IMLebanon

الأسواق الناشئة تباشر السقوط بوتيرة عنفوان النهوض

EmergingMarkets1

جيمس كينج وجوناثان ويتلي

في مواجهة الركود، ومعدل التضخم المرتفع لمدة عقد من الزمن، وأزمة في المالية العامة، وتقنين المياه، خرج أكثر من مليون برازيلي إلى الشوارع الشهر الماضي، للاحتجاج ضد الفساد وسوء الإدارة في حكومتهم.

في الصين، يتباطأ النمو في الوقت الذي تتراجع فيه أسعار العقارات، ما دفع أكثر من ألف منجم للحديد الخام نحو الانهيار المالي. وفي الوقت نفسه، المواطنون، حتى أشد الوطنيين منهم في روسيا يتخلّون عن مصارف دولتهم، من خلال تحويل المدّخرات إلى الدولار الأمريكي. مثل هذه اللقطات من الاضطرابات المتزايدة في الأسواق الناشئة الأكبر في العالم يتردد صداها بين كثير من نظرائها الأصغر حجماً.

كثير من البلدان في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يُعاني تراجع الإيرادات وارتفاع الديون. حتى الاقتصادات النفطية المدفوعة بالطاقة في الخليج، التي تضررت من انخفاض أسعار النفط بمقدار النصف، على مدى الأشهر الستة الماضية إلى 55 دولارا للبرميل، تتحرك نحو مسار أبطأ.

على الرغم من أن هذه التعابير الدالة على الإجهاد والعناء تأتي من مصادر مختلفة، إلا أن هناك اتجاها واحدا كبيرا وماكرا يعمل على تحديد مصير مشترك لجميع الأسواق الناشئة على نحو ما.

تدفق رأس المال العالمي إلى اقتصاداتها في الأعوام الستة منذ الأزمة المالية للعامين 2008- 2009، هو الآن في معظم البلدان، إما أنه يمر في حالة من التباطؤ الكبير، أو أنه يعكس مساره من أجل العثور على منزل أكثر أماناً مرة أخرى، في الاقتصادات المتقدّمة.

التدفقات الخارجة الأعلى منذ عام 2009

على أساس حسابات الاقتصاد الكلي، فإن كل الاقتصادات الناشئة الـ 15 الأكبر شهدت أكبر تدفق خارجي لرؤوس الأموال بالقيمة المُطلقة، منذ الأزمة في النصف الثاني من العام الماضي، حيث أدت تقوية الدولار الأمريكي إلى دفع عملات الأسواق الناشئة إلى ضعف تدريجي كبير، وأصبح المستثمرون يشعرون بالقلق من احتمال التشديد في السياسة النقدية الأمريكية، وذلك وفقاً لبيانات جمعتها شركة آي إن جي.

وفي نفس الوقت، فإن أسعار السلع المنخفضة أدت إلى تراجع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في كافة أنحاء البلدان النامية. يقول محللون “إن هذه الاتجاهات تُشير إلى تفكك كبير في ديون الأسواق الناشئة المفرطة التي تضخمت إلى أبعاد غير مسبوقة”. الأهم من ذلك، أن الألم الناتج عن هذا الهرب لرأس المال يتم الشعور به خارج الأسواق المالية، في الاقتصادات الحقيقية للبلدان الضعيفة، وفي أعداد مرتفعة من شركات الأسواق الناشئة المتوقع أن تعجز عن سداد ديونها. يقول مارتن جان باكوم، كبير مختصي استراتيجية الأسواق الناشئة في شركة آي إن جي لإدارة الاستثمار “هناك أجزاء معينة من العالم تبدو ضعيفة فعلا.

أماكن مثل البرازيل وروسيا وكولومبيا وماليزيا، التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات السلعية، التي ستتعرّض للضرر حتى بشكل أكبر، في حين إن تلك البلدان التي كانت تقترض بشكل أكثر إفراطاً مثل تايلاند والصين وتركيا، تبدو أيضاً محفوفة بالمخاطر”. يقول محللون “إنه في حين إن الأسواق الناشئة كانت البيئة التي وقعت فيها عدة اضطرابات مالية في الآونة الأخيرة، إلا أن الهجرة الحالية لرأس المال يمكن أن تؤدي إلى تغييرات جذرية”.

