لا يزال المغرب يخوض حربه ضد الرشوة، إذ أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني عن طرد شرطيين كانا يعملان بمدينة طانطان الجنوبية، بعد “إخلالهما بقواعد المهنة”، إثر إدانتهما بتلقي رشوة من سائح إسباني، كما أعلن وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، عن أن المملكة المغربية عزلت لأوّل مرة التاريخ مجموعة من القضاة بعد ثبوت استفادتهم من رشاوى.
قضية الشرطيين تعود إلى شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أقدم سائح إسباني على التقاط فيديو عبر كاميرا خفية، لشرطيين يطالبانه بمنحهما رشوة كي يسمحا له بمتابعة طريقه في مدينة طانطان المغربية، وهو الفيديو الذي أحدث ضجة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، وتسبّب في إيقاف الشرطيين، قبل متابعتهما بشهر حبسًا نافذًا، ثم طردهما نهاية الأسبوع الماضي من سلك الأمن.
كما تحدث مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، في لقاء مؤخرًا، أن الحكومة عزلت عددًا من القضاة بسبب توّرطهم في قضايا ارتشاء، وهو التصريح الذي يؤكد الكثير من الأخبار التي أشارت إلى توقيف وزارة العدل والحريات لمجموعة من القضاة، بسبب ما اعتبرته تلبسًا في ابتزاز مواطنين ومطالبتهم بمبالغ مادية.
وكان المغرب قد احتل في مؤشر محاربة الرشوة لعام 2014 المرتبة الثمانين عالميًا، متقدمًا بـ11 درجة عن تصنيف 2013، وهو ما وصفته الحكومة بـ”التطور المهم والبداية الإيجابية لموقع المغرب في محاربة الرشوة، خاصة على ضوء الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، منها الإحالة التلقائية لجميع ملفات الجرائم المالية على القضاء”.
وفي تصريح لموقعCNN بالعربية، قال محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام: “هذه الإجراءات تعدّ مبادرة مهمة، لكنها تبقى معزولة واستثنائية، خاصة وأن الحكومة لم تباشرها إلّا للدور الضاغط الذي أضحت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب”.
ويتابع المسكاوي: “محاربة الفساد لا تتم فقط بطرد المتوّرطين، بل تقتضي تشريعًا متكاملًا، فالرادع الحقيقي هو القانون وعدم الإفلات من العقاب. لقد أصدر المجلس الأعلى للحسابات (مجلس تابع للدولة يتابع استخدام المال العام) قبل أيام تقاريره التي تؤكد وجود اختلالات في المال العام، فلننتظر هل ستتحلّى الحكومة بالشجاعة وتتابع المتوّرطين.”
كما قال نور الدين صادوق، الكاتب العام لـ”ترانسبارنسي” المغرب: “جميل أن تعاقب الدولة بعض المتلّبسين، إلّا أن سياسة جنائية واضحة لمحاربة الفساد هي التي ستحدّ من الرشوة. يجب تفعيل أدوار المؤسسات الرقابية التابعة للحكومة، ودعم استقلالية القضاء، وسنّ إجراءات أكبر”.
ويضيف صدوق: “ليس هناك تقدم في محاربة الرشوة كما تروّج الحكومة، بل يجب انتظار على الأقل أربع سنوات للحكم فعلًا على ذلك. التقارير الدولية تؤكد عدم وجود سياسة وطنية للحد من الفساد، وإذا كانت الحكومة تفتخر بحالات الطرد الأخيرة، فحتى الحكومات السابقة كانت تقوم بذلك من حين لآخر دون نتيجة”.