Site icon IMLebanon

اليونان ومنطقة اليورو .. خيارات أحلاها مر

GreeceEuro3
مارتن وولف

منذ انتخاب الحكومة اليونانية التي يقودها حزب سيريزا، سارت المفاوضات حول مكانتها في أوروبا بشكل رهيب، اتخذ خلالها أحد الطرفين مواقف استعراضية وكان شعور الطرف الآخر هو الانزعاج. وأصبح من المحتمل جدا حدوث خروج عرضي من منطقة اليورو. هذا ليس بسبب أن اليونان تريد ذلك ولا لأن شركاءها عازمون على ذلك، وإنما لأن السبب هو أن أمل اليونان آخذ في النفاد، وصبر شركائها آخذ في النفاد، ووقت المفاوضات آخذ في النفاد. بالتأكيد هناك مفترق طرق في الانتظار، لكن اختيار الاتجاه يجب أن يكون مقصودا وليس من قبيل الصدفة.

أزمة السيولة التي تلوح في الأفق هي السبب في الخوف من قرار متعجل. دائنو اليونان يريدون من البلاد تنفيذ إصلاحات قبل الإفراج عن 7.2 مليار يورو من أموال خطة إنقاذ غير مدفوعة. وتحتاج اليونان هذا المال لتلبية التزامات الإنفاق المحلية وسداد قروض بقيمة 450 مليون يورو مستحقة لصندوق النقد الدولي. ولأن البنك المركزي الأوروبي يكبح جماح الإقراض من قبل المصارف اليونانية، يمكن لحكومة البلاد أن تصبح بلا مال. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تدافع لسحب الأرصدة من جانب المودعين اليونانيين. ومع أن البنك المركزي الأوروبي يمكن أن يدير هذا، إلا أنه ربما يشعر بعدم القدرة أو عدم الرغبة في القيام بذلك.

الأكثر احتمالا هو أن تغادر اليونان منطقة اليورو إذا لم تستطع حكومتها أن تفي بالتزاماتها، ووجدت أن مصارفها ستغلق أبوابها، واقتصادها يعاني الكساد، وسياستها تعاني الاضطراب. اليونان قد تقع قريبا في هذه الحالة. ومن ثم قد يحدث خروج فوضوي. ومن الأهمية بمكان تجنب مثل هذا “الحادث اليوناني”.

لقد كان واضحا منذ انتخاب الحكومة أن الأمر سيستغرق وقتا لتعلم ما إذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق مثمر. ومن الضروري “كسب” ذلك الوقت. وفي السعي للتوصل إلى اتفاق، سيكون من المفيد أيضا أن تضع النزعة الأخلاقية المدمرة جانبا. فالجانب الدائن يعتبر أن كرمه نحو المسرفين اليونانيين مضربٌ للأمثال. ويعتقد اليونانيون أن مصارف القطاع الخاص مذنبة لممارستها الإقراض غير المسؤول، وأن “الإنقاذ” لم يكن لليونان ولكن لتلك المصارف المهملة بعينها، والأهم من هذا كله هو أن اليونانيين عانوا بما فيه الكفاية. وحجة كلا الطرفين تشتمل على بعض الوجاهة، لكن إلقاء الفرقاء بمثل هذه الاتهامات على بعضهم بعضا لن يأتي بخير.

لنفترض أنه تم تجنب الحادث. عندها ستواجه منطقة اليورو خيارا كبيرا وآخر أصغر. الخيار الكبير هو ما إذا كانت ستبقي على اليونان داخل منطقة اليورو، أو مساعدتها على مغادرته. والخيار الأصغر يتضمن بدائل لابقائها في الداخل. وإبقاؤها في الداخل يترك خيار الخروج مفتوحا، لكن الخروج هو على الأرجح قرار لا رجعة فيه.

ما الحجج لمصلحة الخروج؟ أحدها هو أن تكاليف انتقال العدوى إلى أعضاء آخرين تعتبر أقل بكثير من السابق، كما تشير الفروق المتباعدة في العوائد على السندات الحكومية. الحجة الأخرى هي أن اليونان ثبت أنها غير قادرة على الإصلاح. لكن الحجة المقابلة تقول “إن اليونان تظل غير قادرة على المنافسة على المستوى الدولي، كما يتضح من تباطؤ صادراتها”. وكان الثمن المدفوع مقابل زيادة الرصيد الخارجي هو البطالة الهائلة – “عدم توازن داخلي” ضخم.