في الواقع، على الرغم من أن “نوبة الغضب من الانسحاب التدريجي” في منتصف عام 2013 – التي أثارها اتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بالإشارة إلى نيته تخفيف برنامج التحفيز النقدي – تسبّبت في جملة اضطرابات في الأسواق المالية، إلا أن تأثيره في اقتصادات الأسواق الناشئة الحقيقية كان مؤقتاً.

على أن هذه المرة مختلفة تماماً، فالأمور تبدو أكثر خطورة. قال صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع إن إجمالي احتياطات العملات الأجنبية التي احتفظت بها الأسواق الناشئة في عام 2014 – مؤشر رئيسي لتدفقات رأس المال – مُنيت بأول انخفاض سنوي لها منذ بدء السجلات في عام 1995.

بدون تدفقات داخلة ثابتة من رأس المال، يكون لدى بلدان الأسواق الناشئة أموال أقل لدفع ديونها، وتمويل عجزها والإنفاق على البنية التحتية وتوسع الشركات. يقول محللون “إن النمو الاقتصادي الحقيقي من المقرر أن يُعاني هذا العام”. وتتوقع شركة كابيتال إيكونوميكس أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة من 4.5 في المائة إلى 4 في المائة في عام 2014، مع دخول أعمق لروسيا في حالة ركود، واستمرار البرازيل في المعاناة وإعاقة الصين من قِبل سوق العقارات الضعيفة فيها. ما يكمن تحت مثل هذه التوقعات الواقعية هو شعور بأنه تم الوصول إلى نقطة الانقلاب مع نهاية “الدورة الكبيرة” للسلع، وظهور أسعار النفط المنخفضة. يقول بول هودجز من الشركة الاستشارية للمواد الكيماوية والسلع، إنترناشنال إيكم “إن ما يحدث هو تفكك كبير لظروف السوق للأعوام الـ 15 الماضية”.

تراجع اقتصاد الصين.

كما يرى باكوم أيضاً انعكاساً كبيراً في القوى المحركة للرأسمالية العالمية، ويقول “إن تدفق رأسمال الأسواق الناشئة، إلى الخارج يمثّل التفكك التدريجي للتدفقات المُفرطة الداخلة إلى بلدان الأسواق الناشئة، خلال أعوام أسعار الفائدة الصفرية في الولايات المتحدة”. مع ذلك، الآفاق ليست سيئة عالمياً. توافد المساهمون إلى الهند، التي تملك حكومة ذات عقلية إصلاحية، وكانت قد كسبت من انخفاض أسعار الطاقة الذي ساعدها على تخفيض عجز الحساب الجاري فيها. كذلك إندونيسيا والمكسيك تجذبان الاستثمارات لأسباب مشابهة. تراجع النقد الأجنبي

مع ذلك، وفقاً لبيانات جمعتها شركة آي إن جي عن اقتصادات الأسواق الناشئة الـ 15 الرائدة، بلغ مجموع صافي تدفقات رأس المال الخارجة في النصف الثاني من العام الماضي 392.4 مليار دولار. وهذا مقارنة بما مجموعه 545.9 مليار دولار من تدفقات رأس المال الخارجة على مدى ثلاثة أرباع خلال أزمة عام 2008-2009.

في حال أظهر الربع الأول من هذا العام أيضا تدفقات خارجة من رأس المال، فإن مجموع الخسائر من الأسواق الناشئة خلال الأرباع الثلاثة يمكن أن يقترب من ذلك الذي شهدناه خلال الأزمة.

من الممكن، كما يقول محللون، “إن التدفقات الخارجة لن تستمر فقط في الربع الأول من هذا العام، لكنها قد تتسارع أيضاً لتتفوّق على تلك البالغة 250.2 مليار دولار، التي رأيناها في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2014”.

