الفونس ديب
الأعياد التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر لتنفيس الاحتقان الذي يصيب النفوس جراء الأوضاع الصعبة في البلاد سياسياً واقتصادياً ومعيشياً، ولأخذ فترة من الراحة والهدوء، لم تمتد مفاعيلها الى الأسواق، لطالما اعتبرها التجار خلال السنوات الاربع الماضية المحطات الوحيدة التي يمكن ان ترفع منسوب مبيعاتهم وتقلص خسائرهم، واعطائهم بعض المؤن تقيهم شر السقوط والاقفال.
هذا العام، الحال تغير، فحلول أعياد الشعانين والفصح المجيدة، لم يحفز الناس للتسوق رغم التنزيلات الكبيرة التي أجراها التجار والتي بلغت في الكثير من الأحيان الـ80 في المئة.
وأجمع عدد من رؤساء الجمعيات التجارية في بيروت والمناطق، على ان الاسواق يصيبها الجمود رغم حلول الأعياد المجيدة، واشاروا الى ان الحركة تراجعت بين 15 و20 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
وحذّروا من تفاقم أوضاع القطاع التجاري، وإقفال أعداد كبيرة من المؤسسات التجارية التي وصلت حالياً الى حافة الإفلاس، في ظل تراكم الديون والمستحقات، من دون ان يكون هناك اي بارقة أمل لتحسن الوضع في المدى المنظور.
وناشدوا القوى السياسية، الاسراع بانتخاب رئيس الجمهورية، لأن ذلك برأيهم يشكل الطريق الوحيد لاعادة الحياة الى طبيعتها في البلاد، واعادة الثقة الى المستهلك اللبناني وكذلك الى السائح والمستثمر العربي والأجنبي.
عيد
وفي هذا الاطار، رصدت «المستقبل» حركة الاسواق التجارية واوضاع التجار، خلال فترة الاعياد مع عدد من رؤساء الجمعيات التجارية، حيث أكد رئيس جمعية تجار الاشرفية طوني عيد، لـ»المستقبل» ان الحركة لا تزال خفيفة قبل ايام من عيد الفصح، وهو ما يفاقم حالة القطاع المتردية والذي يعاني منذ سنوات تراجعاً كبيراً في ادائه«.
وكان عيد يتوقع ان تكون الحركة أفضل، لا سيما مع استباب الوضع الامني، «لكن المخاوف لدى المواطنين مما يحصل من حولنا، وفي ظل الشغور الرئاسي والشلل في المؤسسات الدستورية، كل ذلك يضغط على ثقة المستهلك ويدفعه للاحجام عن الشراء». وتضاف الى ذلك، عوامل اخرى سلبية تؤثر على القطاع، ابرزها التراجع الكبير في عدد السياح وعدم مجيء المغتربين بالأعداد المعهودة في مثل هذه المناسبة، فضلاً عن التراجع الكبير في القدرة الشرائية لدى المواطنين.
ولمواجهة هذا الواقع السلبي، يحاول تجار اليوم، وفق ما قال عيد، تخفيف الاعباء والمصاريف فيما يسعى البعض الاخر الى تصغير حجم اعماله، «الا ان كل ذلك لن يقيهم الاضرار الناتجة عن الجمود المتحكم بالاسواق«.
واعتبر عيد «انه في ظل غياب اي حلول سياسية للوضع العام في البلد، وكذلك مع انعدام قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات جدية لتحسين المناخ العام، فإننا ذاهبون نحو المزيد من المشكلات».
ولفت عيد الى ظاهرة في اسواق الاشرفية، وهي استمرار عرض الملبوسات الشتوية، وهذا يدل على ان التجار لم يتمكنوا رغم التنزيلات الكبيرة من تصريف بضائعهم، او على الاقل نسبة المطلوب تصريفها«.
كيروز
أما رئيس جمعية تجار جونيه كسروان الفتوح روجيه كيروز، فقال لـ»المستقبل» ان «اسواق المنطقة متراجعة بشكل كبير»، و»كان التجار يأملون في ان تتحسن الحركة خلال فترة الاعياد، لكن حتى الآن الامور لا تزال على حالها». واشار الى ان الحركة التجارية في اسواق جونيه تراجعت نحو 15 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي»، لافتاً الى ان هذا التراجع يتم سنوياً منذ العام 2011، وهذا ما افقد القطاع الكثير من مناعته.
وأكد كيروز ضرورة تعديل سياسة الاسواق لمواجهة التغيرات الحاصلة خلال هذه المرحلة، لا سيما مع عدم مجيء سياح خليجيين الى لبنان، وكذلك تراجع اعداد المغتربين، مقترحاً في هذا الاطار على التجار، اعتماد استراتيجية جديدة، تقوم على «تخفيف المشتريات، وتقليص المصاريف وعصر النفقات واستبادل بضائع بأخرى اكثر رواجا«. وإذ لفت الى ان العديد من التجار يعانون ضائقة مالية شديدة، اشار الى ان التزيلات الكبيرة التي اجراها التجار لم يستجب لها الناس. واكد ان «التاجر استهلك طاقته، ولا يمكنهم الاستمرار على هذا النحو، لا سيما في ظل تراكم الخسائر وارتفاع حجم الديون لدى الكثير من التجار«.
حلوة
اما رئيس جمعية تجار طرابلس فواز حلوة، فقال بدوره لـ»المستقبل» «ان حلول الاعياد لم يؤد الى تحريك الاسواق في المدينة.. فالجمود لا يزال مسيطراً، والتجار لا يشعرون بتحسن الوضع المستمر على هذا المنوال منذ اكثر من اربع سنوات». ووصف الواقع الذي يعيشه التجار اليوم بـ»الصعب جداً، لا سيما ان المعاناة الطويلة افقدتهم القدرة على المزيد من الصمود«.
وكشف حلوة إقفال أعداد كبيرة من المؤسسات التجارية في المدينة، كما «ان هناك الكثير مهدد بالاقفال او الافلاس». وقال: «لا يخلو شارع من شوارع طرابلس الا وتجد فيه محالاً مقفلة، وهذا ينذر بمصير صعب للقطاع التجاري«.
ولفت الى ان «التنزيلات التي اجراها التجار لم تجذب المواطنين للشراء، رغم ان «الاوكازيونات» وصلت الى حدود 80 في المئة«.
وعزا حلوة «هذا الواقع المرير، الى الحوادث الامنية الاليمة التي استمرت لسنوات والتي ادت الى شل العجلة الاقتصادية برمتها، كما ان تراجع القدرة الشرائية للمواطن الطرابلسي والشمالي، مع تفاقم البطالة الى معدلات قياسية قد حد كثيراً من عملية الشراء«.
وناشد القوى السياسية «انهاء الازمة السياسية والاسراع بانتخاب الرئيس واعادة دورة الحياة الى طبيعتها، لأن ما يحصل في طرابلس يشبه تماماً ما يجري على مساحة الوطن».