ليس مستغرباً أن يصنَّف لبنان من أسوأ الدول حيال توزيع الثروة في ظل تراجع الطبقة المتوسطة التي أدت تاريخياً، وخصوصاً في حقبة السبعينات، دوراً بارزاً على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
هذا الواقع تجسَّد أكثر مع تساقط الثروات على أشخاص محددين وخصوصاً السياسيين منهم، حتى صارت فئات معينة تتمتع بكل شيء وعلى نحو ثابت، وبقية الفئات أصبحت تعاني من كل شيء. ووفق تقرير لبنك “كريدي سويس”، فإن الثروات الخاصة في لبنان تقدر بـ 91 مليار دولار، وهي قليلة جداً مقارنة بثروات المنطقة والعالم، لكن النقطة الأهم أنها محصورة بـ 0٫3% من اللبنانيين الذين يملكون نصفها تقريباً. أما الذين لا تتعدى ثروتهم 10 آلاف دولار فيشكلون ثلثي الشعب اللبناني (64٫6%)، وما تبقى من المواطنين هم الطبقة الوسطى التي تنحدر بسرعة لتلتحق بالطبقة الفقيرة.
ويأتي لبنان في المرتبة السادسة قبل الاخيرة حيال عدم وجود مساواة في الدخل على مؤشر جيني لتوزيع الثروة، بعد أوكرانيا والدانمارك وقازاقستان والسيشل وروسيا، والتي هي في معظمها دول مصدرة للنفط.
واللافت ان الثروة اللبنانية توازي تقريبا نصف الثروة القطرية، الا أن المشكلة أن نصفها يملكه تقريبا 0٫3 من اللبنانيين أي نحو 8 آلاف شخص. فكيف يمكن تقليص هذه الفجوة؟
من الأخطاء الشائعة التي يوردها الخبير الدولي في الاقتصاد غسان حاصباني انه يمكن توزيع الثروة بالأخذ من الغني وإعطاء الفقير. وهذا النموذج برأيه، يمكن ان يقلص الفجوة بين الغني والفقير لكنه يجعل الغني اقل غنىً، وينتهي بالفقير اكثر فقراً لانه لا يعالج مشكلة الإنتاجية وفرص العمل التي تتيح للفقير مجال تحسين أوضاعه المادية. وبغية تحرير الاقتصاد وتحفيز المبادرة الفردية والإنتاجية، يمكن فتح مجالات كثيرة لتحسين أوضاع الفقراء وإدخالهم في العالم الاقتصادي المنتج من دون اللجوء الى الحروب لإبعاد الأغنياء وأصحاب الأموال عن السوق.
وليس المقصود بتوزيع الفرص على الطريقة الاشتراكية، إذ وفق حاصباني فإن هذا النموذج يقلص الفجوة بين الأغنياء والفقراء إلاّ أنه لا يحسِّن مستوى الانتاجية. لذا، يعتبر حاصباني، أن تقليص الفجوة يكون بتنمية الطبقة الفقيرة من خلال استقطاب الاستثمارات وتوفير فرص عمل وتنمية الاقتصاد، بما يؤدي الى فرص متساوية ومتوازنة للجميع.
كيف يمكن أن يطبق هذا الامر في لبنان؟ يشير حاصباني الى انه لدينا الاطر القانونية التي اذا ما طبقت يمكنها استقطاب الاستثمارات الاجنبية والمحلية التي يجب أن تركز على القطاعات الانتاجية والبنى التحتية مثل قطاعي الكهرباء والاتصالات، لأن هذه الاستثمارات تنمي الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي بإمكانها توظيف أكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع.
من البديهي أن تحقيق استقرار اقتصادي دائم لا يتحقق الا بتوافر عدالة اجتماعية للمواطنين. ويعتقد البعض أن تحقيق العدالة الاجتماعية يكون عبر زيادة فرض الضرائب على الأغنياء وإعادة توزيعها على الفقراء، ولكن المبدأ الذي يتحدث عنه حاصباني هو التساوي بالفرص الذي يعتبر برأيه اهم من التساوي بالدخل. لأن التساوي بالفرص يتيح المجال للانتاجية الافضل والنمو الاقتصادي وكذلك قدرة اعلى للمجتمع بأن يوفر شبكة أمان لأفراده غير القادرين على الانتاج مثل المسنين والاطفال والمعوقين، أو حتى الذين يخرجون من عملهم لفترة محدودة.
ولا تقتصر عدم المساواة في الثروات على لبنان، إذ رغم الاعتقاد السائد ان الدول العربية تتمتع بثروات طائلة على المستوى العالمي، نجد ان الثروات الخاصة في المملكة العربية السعودية تقدر بـ 635 مليار دولار (0٫2% من الثروات العالمية) وقطر بـ 200 مليار دولار اي 0٫1% من الثروات العالمية والإمارات العربية المتحدة 461 مليار دولار( 0٫2%) بينما تقدر ثروات اسرائيل ب 843 مليار دولار اي 0٫3% من الثروات العالمية وهي الأعلى في المنطقة. اما الولايات المتحدة فتقدر ثرواتها بـ 38 الف مليار دولار ما يوازي 32% تقريبا من اجمالي العالم.
ومن أحد أسباب صغر حجم الثروات مقارنة في العالم، هو ضعف عدد القادرين على جمعها بالعمل الدؤوب مثل تأسيس شركات عالمية وطرحها في أسواق الأسهم بأسعار عالية كما يفعل الأميركيون والأوروبيون، اضافة الى تقلص الإنتاجية والاعتماد على النجاح المهني او الموارد الطبيعية في المنطقة.
ثروة أثرياء لبنان 33٫78 مليار دولار
كشفت مجلة “فوربس الشرق الأوسط” في عدد نيسان عن قائمة الأثرياء العرب لعام 2015 التي ضمَّت 100 ثري عربي من 12 دولة، واحتل لبنان المرتبة الثانية بعد السعودية بـ11 ثرياً، “10 مليارديريين، ومليونير واحد”، إذ حل جوزف صفرا في المرتبة الثانية بمبلغ مقداره 17٫3 مليار دولار، يليه في المرتبة الـ11 كل من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وطه ميقاتي بـ3٫3 مليارات لكل منهما، ثم بهاء رفيق الحريري بثروة قدرت بـ2٫3 ملياري دولار. وبلغ إجمالي ثروة أثرياء لبنان 33٫78 مليار دولار، وشهدت القائمة دخول 3 أسماء لبنانية جديدة: روبير معوض وعائلته بـ 1٫5 مليار دولار، وجاك سعادة بـ 1٫2 مليار دولار، وراي إيراني بـ 1 مليار.