وفي حين إنه خلال الفترة 2008-2009 كانت الولايات المتحدة هي العامل المساعد الرئيسي لمعاناة الأسواق الناشئة، لكن هذه المرة تعتبر الصين هي مصدر القلق الرئيسي. تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين، إلى جانب التباطؤ في البناء، يُثير موجة كبيرة من هروب رأس المال، حيث يعتقد المساهمون أنهم سيكسبون أكثر إذا وضعوا أموالهم في أماكن أخرى. التعبير الرئيسي لهذا التراجع هو انهيار “تجارة المُناقلة في الصين”، حيث كان المساهمون الصينيون يقترضون بأسعار فائدة منخفضة في الخارج لضخ الأموال مرة أخرى إلى قطاع العقارات في الصين، ومجموعة من المنتجات المالية الغامضة. مثل هذه الاستثمارات الآن تبدو أكثر خطورة، وهرب مستوى قياسي من الأموال من البلاد، بلغ 91 مليار دولار في الربع الأخير من العام الماضي. يقول فريدريك نُويمان، مختص الاقتصاد في بنك إتش إس بي سي “إن الأمر كله يتعلق بالصين، بشكل مباشر وغير مباشر.

على الرغم من فائض ثابت في الحساب الجاري، إلا أن تدفقات رأس المال الخارجة خلال الأشهر الستة الماضية، عملت على استنزاف الاحتياطات من خزينة النقط الأجنبي الواسعة في الصين.. وحيث إن سعر الرينمينبي اليوم يمثل قيمته العادلة أكثر من قبل، من الصعب رؤية الصين تشغل رصيدا كبيرا من فوائض الدفعات مرة أخرى”. في البرازيل، ينبُع الضعف من مزيج من انخفاض أسعار السلع الأساسية وارتفاع الدولار الأمريكي. على الرغم من أن البلاد تمكّنت من جذب صافي تدفقات داخلة من رأس المال في النصف الثاني من العام الماضي، إلا أن تكلفة ذلك كانت بيئة أسعار فائدة عقابية حيث بلغ سعر الفائدة الرسمي 12.75 في المائة. تسديد الديون

يقول النقّاد “إن البرازيل، شأنها في ذلك شأن كثير من الأسواق الناشئة، فشلت في استخدام سنوات الازدهار فيها لاتخاذ القرارات الصعبة اللازمة لدفع عجلة نمو الإنتاجية”. يقول سيرجيو تريجو باز، رئيس قسم ديون الأسواق الناشئة في شركة بلاك روك “إن الإصلاح في الوقت الذي تواجه فيه رياحاً معاكسة هو أمر صعب للغاية. بعض الأسواق الناشئة ستكافح للحفاظ على تصنيفات درجتها الاستثمارية”. وفقاً لدراسة أجرتها “ماكينزي”، ارتفع إجمالي ديون الأسواق الناشئة إلى 49 تريليون دولار في نهاية عام 2013، وهو ما يشكل 47 في المائة من النمو في الديون العالمية منذ عام 2007. وهذا أكثر من ضعف حصتها من نمو الديون بين عامي 2000 و2007. بعض تدفقات رأس المال الخارجة الأكثر أهمية تأتي من البلدان التي كانت الأسرع في مراكمة الديون.

على سبيل المثال، كوريا الجنوبية شهدت نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها ارتفاعا بمقدار 45 نقطة مئوية بين عام 2007 وعام 2013، في حين إن الصين وماليزيا وتايلاند وتايوان شهدت ارتفاع الديون بمقدار 83، 49، 43، 16 نقطة مئوية على التوالي. ليست البلدان هي وحدها المعرضة للمتاعب، على كل حال، لأن هناك مجالا آخر للقلق، ألا وهو صعود سوق سندات العملة الصعبة لشركات الأسواق الناشئة. قبل عشرة أعوام، هذه الظاهرة المتفاقمة قبل الانحسار، كانت بالكاد موجودة.

أما اليوم، فإن هذه السوق تُقدّر بأكثر من تريليوني دولار، ما يجعلها أكبر من سوق السندات ذات العائد المرتفع في الولايات المتحدة البالغة 1.6 تريليون دولار، وهي فئة أصول مألوفة للمساهمين منذ عقود من الزمن.

لقد تمت تغذية نموها بسبب السياسات النقدية التوسعية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وبسبب مطاردة العوائد من قبل المستثمرين ومديري الصناديق مع أهداف لم يعُد من الممكن تحقيقها في الأسواق المتقدّمة.