في العام 2008، عندما شهدت اقتصادات منطقة الشرق الأوسط ازدهاراً، فإن كليات إدارة الأعمال الدولية تشكل أعمالاً ذات حيوية. وقد خلق نمو مراكز الأعمال في منطقة الخليج تصاعداً لفرص العمل، ومع هذه النتيجة نشأت الفرصة لكليات إدارة الأعمال لتقوم بتلبية الطلب على المهنيين المؤهلين. ولكن بعد فترة وجيزة، حدث الركود المالي، مما دفع دولة الإمارات العربية المتحدة وخصوصاً مدينة دبي إلى حافة الانهيار. ومع ذلك، شهد قطاع التعليم نمواً مستمراً، على الرغم من أنه لم يكن محصناً. وعلى كل حال، ففي حال كان الشخص لا يعمل في وظيفة معينة، كان يمكنه أن يستمر في التعلم والالتحاق بكليات إدارة الأعمال. والآن، مع انحسار الفترة الاقتصادية القاتمة، فإن الطلب على القادة الذين يحملون شهادة الماجستير في إدارة الأعمال المؤهلين يبدو قوياً.
وتقول دينا دوميت، المديرة التنفيذي لبرامج القيادة في (كلية لندن لإدارة الأعمال) في دبي متذكرة أحداث السنوات الأخيرة: “تشهد كليات إدارة الأعمال إقبالاً ملحوظاً خلال فترة الركود”.
وتضيف: “لن أقول أن الأمر سهلاً، ولكن الناس يأتون إلينا من أجل إعادة التدريب أو من أجل متابعة مشاريع أخرى”. ولكن حتى ما بعد الأزمة، لم تخف حدة تدفق الطلاب المتعطشون لتلقي التدريب في مجال الأعمال التنفيذية، وذلك نتيجة لعودة الازدهار الاقتصادي.
ويظهر أن الأسواق تتحسن، ويبدو أن المحللين متفائلون بشأن اقتصاد دبي حيث إنها في طريقها نحو استضافة معرض أكسبو العالمي عام 2020. كما أن المشاريع العمرانية الواسعة قد عادت مرة أخرى، في ظل قيام المطورين بكشفهم عن خطط إنشائية كبيرة في قطاع الضيافة وتجارة التجزئة والترفيه. وتشهد بنوك القروض الكبيرة تحسناً فيما يخص الديون المتعثرة، وتستمر في منح القروض من جديد، فيما يستمر قطاع السياحة في الازدهار والنمو.
وذلك لا يقتصر فقط على دولة الإمارات العربية المتحدة، بل يشمل أيضاً دولة قطر حيث ضاعف فوزها باستضافة نهائيات كأس العالم من المصالح الاستثمارية. كما ينطبق الأمر على المملكة العربية السعودية التي لاتزال أكبر منتج للنفط في العالم.كما تحرز المملكة خطوات كبيرة بشأن البنية التحتية للنقل، وستستمر خططها لربط نفسها بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى عن طريق السكك الحديدية في دفع النمو الإقليمي.
كما يجري هذا التفاؤل ليدخل في قطاع البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً، حيث إن الأرباح قد شهدت ارتفاعاً بنحو %10 في عام 2013، مع توقع ارتفاع هذه النسبة، وفقاً لشركة الاستثمار الكويتية (المركز – Markaz).
وفي ظل تحسن المناخات الاقتصادية، فإن فئة الشباب ضمن السكان في المنطقة تستمر في الزيادة، وهذا يصاحبه نمو في الإقبال للاستثمار في كليات إدارة الأعمال ذات الكفاءة العالية. وعلى الرغم من أن استقطاب المواهب من المحليين قد استغرق وقتاً، على الأقل بالنسبة لكلية لندن للأعمال، فإنه يبدو أن نيل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال يجتذب الآن مواطني دول الخليج. وتوضح دوميت: “كان علينا أن نثبت أنفسنا.. في البداية كان معظم من التحق بكليتنا من المغتربين، لكن كان علينا أيضاً إظهار الميزات التي نقدمها للمحليين. ولكن اليوم، فإن نصف من يلتحق بكليتنا هم من المحليين والنصف الآخر من المغتربين، ويحقق مواطنو الخليج أولئك أمور عظيمة بالفعل”.
ووفقاً لتقرير صادر عن (مجموعة أدفنت- Advent Group) للإعلام وللاستشارات التعليمية، فإن %80 من أصحاب العمل الدولية حالياً لديهم خطط لتوظيف من يحملون شهادات ماجستير إدارة الأعمال. ويبدو أن الطلب على العاملين المؤهلين الذي يحملون شهادة الماجستير في إدارة الأعمال في أعلى مستوياته منذ الأزمة في عام 2009.
