة التعاقد مستقبلا على شراء كميات وافية من المازوت لتأمين الحاجات في انتظار انهاء الطاقة الجديدة، ومراكز لاستقبال الغاز المسيل لاستعمال الغاز كلقيم مفيد بيئياً واقتصادياً في معملي نهر البارد والزهراني في انتظار تأمين الغاز من الكميات التي يرجح توافرها في المياه اللبنانية.
فرصة متاحة لا يجوز تبخرها قبل الاستفادة منها. واذا مضينا في المراوحة بدل اتخاذ القرارات الحيوية يكون مجلس النواب قد قدم برهاناً قاطعاً على انه لا يمثل الارادة اللبنانية كما لا يؤمن للبنانيين فرص المعاصرة والارتقاء، وبعد ذلك ربما يطرح السؤال هل لهذا المجلس باتكاليته وبطء قراراته الحق في الاستمرار؟