كريستوفر آدمز
حين نقلب في أعماق مئات الصفحات من البيانات في التقارير السنوية من شركات الطاقة العملاقة نجد الأدلة على مستقبلها. إذا كانت البيانات الأخيرة تعتبر أي دليل، فإن الوظيفة الرئيسية للعثور على النفط بأدوات الحفر المعروفة أصبحت بعيدة عن كونها ذات طبيعة مباشرة.
هذا قد يبدو غريباً على خلفية الإنتاج المزدهر في الولايات المتحدة وانخفاض الأسعار. لكن بعد تجريد آثار عمليات الاستحواذ، ستجد الشركات الكبيرة قليلا من النفط والغاز. الاكتشافات الكبيرة، مثل حقل يوهان سفيردراب، التابع لمجموعة شتات أويل في الجزء النرويجي من بحر الشمال عام 2010، نادرة على نحو متزايد، الأمر الذي يُثير تساؤلات حول مصدر النمو في المستقبل.
مارتين راتس، المحلل في “مورجان ستانلي”، يقول “إن العام الماضي كان في الواقع مُخيباً للآمال بشكل كبير فيما يتعلق بالاكتشافات التي تمت من خلال الحفر الاستكشافي”.
ويتابع “الاكتشافات تجف. أصبح العثور على النفط خارج الولايات المتحدة أصعب بكثير. هناك قصص نجاح كبيرة في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالزيت الصخري والنفط النادر، لكن باستثناء ذلك نجاح الحفر التقليدي أصبح يقل شيئا فشيئا”.
التقارير السنوية تتفق مع الأرقام من شركة الأبحاث، آي إتش إس، التي تُبيّن أن اكتشافات احتياطيات النفط والغاز الجديدة انخفضت العام الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ عقدين على الأقل. ونسبة استبدال الاحتياطي “العضوي” للشركات الخمس، المقياس لمقدار النفط والغاز الذي تتم إضافته إلى الاحتياطيات نسبة إلى الإنتاج، كانت 84 في المائة العام الماضي، وهي النسبة الأدنى منذ عام 2010.
صحيح أن هذه النسبة تراجعت بسبب الانخفاضات السنوية الحادة في شركتي شل وبريتش بتروليوم. لكن بحسب “مورجان ستانلي”، في مختلف أنحاء المجموعة كان هناك انخفاض حاد في عدد البراميل التي تتم إضافتها نتيجة الاكتشافات والتوسيعات لحقول النفط والغاز القائمة. وهذه النسبة انخفضت بواقع 24 في المائة العام الماضي إلى 2.3 مليون برميل من مُكافئ النفط، كما انخفضت إلى النصف تقريباً من 4.4 برميل من مُكافئ النفط في عام 2011. وحدها شركة شيفرون سجّلت زيادة سنوية في عدد البراميل المُكتشفة في عام 2014.
في حين إن طفرة الزيت الصخري في الولايات المتحدة جعلت إنتاج أمريكا الشمالية يرتفع ويُسهم في انخفاض أسعار النفط الخام بنسبة 50 في المائة منذ الصيف الماضي، إلا أن شركات الإنتاج تُشير إلى أن الارتفاع في الناتج كان في الشركات الأصغر.
في الوقت نفسه، عملت المجموعات الرئيسية تحت ضغط من المساهمين لتحسين العوائد بعد أعوام من تضخم التكاليف المرتفعة، على كبح النفقات الرأسمالية. وتتوقع شركة وود ماكينزي لاستشارات الطاقة أن يتم تخفيض ميزانية التنقيب على مستوى الصناعة بنسبة 30 في المائة هذا العام بعد الانخفاض في أسعار النفط.
وانخفاض الاحتياطيات قد لا يكون أمراً سيئاً إذا كانت نوعية تلك الاحتياطيات تتحسّن. وإذا نظرت بشكل أعمق فستكون الصورة الكامنة أكثر تعقيداً مما تُشير إليه التغيرات على أساس سنوي. فعلى الرغم من أن الاحتياطيات المؤكدة انخفضت العام الماضي بالنسبة للمجموعات الخمس الكبرى، إلا أن حياة الإنتاج لتلك الأصول ارتفعت من 12.6 عام في 2010 إلى 14.1 عام في 2014.
