يعد الشباب الإماراتي الأوفر حظا من حيث الامتيازات التي تقدمها لهم الدولة مقارنة بدول العالم، فهم مدللون من المهد إلى اللحد ويلتحقون بمدارس جيدة ويتلقون رعاية صحية ممتازة ويحصلون على وظائف تدر لهم دخلا عاليا.
وبالرغم من كل ذلك، لا يشعر الجميع أنهم يعيشون حياة ذات مغزى، كما يتضح من تقرير بيل لو، مراسل بي بي سي.
تتمتع سعاد الحوسني، سيدة أعمال تبلغ من العمر 26 عاما، بطاقة ونشاط هائل وتنتمي لجيل عصامي جديد حقق نجاحا كبيرا في هذه الدولة الخليجية الغنية بالنفط.
تقول الحوسني: “نفعل كل شيء من الألف إلى الياء لشركات العمالة الوافدة. أنا أعمل 24 ساعة خلال أيام الأسبوع السبعة، ولا أتوقف أبدا”، مشيرة إلى أنها لم تحصل على راحة منذ إنشاء الشركة الخاصة بها قبل خمس سنوات، باستثناء عطلة قصيرة واحدة.
وتقدم شركتها، التي تحمل اسم “نيكزس لخدمات الأعمال التجارية”، المشورة المالية والاتصالات في القطاعين الخاص والعام، والتوجيه فيما يتعلق بالأعراف الثقافية والاجتماعية لممارسة الأعمال التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتمثل الحوسني النقيض للصورة النمطية للشباب الثري الذي يعاني من الملل ويحجم عن العمل في تلك المنطقة.
حياة جيدة
وقال محمد باهارون، محلل ومستشار سياسي يعيش في دبي، إن الشباب الذي يوظفه الآن أكثر ديناميكية من أي وقت مضى.
وأضاف: “إنهم أكثر نشاطا وأكثر انخراطا في العمل، ولا يريدون الجلوس في المكاتب، بل يسعون للنزول والمشاركة في المشروعات فورا.”
وأرجع باهارون الفضل في ذلك لتحسين نظام التعليم الذي يركز بشكل أكبر على مهارات العرض والكتابة، ويطلب المزيد من الطلاب، وهو ما جعل الشباب الإماراتي قادرا على مواجهة التحديات الكبيرة.
ولكن الشابات هن اللاتي يبرزن بصورة أكبر، إذ أن 95 بالمئة من الفتيات اللاتي يتخرجن من المدارس الثانوية يلتحقن بالجامعات، مقابل 75 بالمئة فقط من الشباب.
ويقول باهارون، الذي يوظف شباب الخريجين كباحثين، إن السيدات “يعملن بجدية ويتخرجن من الجامعات بدرجات أعلى من الذكور”.
وعندما سئل عن السبب وراء ذلك، أجاب ضاحكا: “إنهن لا يذهبن للصيد وإقامة المخيمات والصيد مثلما يفعل الذكور.”
كما أن النساء لا يقضين عطلة نهاية الأسبوع في سباقات السيارات في الصحراء، أو يذهبن للمقاهي طوال أيام الأسبوع.
أجور مرتفعة، وكذلك البطالة
وإذا ما نحينا الملل جانبا، فإن الحياة جيدة بالنسبة للشعب الإماراتي، الذي يثق في أن حكومته تعتني به، ويبدو أنه لا يعبأ بالادعاءات المتكررة والموثقة جيدا بوجود انتهاكات في مجال حقوق الإنسان من قبل السلطات ضد المعارضين، وهي الانتهاكات التي تتحدث عنها وسائل الإعلام الغربية، لكن لا يذكر عنها شيء تقريبا في الصحافة الإماراتية.
وقال باهارون: “إنهم لا يصدقون هذه القصص أو لا يبالون بها، ويرون أن هذه مزاعم غير حقيقية.”
وعندما سألت الحوسني عما إذا كان هناك أي شيء يسبب لها المتاعب، سكتت قليلا ثم قالت: “ليس هناك شيء كامل في الحياة، لكن لدينا موارد مذهلة وقيادة رائعة ونعيش حياة سعيدة.”
ويقول الصحفي عباس اللواتي، وهو نفسه من المغتربين من عمان، إن الشباب الإماراتي لديه شعور بالتفوق ينبع من كونه أقلية ثرية في مجتمع مريح ومدعوم بشكل كبير من الدولة.
ويجد كثيرون فرص عمل في القطاع العام المتضخم، الذي يصل فيه راتب وظيفة السكرتارية المتواضعة إلى 15 ألف درهم شهريا، أي ما يعادل 4100 دولار، كما ترتفع الأجور بشكل دوري وبصورة كبيرة.
وكانت الزيادة الكبيرة الأخيرة في عام 2013 عندما ارتفعت الرواتب الحكومية بنسبة تتراوح بين 30 بالمئة و100 بالمئة.