في مقابل هذا، الخروج يمكن أن يُحوِّل منطقة اليورو من اتحاد نقدي لا رجعة فيه إلى نظام ربط لأسعار الصرف الثابتة. وسيكون هذا أسوأ ما في العالمين: فهو لا يتمتع بصدقية الاتحاد ولا بمرونة معدلات الأسعار العائمة. وعلاوة على ذلك الخروج، لا سيما إذا كان دون مساعدة، يمكن أن تكون له عواقب اقتصادية وجيوسياسية خطيرة. فاليونان يمكن أن تغرق في هاوية اقتصادية. كذلك هجران أوروبا لها قد يجعلها تتجه نحو قوى معادية. وستكون هذه كارثة استراتيجية. لقد عانت اليونان بالفعل آلام التقشف ومن الآن فصاعدا ينبغي أن تتحسن الأمور، شريطة أن تتحسن السياسة.

محاولة الحفاظ على اليونان داخل منطقة اليورو تبدو كأنها الخيار الأفضل. ويمكنني تحديد خيارين في هذا المقام.

الأول، برنامج إنقاذ آخر يعد بإعفاء اليونان من الديون بعد أن يتم الانتهاء من الإصلاحات. الخيار الآخر هو إنهاء سياسة “إصدار القروض والتظاهر”. بدلا من ذلك، يمكن تقليص التزامات خدمة الديون إلى مستويات يمكن التحكم فيها. لكن لن يكون هناك مزيد من المساعدة وستكون اليونان معتمدة على نفسها. وستحافظ الحكومة اليونانية على اليورو، لكنها ربما تحتاج إلى فرض ضوابط على استخدام العملة. وعلى المدى القصير، ستلحق الحكومة أيضا اليورو بسندات دين محلية يمكن استخدامها لتلبية التزامات الدولة اليونانية. في هذه الحالة ستكون قد عملت على تحويل اليورو إلى عملة موازية، إما بشكل مؤقت أو شبه دائم.

الخيار الآخر الكبير هو اتفاق منطقة اليورو على أن استمرارية عضوية اليونان لا يمكن أن تنجح. وأفضل مبرر لهذا هو أن الاقتصاد اليوناني لن يكون قادرا على المنافسة داخل منطقة اليورو. ومع ذلك، لن تنهار اليونان وتخرج، بل تجب مساعدتها بدلا من ذلك.

ومن شأن تلك المساعدة، مرة أخرى، أن تتضمن تخفيضات دائمة في خدمة الدين. وستكون هناك حاجة إلى ضوابط مرة أخرى على عمليات السحب من المصارف. إضافة إلى ذلك، اليونان تحتاج إلى مزيد من القروض لمنع التجاوز في قيمة العملة الجديدة. وبطبيعة الحال اليونان ستبقى في الاتحاد الأوروبي. ويمكن ترك المجال مفتوحا لاحتمال عودتها إلى اليورو في المستقبل البعيد.

كل هذه الخيارات لها مخاطر. وكلها تترتب عليها مشكلات كبيرة. لكن هناك نقطتان أساسيتان على الأقل يجب وضعهما في الحسبان. الأولى هي أن القرار يجب أن يكون مقصودا، وليس نتيجة لنفاد الوقت. والأخرى هي أن الخيار الذي سيتم اتخاذه سيكون خيارا استراتيجيا، بالنسبة لمنطقة اليورو واليونان في آن معا.

الخلاصة، أعتقد أن الخيار السليم – وهو بالتأكيد الخيار الذي يريده اليونانيون أنفسهم – هو اكتشاف طريقة مرضية للطرفين من أجل إبقاء اليونان داخل منطقة اليورو، إلى جانب إعفاء سخي من الديون، لكن بصورة مشروطة، ومزيد من الدعم المحدود زمنيا. لكن يمكن أيضا التقدم بحجة لمصلحة الخروج، بطريقة فيها شيء من الفوضى وتحقق تحسنا دائما في القدرة التنافسية لليونان. لكن هذا، أيضا، من شأنه أن يتطلب إعفاء لا يستهان به من الديون.

الوقت الحاضر ليس هو الوقت المناسب لاتخاذ القرار الكبير بخصوص إبقاء اليونان داخل منطقة اليورو، ولا هو وقت التنفيذ، في حال اتخاذ القرار. لكنه سيأتي قريبا. لذلك ينبغي التحضير له بصورة سليمة.