Site icon IMLebanon

“المستشفى الحكومي”: تنفيعات ووظائف وهمية

RaficHaririHospital2
عزة الحاج حسن

تتّسع دائرة الفساد في “مستشفى الحريري الحكومي الجامعي” وتتشعّب، فتتجاوز ما كشفته “المدن”، على مرحلتين منذ أيام، من مخالفات في طرح المناقصات، وإبرام العقود، لتشمل مخالفات في التوظيفات واختلاسات مالية بغطاء من مسؤولين في المستشفى.
مستشفى الحريري الحكومي وكغيره من المؤسسات الحكومية ابتدع صفة وظيفية جديدة، هي المياومين، لاغياً بذلك دور مجلس الخدمة المدنية، ومخالفاً ما تنص عليه الأنظمة والقوانين، فتم توظيف ما يقارب 600 شخص بصفة مياوم، الأمر الذي شرّع الباب أمام السياسيين والنافذين لإدخال أشخاص مقربين منهم الى المستشفى.

وبطبيعة الحال فإن الـ 600 مياوم وُظفوا من دون الاستناد إلى أي معيار لجهة الخبرة والشهادات، وابتكرت وظائف على مقاسهم، وتم تحديد أجورهم بصورة متفاوتة، على قاعدة “فلان محسوب على فلان”.
ولعلّ أحدث الوظائف التي تم ابتكارها في عهد المدير العام السابق الدكتور فيصل شاتيلا، هي وظيفة رئيس دائرة “لنصرة المريض”. والملفت أن الشروط والمؤهلات العلمية لهذه الوظيفة كانت “بخسة جدا”ً، وقد وُضعت ليتسنى ترفيع مشرفة قسم الاستقبال في المستشفى إليها.
ويفيد مصدر لـ “المدن” بأن زوجة شاتيلا شغلت في عهد المدير العام الأسبق، وسيم الوزان، وظيفة مستشارة، براتب يفوق ما يتقاضاه المستشارون، ويقارب 3.5 ملايين ليرة من دون ان تضطر للتواجد في المستشفى، وذلك قبل ان يُنهي عقدها شاتيلا، بعد توليه الإدارة العامة.

يشوب ملف التوظيفات في مستشفى الحريري الحكومي كثير من الشوائب، الأمر الذي خفض من مستوى كفاءة الكوادر المالية والإدارية، وهو ما ساهم بدوره بشكل مباشر وغير مباشر بتراجع أداء المستشفى، فعلى سبيل المثال عيّن في موقع المستشارين أشخاص لا يملكون الأهلية لممارسة هذا الدور، ومُنحوا أدواراً تنفيذية خلافاً لأبسط القواعد والأصول.
فأُنيطت بمفتش تربية سابق مهام مستشار قانوني، بأتعاب تفوق ما لُحظ لهذه الوظيفة في سلسلة رواتب المستشفى، من دون أن يستوفي الحد الأدنى من متطلبات وشروط هذا العمل لجهة العمر أو الشهادات والخبرة.
كما أُنيط بمسعف، لم يقبل المستشفى سابقاً ترشحه لتولي رئاسة قسم، نظراً لعدم معادلة شهادته الأميركية بإجازة من قبل وزارة التربية والتعليم العالي، مهام استشارية أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أن الأخير قد ورد اسمه في تحقيق أجراه التفتيش المركزي في موضوع أدوية اشتُبه بتهريبها إلى العراق.

وقد شاعت التوظيفات العشوائية والوهمية والتنفيعات في كامل مسيرة المستشفى، لاسيما في السنوات الأخيرة، فبدلاً من شروع الإدارة العامة في عهد شاتيلا بفتح ملفات العهد الذي سبقه للتحقيق في أسباب وصول المستشفى إلى الدرك الذي وصل إليه، توجّه الأخير الى إبراء ذمة المدير العام السابق وسيم الوزّان وذمّة أحد مستشاريه من ديون على مرضى مختلفين، تبلغ، بحسب قرارات الإدارة ذات الصلة، “نحو 4.5 مليارات ليرة لبنانية”، لم يتمّ تحصيلها، بدلاً من إحالة الملف إلى القضاء المالي. لا بل أكثر من ذلك تم اتخاذ قرارات بزيادات وترفيعات لا تستند إلى أي مسوغ بدلاً من إلغاء الامتيازات التي أغدقت بها الإدارة السابقة على بعض الموظفين خارج الأطر القانونية، وذلك وفقاً لمصادر في المستشفى.
ولعل الأكثر خطورة في مسيرة مستشفى الحريري الحكومي هو لامبالاة الإدارة بتقارير مفوضي المراقبة التي تشير بوضوح إلى عدم دقة بيانات المؤسسة المالية والإدارية، وكذلك بتقارير شركة Price Waterhouse Cooper التي كلفت المستشفى نحو خمسين ألف دولار أميركي، والتي أشارت إلى وجود مخاطر كبيرة وكثيرة نتيجةً للإجراءات المتبعة في العديد من العمليات المالية والمتعلقة بالمواد، وبدلاً من فتح تحقيقات بالوضع المتدهور وإقالة الكوادر المسؤولة عنه، سواء في مصلحة الشؤون المالية أو في مصلحة المشتريات، زادت الإدارة من اعتمادها عليهم وغطّتهم.
أما وقد وصل المستشفى الى ما وصل إليه اليوم، لم يعد كافياً تعيين مدير عام ووضع خطط إصلاحية، ما لم يقترن ذلك التعيين بنيّة لدى المعنيين بمحاسبة المسؤولين عما وصل إليه المستشفى من وضع إداري ومالي مذرٍ.
يذكر أن المرشّحين الى منصب المدير العام، هم: ندى الصبان، فراس الأبيض، فدى جدايل، جهاد سعادة، محمد الكردي، ومحمد حاسبيني، قد أنهوا مقابلاتهم في مجلس الخدمة المدنية وسط ترجيح تعيين فراس الأبيض مديراً عاماً لمستشفى رفيق الحريري الحكومي، وهو محسوب على “تيار المستقبل”.