وقال اللواتي: “هناك إحساس بأنه لا يمكن فصل أي مواطن من أي وظيفة، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص. هذا شيء من المحرمات، إذ لا يمكنك فصل إماراتي من العمل.”
وأشار اللواتي إلى أن الحصص الحكومية لإلحاق مزيد من المواطنين بالقطاع الخاص جعلت الشركات تعين الشباب الإماراتي في “وظائف غير أساسية لتطبيق اللوائح الحكومية” للقيام بعمل قليل للغاية أو عدم القيام بأي شيء في الوظائف الحكومية، أو الالتحاق بوظيفة في القطاع الخاص يقول لك صاحب العمل “هذا مكتب، افعل ما تريد”، لكن ذلك يؤدي إلى الإحباط وعدم وجود الدافع لدى أولئك الذين يريدون أن يعملوا – ويؤدي إلى تمكين ومكافأة أولئك الذين لا يرغبون في العمل.
وبالرغم من ذلك النظام السخي، فإن معدل البطالة مرتفع أيضا.
غرباء في بلدهم
وعلى مدى عدة عقود، شجعت دولة الإمارات العربية المتحدة، مثلها في ذلك مثل الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، موجة الهجرة إليها من كل أنحاء العالم – فمعظم الوافدين يتقاضون مبالغ ضئيلة ولكنهم مهنيون ولعبوا دورا في تحويل ما كان ذات مرة مجتمعات قبلية بدوية إلى دول حديثة تضم مدنا كبرى تستشرف أفاق المستقبل.
ونتيجة لذلك، لا يمثل الإماراتيون سوى سدس عدد السكان البالغ عددهم 9.3 مليون نسمة. يشعر البعض بالغربة في مجتمع تغير بسرعة كبيرة، علاوة على ارتفاع معدل البطالة بين الشباب.
ويقول حسن حكيميان، مدير معهد لندن لدراسات الشرق الأوسط بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، إن بعض الشباب الإماراتي يعاني من “الإحساس بالضياع داخل بلدهم”.
وتعاني دول مجلس التعاون الخليجي من أعلى معدل بطالة بين الشباب في العالم. ويقول حكيميان إن واحدا من بين كل خمسة رجال تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما في الإمارات العربية المتحدة، وأكثر من نصف النساء الشابات، عاطلون عن العمل. وتصل نسبة البطالة في الإمارات إلى 28 بالمئة من إجمالي عدد السكان.
وتضم هذه النسبة أولئك الذين يبحثون عن عمل، لكن لا توجد أرقام بشأن أولئك الذين لا يعبؤون بالبحث عن العمل.
وأشار حكيميان إلى أن برامج وسياسات الحكومة لتشجيع الشباب على العمل وتقليل الاعتماد على العمال الوافدين “ذات قيمة محدودة”.
وأضاف: “في الواقع، الحكومة تواصل السير على نفس المنهاج”
ومن شأن هذا أن يكون له تأثير عميق على شخصية البلاد وسكانها الأصليين، إذ أن كل شيء، بدءا من التقاليد والملابس واستخدام اللغة الإنجليزية في مجال الأعمال التجارية والدوائر الحكومية – يرتبط بتدفق العمال الأجانب.
وقال اللواتي: “يشكل مواطنو الامارات أقلية تتناقص بمرور الوقت.”
اعرف حدودك
وبالرغم من أن الشباب الإماراتي يعد من بين الأكثر استخداما لوسائل الإعلام الاجتماعية في العالم ويعشق الموسيقى الغربية والأفلام والتأثيرات الثقافية الأخرى، ما زال الرجال يرتدون الثوب التقليدي، وهو رداء طويل، والنساء يرتدين العباءة.
تقول الحوسني: “عليك أن تعرف حدودك. بدأت بارتداء البذلة وعدت إلى العباءة”.
وأقرت الحكومة، التي تأمل في تعزيز الشعور بالهوية الوطنية ومعالجة تصورات الشباب المدلل، الخدمة العسكرية الإلزامية للرجال، على أن يلتحق خريجو المدرسة الثانوية بالخدمة لمدة تسعة أشهر، مقابل عامين لمن لا يحمل شهادة من المدرسة الثانوية.
ويقول باهارون: “إنها وسيلة لجعل الشباب يقوم بوظائف وضيعة مثل تنظيف دورات المياه وطهي الوجبات وترتيب الأسرة – كل الأشياء التي تقوم بها الخادمات في المنازل. ووسيلة لفرض الانضباط في هذه البيئة التي يوجد بها كافة أشكال الرفاهية.”
وقد يعتقد البعض أن الشباب الإماراتي سيتذمر من هذا القرار، لكن العكس هو الذي حدث.
تقول الحوسني، التي أعفيت من الخدمة العسكرية: “إنها فكرة مذهلة. الجميع يفعل ذلك. إنها وسيلة لرد جزء من الجميل للوطن.”