أولى المؤرّخ الألماني، الذي نال شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا الأميركية، اهتمامه الرئيسي لدراسة تاريخ الولايات المتحدة وتاريخ الرأسمالية وتاريخ العالم وهو أستاذ التاريخ الأميركي في جامعة هارفارد. وبعد أن قدّم عملين سابقين عن «البورجوازية الأميركية» وصعودها في المجتمع الأميركي، يكرّس كتابه الأخير لدراسة «إمبراطورية القطن».
ما يتبادر للذهن مباشرة عند قراءة عنوان هذا الكتاب هو أنه دراسة تاريخية لهذه المادة التي لعبت دورا كبيرا في حياة البشر وصناعات النسيج وغيرها منذ بدايات المجتمعات الإنسانية حتى الحقبة الراهنة. لكن الموضوع الأساسي لهذا الكتاب، وإلى جانب البعد التاريخي لمادة القطن، هو البحث في آليات تطور العالم الحديث وصعود الرأسمالية على ضوء الدور الذي لعبته هذه النبتة.
ومن الأفكار الأساسية التي تتردد في تحليلات هذا الكتاب حول القطن والدورة التي رافقت مكانته منذ القرن الثامن عشر وثورته الصناعية الكبرى والتوسّع الاستعماري وما ترتب عليه من نشوء «إمبراطوريات» شاسعة، أنه ترسّخت تراتبية اجتماعية تتميّز بقدر كبير من «تهميش البعض» و«زيادة كبيرة في ثروات آخرين» مما يعبّر عن إحدى السمات الرئيسية للمنظومة الرأسمالية.
ويجدد المؤلف القول انه إذا كانت نيويورك قد عرفت تكدّسا رأسماليا كبيرا، فإن مدينة «مانشستر» البريطانية أصبحت في أواسط القرن التاسع عشر أهم مركز في العالم لـ «الصناعات القطنية»، بحيث أنها استطاعت بعد حين أن تنافس الصناعات النسيجية الآسيوية «نوعا وكمّا».
يشرح المؤلف أن تلك الفترة من الازدهار الصناعي في مختلف المجالات كانت بمثابة الأرضية التي تعززت على أساسها ركائز المنظومة الرأسمالية العالمية. وكانت بريطانيا هي «السبّاقة» في اختراع الآلات الأولى. ويشر أن بريطانيا كانت بمثابة المركز الموجّه لرأس المال العالمي ولحركته، حيث غدت لندن هي «مدينة المال بامتياز». ومن هنا حرصت أن تسيطر على الحركة التجارية العالمية، التي كان القطن يمثل إحدى السلع الأساسية آنذاك في الأسواق العالمية.
وبالتالي برز طموح «وضع يد السلطة المركزية لاحقا يدها على مساحات كبيرة من الأراضي» المنتجة للقطن.
ويبين الكتاب أن دورة ذات طابع رأسمالي تركّزت حول القطن ودور أصحاب مزارعه والعاملين في قطاعه ومصنّعيه والموظفين الذين عملوا في مختلف النشاطات المتعلّقة فيه. تلك الدورة غدت، كما يكتب المؤلف، في صميم اهتمام «الإمبرطورية البريطانية ومستعمراتها في العالم». ثمّ غدا القطن أحد المحرّكات الأساسية في النشاط الاقتصادي للبلدان النامية، التي وجدت في تلك المادة أحد مصادر ثروتها الرئيسية.
ويصف المؤلف على مدى العديد من صفحات الكتاب الممارسات العنيفة، بل وحالة الرعب، التي رافقت فترة تصنيع القطن. تلك الممارسات أشاعها نوع من «التحالف غير الرسمي» الذي قام بين أصحاب المصالح التجارية وملاّكي الأراضي الشاسعة الصالحة لزراعة القطن، والدول ذات المصالح الاقتصادية التي دفعتها لانتهاج سياسة التوسّع «ذات الطابع الاستعماري».
ابحثوا إذن عن دور القطن في تشكّل الرأسمالية وبالتالي في توجيه مسار التاريخ.