بعد الأخذ والرد والكمّ الهائل من التراشق الكلامي في الاعلام، بين رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ووزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، على خلفية إنشاء مرأب في ساحة التل في طرابلس، تمددت حدة الانقسام أخيراً الى “المستقبل” وميقاتي، وبقي كلا الطرفين متشبثاً بموقفه. كاد هذا الخلاف أن يتحوّل معركة مفتوحة، لولا انقلاب موقف ميقاتي من رفضه المطلق للمشروع الى الموافقة عليه. فماذا حصل؟
قرابة العاشرة والربع من صباح الاربعاء، تلقى درباس اتصالاً مفاجئاً من ميقاتي، الذي تحدث في حضور رئيس بلدية طرابلس الدكتور نادر غزال، وفق ما يؤكد درباس في لقائه مع “النهار”، كاشفاً مضمون هذه المكالمة الهاتفية التي استغرقت أكثر من عشر دقائق بينهما. قال له ميقاتي: “مصالح طرابلس تعلو كل الخلافات، ولا مانع في أن نمضي قدماً بمشروع مرأب ساحة التل إذا ما توافرت سلّة متكاملة لتأهيل هذه المنطقة. وبما أن البنى التحتية والأعمدة تحمل خمس طبقات فوق الأرض، يمكن أن نسير بالمشروع المناسب”. وأضاف أنه “يتجاوز الأمور، معتبراً أن مصلحة طرابلس فوق كل اعتبار”.
كان ميقاتي يعارض المشروع بقوة، وها هو اليوم يُبدي استعداده لتكليف مهندس معماري على نفقته الخاصة مهمة إعداد دراسة عن امكان إنشاء خمس طبقات فوق الأرض، الى الأربع تحت الأرض، والتي تستوعب نحو 8 آلاف سيارة، وفق درباس.
فما هو رأي درباس بمبادرة ميقاتي غير المتوقعة؟
“كلام دولة الرئيس ميقاتي ايجابي وطيّب ومشكور”، يجيب درباس، مؤكداً “أن لا خلاف شخصياً بيننا، بل على العكس تربطنا صداقة قديمة. وبما أن هدفنا المصلحة العامة فلا داعي للخلاف”. ويضيف: “من المفترض أن يختلف زعماء طرابلس وسياسيوها على من يخدم المدينة وأهلها أفضل، لا أن يختلفوا على من يخدمها وينفّذ فيها مشاريع”.
ولدى سؤاله عن سبب تراجع ميقاتي عن موقفه المعارض، أجاب: “لم أقل أنه تراجع، إنما أُسيء استعمال سوء تفاهم حصل، وهناك من نفخ في الاختلاف”. وأشار الى أنه لم يكن ينوي الاتصال بميقاتي، وأن مبادرة الأخير “كسرت هذا الحاجز بيننا”.
85 مليون دولار والمشاريع الأربعة
قبل التطرق الى تفاصيل المشاريع التي ينوي درباس تنفيذها في طرابلس، شدد على أن الحكومة جاهزة لمناقشة كل الاقتراحات في شأن المرأب. “فالبعض مع إنشاء طبقات فوق الأرض والبعض الآخر ضد هذا الطرح، وهذه وجهات نظر مختلفة، لكن كل ذلك يخضع للدراسة. لكنني أصر على تلزيم المشروع الذي خصص له مبلغ 20 مليون دولار، مع أن كلفته أقل من ذلك، على أن يُستثمر المبلغ المتبقي لاستكمال عملية تأهيل منطقة التل استجابة لمطلب ميقاتي وآخرين”. ويشير الى أن المرأب “يحتاج الى حوالى السنتين ونصف السنة، لإنجازه”.
ونتيجة تضافر الجهود بين أطراف عدة في الحكومة لمصلحة طرابلس، وبمسعى من درباس، تم رصد مبلغ 85 مليون دولار لتنفيذ أربعة مشاريع إنمائية في المدينة، من ضمنها مشروع مرآب منطقة التل. ويدرك درباس جيداً أن مبلغ 85 مليون دولار غير كاف لتغطية كلفة المشاريع، “لكنه يحرّك المستنقع الاقتصادي الراكد ويستعيد دور طرابلس بعض الشيء”. غامزاً من قناة مشاريع حصلت في المدينة سابقاً وأُسيء استغلالها، ومنها الملعب الأولمبي “الذي يفتقر الى الصيانة، وسوء التعامل مع الإرث الثقافي”، موضحاً في المقابل “أن هذا لا يعني ان طرابلس فقدت حقها في الإنماء، وينبغي معالجة الخطأ بتصحيحه وليس بإلغاء العمل”.
أما المشروع الأكثر أهمية بالنسبة الى درباس، فهو “ردم 550 ألف متر مربع من البحر، لأجل مقر المنطقة الاقتصادية الخاصة بطرابلس، التي صدر في شأنها مرسوم العام 2008، ومراسيمها التطبيقية العام 2009، ولكن لم يعيّن حتى اليوم مجلس إدارتها”. ووفق معلوماته، “سيُعيّن مجلس إدارة جديد قريباً، وستكون هناك مشاريع حول هذه المنطقة الشبيهة بجبل عائم، الأمر الذي يُنشّط الحركة الاقتصادية عبر خلق آلاف فرص العمل من طريق بناء مصانع والإفادة منها في مركز لتجميع السيارات، الى إنشاء فنادق ومطاعم ومعارض وغير ذلك”، مشيراً الى أن هذا المشروع “يستغرق تنفيذه حوالى السنتين”.
ويأمل درباس أيضاً أن تنتهي دراسة مشروع السكة الحديد من مرفأ طرابلس الى الحدود السورية في حزيران المقبل، “والمقصود منه أن يصبح هذا المرفأ معتمداً لأي ورشة إعمار في سوريا أو في العراق”، واصفاً المشروع بـ”الحيوي والعملاق، لأنه يلحظ محطتين: محطة في الميناء وأخرى في القليعات، مع إمكان استدراج عروض شركات لتشغيل السكة الحديد للركاب”. وختم درباس حديثه عن المشروع الرابع الذي وقع خياره عليه، وهو إقامة مسلخ حديث في طرابلس قرب المرفأ بمبلغ قدره 19 مليون دولار