جزئياً، هذا يعكس طبيعة البراميل التي تتم إضافتها. الغاز الطبيعي المُسال والرمال النفطية الكندية، اللذان يمثلان جزءا كبيراً من الاحتياطيات التي تمت إضافتها أخيرا، يملكان حياة أطول من اكتشافات النفط الخام التقليدية. ويلاحظ محللون أن هذا التحوّل في الأصول ينبغي أن يؤدي إلى حركات نقد أكثر استقراراً. يقول تيم إيلاكوت، من “وود ماك”، “إن وتيرة الاكتشافات كانت مُخيبة للآمال، إلا أن ارتفاع نفقات الاستكشاف والإنتاج في الأعوام السابقة عمل على تحسين متوسط طول عمر المحفظة”. المتوسط ذو الوزن النسبي الذي يكمُن وراء نسبة استبدال الاحتياطي العضوي بالنسبة لمجموعة أوسع، بما في ذلك مجموعة إيني الإيطالية ومجموعة شتات أويل النرويجية، انخفض من مستويات عام 2011 البالغة نحو 200 في المائة إلى 104 في المائة في عام 2014. لكن تقديرات “وود ماك” تُظهر أن المستوى وصل إلى متوسط لا بأس به يبلغ 147 في المائة في الأعوام الخمسة الماضية.
ويقول إيلاكوت “إنها لا تتجه نحو انخفاض نهائي، لكنها ترتاح”.
ونمو الاحتياطيات طويلة الأجل الأبطأ سيكون متناسقاً أيضاً، مع استراتجية “القيمة على الحجم” التي أصبحت شعار الصناعة على خلفية ضعف الطلب على النفط وأسعار النفط المنخفضة بشكل حاد. وفي حال ارتفعت تكلفة تطوير الاحتياطيات وكانت هناك توقعات بتباطؤ نمو الطلب السنوي إلى أقل من 1 في المائة، فلماذا ينبغي للشركات الاستمرار في إنفاق المليارات على تكثير الأصول؟
علاوة على ذلك، من المرجح أن يشهد هذا العام زيادة بعض المجموعات الكبيرة، -منها شيفرون وتوتال- الإنتاج في الوقت الذي يتم فيه العمل على مشاريع جديدة.
والنمو في الإنتاج، بعد أعوام من الإنفاق الكبير، سيكون موضع ترحيب من قِبل المساهمين المتلهفين للحصول على أكثر من مجرد أرباح أسهم مستقرة. ومع تخفيض النفقات الرأسمالية، كما يفعل عديد من المجموعات استجابة لتراجع النفط، وزيادة الإنتاج أكثر قليلاً ينبغي أن تنخفض تكاليف التطوير للبرميل. وأي لقطة من الاحتياطيات هي مجرد جزء من القصة.
مع ذلك، ما لم تتمكن المجموعات الرئيسية من عكس الانخفاض في الاكتشافات – التي تبدو غير محتملة بسبب انخفاض الاستكشاف – مع مرور الوقت ستكون بحاجة إلى العثور على طرق أخرى للإضافة إلى الاحتياطيات. وإحدى الطرق هي عقد اتفاقيات مع الحكومات المستضيفة التي تسمح للمجموعات بحجز احتياطيات مؤكدة، كما فعلت كل من “توتال” و”شل” مع حقل ليبرا في البرازيل.
وفي حال تم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، يؤدي إلى رفع العقوبات الغربية ويفتح البلاد أمام الاستثمارات الأمريكية والأوروبية، قد يتبع ذلك تحوّل إلى الاتفاقيات التي تسمح لشركات النفط بحجز الاحتياطيات. وقد ألمح العراق، الواقع تحت ضغوط ميزانية شديدة، إلى أنه يمكن أن يتحول من عقود الخدمات إلى صفقات مشاركة الإنتاج. هناك طريقة أخرى، هي الاستحواذ. يقول راتس “تاريخياً، الشركات الرئيسية لا تعتبر شركات الاستكشاف الأكثر فاعلية. يميل الاستكشاف ليتم بشكل أفضل من قِبل شركات أصغر. لكن المكان الذي تتميّز فيه الشركات الكبيرة بالفعل هو التطوير. عندما ينهار سعر النفط بشكل مفاجئ، تدخل الشركات الأصغر في متاعب وتصبح أسهمها أرخص. لكن الشركات الكبيرة، مع تكاليف الاقتراض المنخفضة للغاية الخاصة بها، تلتقط هذه الأصول في الجزء السفلي من الدورة. وإذا تم تنفيذها بشكل جيد، فقد تكون طريقة فعّالة جداً لإضافة الموارد”.
وهذا ما فعلته “إكسون” بتلميحها إلى أنها “يقظة” فيما يتعلق بعمليات الاستحواذ المُحكمة. ويُشير محللون إلى صناعة الزيت الصخري في الولايات المتحدة ـ حيث المديونية العالية يمكن أن تجعل الشركات ضعيفة ـ بوصفها هدفا محتملا.
بعد معاناتها لجعل الأمر ينجح في الماضي، تواجه المجموعات الرئيسية مسألة ما إذا بإمكانها أن تتحمل عدم الدخول في مجال الزيت الصخري. الجواب قد يكون لا.