وفي دبي، جاء زيادة المعاهد الدولية، على جميع المستويات الأكاديمية، وليس فقط فيما يخص شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، في صالح الإمارة بشكل كبير، حيث ارتفع الدخل المتأتي من الرسوم الدراسية للمدينة بنسبة %55 منذ عام 2009 حيث وصل العام الماضي إلى 1.2 مليار دولار.
ومن المتوقع أيضاً أن يشهد الوضع المزيد من النمو، حيث أشارت دراسة حديثة شملت 835 خريجاً من (كلية إنسياد لإدارة الأعمال- INSEAD) أن دبي هي أكثر المدن جاذبية من ناحية الحياة والعمل كما وضع مؤشر التنافسية العالمي عام 2013 دولة الإمارات في المركز الـ19 عالمياً من ناحية المعيشة والعمل لتتصدر جميع جيرانها الخليجيين في هذا المجال. وقد يستفيد الاقتصاد بشكل أكبر من زيادة الطلب على حاملي شهادة ماجستير إدارة الأعمال مع استمرار تأثير معدل التضخم في رفع الرسوم الدراسية.
ومع ذلك، ليست جميع الأمور مبشرة في أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يظهر مسح أجراه موقع (Bayt.com) لهذا العام حول الرضا الوظيفي أن 3 من 7 مشاركين في الاستطلاع غير راضين عن دورهم الوظيفي ورواتبهم الحالية. وبين الاستطلاع أن الموظفين في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم بين الأكثر استياء.
ومن بين المستطلعين الـ9537، فإن أغلبيتهم قد زعموا بأنهم يشغلون مواقع بين عليا ومتوسطة في المؤسسات التي يعملون لديها. وادعى أكثر من نصف المستطلعين الذين حصلوا على زيادة في رواتبهم بنسبة تتراوح بين %1 إلى %5 أنهم غير راضين عن هذه الزيادة. وقد تدفع هذه الأرقام أصحاب العمل إلى إعادة التفكير في حزم الرواتب المقدمة للعاملين في المناصب العليا– في حال تمكنت الشركات من زيادة الرضا الوظيفي بين الموظفين الذين يشغلون المناصب العليا في المنطقة، فبالتأكيد ستكون الكليات التي تقدم برامج ماجستير إدارة الأعمال من بين المستفيدين.
ولحسن الحظ ومنذ فترة الركود الاقتصادي، باتت كليات إدارة الأعمال قادرة على التفاخر بالمواهب التي تصقلها، وقدرتها على توفير فرص عمل لهم برواتب مجزية، وعززت الرضا الوظيفي ليس فقط في الشركات العالمية، بل في المحلية أيضاً.
ووفقاً لدوميت، فإن المزيد من الشركات المحلية بدأت تهتم بالخريجين المتدربين في الكليات الدولية. إذ تعتبر مجموعة الجميرا للضيافة واحدة من العلامات التجارية الأكثر فخامة وتميزاً في السوق، ويتم تشغيل جميرا أبراج الإمارات في دبي، إحدى المنشآت الرئيسة التابعة للمجموعة، من قبل أحد الخريجين المحليين لكلية لندن للأعمال.
وقالت دوميت: “ليس هناك مثال أفضل من تدريب وتخريج المواهب المحلية، وتشغيلها في السوق.. وأن يكون لدينا طلاب يعملون في المناصب العليا في المؤسسات الأكثر نجاحاً في الإمارات يعتبر مرجعاً عظيماً لنا”.
ومع اقتراب استضافة معرض دبي إكسبو 2020، الحدث الذي من المتوقع أن يوفر حوالي 250 ألف وظيفة، فإن كليات إدارة الأعمال الدولية سيكون لها فرصة أخرى لعرض أفضل المواهب لديها.
وتقول دوميت: “إن غالبية خريجينا من دول الخليج يبقون في المنطقة، وهذا الخبر يعد جيداً بالنسبة للاقتصاد هنا، ويساعدنا على رد الجميل للمنطقة التي نعمل فيها. وعند إقامة أكسبو2020، نأمل أن يشغل عدداً من خريجينا الذين يحملون شهادة ماجستير إدارة الأعمال المؤهلين، مناصب إدارية عليا”.
وقد لعبت كليات إدارة الأعمال الدولية دورها في أضعف الأوقات اقتصادياً. ولكن مع تطلع الخليج إلى الكثير من الاستثمارات والتطوير في السنوات الـ5 المقبلة، ستكون دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على جني ثمار جهودها فيما يواصل الخريجون ترك علامة في السوق.