خضر حسان
الهدف طرد جميع المياومين. هذه حصيلة الممارسات الموسمية لفريق سياسي يمسك قطاع الكهرباء بيديه، عبر الشركات مقدمي الخدمات، ومؤسسة الكهرباء، كسلطة أشبه بسلطة وصاية على الشركات. والطرد الموسمي تحكمه الظروف المناسبة، ويعززه صمت سياسي، وتطنيش شعبي، فالملفات الحياتية باتت كثيرة، وزخم إطلاقها في الشارع كبير، لدرجة ان المواطن لم يعد يلاحظ طرد عمالٍ وضرب مؤسسة حيوية. كيف يلاحظ ذلك، وهو الذي يمارس في الأصل سياسة النأي بالنفس إلا عن الإقتتال والإنقسام. أمّا جديد الطرد، فهو رقم 8، يضاف الى الرقم 36، وهو عدد المطرودين منذ حوالي 6 أشهر، وطبعاً الطرد تعسفي وغير مراقب قانونياً، لأن الطرد “مطبوخ” تحت الطاولة، ومغطّى سياسياً، على عكس حياة المياومين، المكشوفة لكل أنواع الخطر. وفي التفاصيل، فإن إحدى شركات مقدمي الخدمات E.P.S إتخذت قراراً بطرد 8 عمال في دائرة اقليم الخروب في بلدة مزبود، خدموا مؤسسة الكهرباء لمدة تزيد عن 15 عاماً. وعلى الأثر، نفّذ العمال في المنطقة، إعتصاماً شارك فيه عدد من رؤساء البلديات والمخاتير والفاعليات والعائلات، رفضوا خلاله عملية الطرد، وقاموا بإحراق الإطارات. فيما اعتبر ياسر مراد، المتحدث بإسم المياومين، ان “الاجرام والظلم الجائر استفحلا بنا جميعاً، لذلك لا بد من ايقافهما بأي وسيلة”، مشيراً الى حق العمال “بالتثبيت في الشركة والعمل في الدولة”، آملاً من المعنيين التدخل لثني الشركة عن قرارها، طالباً “الرحمة والرأفة بعائلاتنا وبأطفالنا وبأقساط المدارس وغيرها”. من جهة أخرى، ترى مصادر من المياومين لـ “المدن” ان “ما يحصل هو جزء من سلسلة، لن تتوقف عند هذا الحد، فهناك عمال آخرون سيتم صرفهم، لكن الشركات تنتظر الظروف المناسبة. ويندرج هذا الصرف في إطار رد الشركات على مؤسسة كهرباء لبنان، فكلما تأخرت الأموال تطرد الشركات عمالاً بحجة عدم وجود اموال كافية، وبحجة تقاعس العمال عن القيام بعملهم، وبحجج أخرى. في حين أنّ الحقيقة بعيدة عن هذه النقطة”. وتضيف المصادر: “المياومون الذين تم صرفهم من شركة E.P.S، غير مدعومين من أي جهة سياسية، والشركات تبحث عادة عن مثل هؤلاء لتطردهم”. طرد 8 عمال يتزامن مع إحتجاز نتائج إمتحانات المياومين التي أجراها مجلس الخدمة المدنية، “وهي جاهزة منذ حوالي الأسبوعين”، والتي من المفترض أن تسمح بتثبيت الناجحين، في ملاك مؤسسة الكهرباء. والإحتجاز غير بريء، لأن النتائج “جاءت عكس ما توقّعه التيار العوني”، كما تقول المصادر. فالتيار بدأ معركته ضد المياومين متحدياً قانون التثبيت و”تسوية برّي – جنبلاط”، وعمل جاهداً على تعقيد إجراء الإمتحانات لضمان رسوب أكبر عدد ممكن من المياومين، لكنه فوجىء بنسبة النجاح التي وصلت الى “حوالي 85%، ما يعني ان 85% من المياومين سيثبّتون في الملاك”. وتتمنى المصادر الإفراج السريع عن النتائج. ومع كل عملية إنتهاك جديدة للتسوية، ترشح فضائح تطال أكثر من زاوية في ملف الكهرباء. وآخر الفضائح، إحتجاز مقدمي الخدمات، بعلم المؤسسة، “مبلغ 21 مليار ليرة ناتجة عن اموال الجباية، وهذا المبلغ سُجل منذ حوالي شهرين”، وفق مصادر “المدن”. أما رد فعل مؤسسة الكهرباء، فكان “السماح للشركات بجباية إصدارين في كلّ مرة. وكل إصدار عبارة عن جباية شهرين، أي ان المواطن سيدفع كل شهرين، فاتورتين عن 4 أشهر”، وبالطبع فإن الأموال ستبقى في عهدة الشركات للإستفادة منها، وهو أمر طبيعي بالنسبة للمؤسسة التي ترى – بحسب المصادر – بأن الشركات مدينة للمؤسسة. لكن هل إيفاء الدين يتم بهذه الطريقة، التي تضمن إستفادة الشركات من توظيف الأموال العامة، وضمان إسترداد أموالها الخاصة في ما بعد؟ وهنا، تجدر الإشارة الى ان شركة E.S.P، هي إبنة شركة دباس، التي تدين بـ”الأمومة” لأكثر من شركة تقوم بأعمال تعهدتها “دباس” من مؤسسة الكهرباء، كونها واحدة من الشركات الثلاث التي رست عليها مناقصات التعهد. وبعيداً من ملف المناقصات و”زواريبه”، يحق لمن يتابع ملف الكهرباء التساؤل حول قانونية تلزيم شركة دباس عملها لشركة أخرى، حتى وإن كانت عملياً تتبع لها. وإذا كان الأمر قانونياً، تصبح الكرة في ملعب مؤسسة الكهرباء التي يفترض بها إيضاح سبب عدم اعتمادها على المتعهدين القدامى الذين كانوا ينجزون الأعمال بكلفة أقل، مستخدمين المياومين الحاليين. فهل الهدف تلزيم شركات، أم إنجاز العمل بكلفة أقل وبنوعية أفضل؟ والتطرق الى نوعية العمل، يجرّ بدوره الحديث عن الفساد في شراء معدات بنوعيات وكميات لا تناسب العمل المطلوب، وهو ما أثارته “المدن” سابقاً، ولم يجد آذاناً صاغية. الصرف تمّ ويتم وسيتم مستقبلاً، ونتائج الإمتحانات لم تصدر بعد، وإن صدرت، تبقى العبرة في إيجاد رقابة تمارس عملها بجدية، وتفرض على محتكري القرار في المؤسسات العامة تطبيق القوانين، وإسترداد المال العام، وإعطاء العمال حقوقهم.