لم يسبقْ أن تعرّضت خدمة الإيجار في لبنان لخطر التّراجع والتقهقر كما يحصل في السّنوات الأخيرة. وكما أنّ الأسباب كثيرة فكذلك هي النتائج، وستكون لها انعكاسات سلبيّة جدًا على الأمنَين السكنيّ والاجتماعيّ للفئات المتوسّطة الدّخل.
عدد كبير من المالكين القدامى لم ينسَ غدر الدّولة به في عامَي 67 و74 حين ربطت عقود الإيجار في المباني الفخمة بالقوانين الاستثنائية للإيجارات، فأصبحت إقامتهم ممدّدة إلى أجل طويل الأمد وببدلات شبه مجانيّة، ومن المتوقّع أن تمتدّ لتسع سنوات إضافيّة بموجب القانون الجديد النافذ للإيجارات. والعدد الآخر عاش التجربة المريرة للإيجارات القديمة، وحُرِمَ كغيره من حقّه ببدلات إيجار عادلة، وشاهد بأمّ العين حجم الصعوبات والعقبات التي رافقت صدور القانون الجديد، أو شارك شخصيًّا في مسيرة النّضال الصّعبة والمُحزنة والمُخزية لتصحيح الخلل وإعادة التّوازن إلى العلاقة التعاقديّة غير السليمة التي فرضتها القوانين الاستثنائية السابقة للإيجارات. والفريقان غير متحمّسَين لتقديم هذه الخدمة مجدّدًا، طالما أنّهما لا يشعران بالأمان ولا بصدق النيّات في إنهاء هذه الأزمة وفق الأصول على حساب الدّولة لا على حساب المالكين. ومن ناحية أخرى لا يحبّذ المستثمرون خوض تجربة مماثلة في الإيجار خوفًا من تواطؤ جديد قد يتعرّضون له بغطاء تشريعيّ، والخسارة ستكون كبيرة.
النتيجة أنّ التجربة لم تكن مرضية للّذين استثمروا سابقًا في الإيجار، وهي اليوم تشكّل من دون أدنى شكّ رادعًا سلبيًّا للمستثمرين والمطوّرين. وهذا الأمر سينعكس سلبًا على الشباب الرّاغبين في الاستقرار، ويضعهم أمام خِيار واحد بالتملّك، طالما أنّ الدولة والمستفيدين من الوضع القائم لا يبحثون في التّعويض على المالك القديم أو في تقديم إعفاءات ضريبيّة له، ولا في تقديم ضمانات إلى المستثمرين، لعودة الثّقة إلى القطاع، وطالما أنّ المالكين مضطرون إلى الاستمرار بخوض المواجهة مع المعترضين على القانون الجديد للإيجارات للحصول على حقوقهم الطبيعيّة، وذلك بعدما تحمّلوا نيابة عن الدولة خدمة تقديم السكن إلى المستأجرين وفاقت خسائرهم كلّ المتوقّع.
والقانون الجديد للإيجارات كبرنامج متكامل يحمي برأينا المستأجر الفقير ويعيد إلى المالكين حقوقهم تدريجيًّا وهو الخطوة الصّحيحة لتحريك عجلة الإيجار مجدّدًا، على أن تستتبع هذه الخطوة بحوافز تشجيعيّة للمالكين والمستثمرين وبرامج إسكانيّة مفيدة للمستأجرين.
باتريك رزق الله
رئيس تجمّع مالكي الأبنية المؤجّرة