حاوره رولان خاطر
رأى النائب السابق جواد بولس أنه يجب إدراك غايات الإيرانيين والأميركيين من مسار واتفاق لوزان. فالأميركيون يريدون التخفيف من وطأة التزاماتهم العكسرية في المنطقة من أجل التركيز على مساحة يعتبرونها أكثر حيوية بالنسبة إليهم وهي منطقة آسيا الشرقية. فخصمهم المستقبلي على زعامة العالم هو الصين. لذلك نمت الحاجة إلى إيران صديقة من أجل تحقيق هدفين. أولهما عدم دفع إيران (ومعها العراق وسوريا) إلى التموضع ضمن منطقة نفوذ صيني مفترضة مستقبلا. وثانيهما استخدام إيران كشرطي للخليج. أي أن أميركا تريد لإيران أن تلعب الدور الذي كانت تلعبه أيام الشاه مع استبدال خصومتها آنذاك مع الاتحاد السوفياتي بخصومة مستحدثة تجاه الصين الصاعدة. من اجل ذلك، على أميركا أن تنزع فتيل النزاع مع إيران وتعبّد لها طريق العودة إلى رحاب الأسرة الدولية، وأن تحث قادة إيران كي يتصرفوا انطلاقا من مقتضيات المصلحة القومية الإيرانية وليس على أساس ضرورات نشر “الثورة الإسلامية” ومتطلباتها، علما أن مصلحة الدولة في إيران قد تتعارض أحيانا كثيرة مع مصلحة الثورة التي ما زالت تحركها. وهناك رأي في أميركا يقول بأن الانفتاح على إيران سيؤدي حتما ومن حيث لا يدري قادة الثورة في إيران، إلى تحولات كبيرة في نظام الحكم وآلياته لأنه سينبغي على إيران ان تختار، وفقا لمقولة هنري كسنجر، هل تريد أن تكون “دولة” أو “قضية”.
والإيرانيون بدورهم لهم مصلحة أكيدة في أن ترفع العقوبات التي خنقت اقتصادهم وباتت تهدد امنهم الاجتماعي خاصة في ظل التزاماتهم العسكرية الكثيرة في افغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن والآن في النقطة الحامية الجديدة التي تتطور على حدودهم مع بلاد السند. وإيران ترتاح إلى الاعتراف لها بدور رئيسي في حماية أمن الخليج وبمنطقة نفوذ في كل دول الهلال الخصيب الذي تمكنت من تكوينه، مستفيدة من قصر النظر العربي وفشل الدول العربية، وبالأخص السعودية، في بلورة مشروع استراتيجي رؤيوي مواجه للمشروع الإيراني على صعيد المنطقة ككل. هذا وقد اقنتع الإيرانيون بأن لا حاجة للسلاح النووي ما داموا قادرون على بسط نفوذهم على دول المنطقة وشعوبها بالوسائل التقليدية حتى في ظل العقوبات المكبلة لطاقاتهم الهائلة فكيف بالأحرى بعد رفعها؟.
وأضاف بولس: “إذن، هناك التقاء مصالح عريض بين اميركا وإيران. إلا أنني اعتقد أن الأمور لن تسير وفقا لتقديرات أميركا وان الالتقاء بين الدولتين سيتعثّر لأن أميركا أوباما لا تفهم –وربما هي غير قادرة على أن تفهم- محورية العقيدة الدينية في نظرة إيران إلى نفسها وإلى دورها في المنطقة والعالم، وأنها ستميل بالنتيجة إلى تحفيذ مصالح الثورة على مصالح الدولة الأمر الذي سيعود بها إلى الاصطدام بأميركا. هذا وقد تغيرت المنطقة أيضا منذ أيام الشاه. فالعقيدة الرائجة في محيط إيران العربي تحول من قومي/لغوي/اثني إلى قومي/ديني. لذلك فإن الصراع الذي سينتج عن إطلاق يد إيران في المنطقة سيكون ديني بامتياز ولن تبقى ناره محصورة في الشرق الأوسط. والمثلان العراقي والسوري قابعان أمام أعيننا.
أما بخصوص الملف الرئاسي، قال بولس: “الكل يعلم أنه ملف خطفته إيران وتريد ان تستثمره من أجل مصلحتها. وهذه المصلحة لها بعدان برأيي. البعد الأول مرتبط بعقيدتها وهي لا ترتاح إلى استمرار نظام كالنظام اللبناني الذي لا يحاكي مفهومها الديني للحكم ولها بالتالي مصلحة بضربه وإضعافه من أجل استبداله بنظام مشابه لنظامها بحيث يكون لبنان أول دولة عربية تنجح إيران في تصدير مفاهيم الثورة الاسلامية إليه على صعيد تكوين المؤسسات الدستورية ومصادر استسقاء التشريع. هذا هدف إيران الثورة على المدى المتوسط.
أما هدف إيران الدولة على المدى القصير، فيكمن في “بيع” ورقة الرئاسة في البازار الدولي مقابل مكاسب آنية لها. إلا أنها لم تجد من “يشتري” بعد بالسعر الذي تريده. ومن المؤسف جدا أن قسما من المسيحيين رضي أن ينخرط في هذه اللعبة القذرة على حساب المصلحة اللبنانية. أتعجب أنه ما زال هناك رأي عام مسيحي يصفق لهذه السياسة المدمرة ويؤيدها.
أما بخصوص زيارة نائب وزير الخارحية الأميركي أنطوني بلينكن، قال: “الرئاسة اللبنانية هي آخر همه وآخر هموم إدارته. فطالما أن المسيحيين غير آبهين بالفراغ الرئاسي، وكنائسهم مرتبكة وضائعة وقد جالت بعيدا عن الثوابت التي أرساها الأجداد في الدفاع عن الاستقلال ومبادئ الحكم الرشيد، وبعض ساستهم المصنفون “ممثلين” يجولون على الشاشات ليقولوا إن لا مانع من الانتظار ولا مشكلة في عدم انتخاب الرئيس، فلماذا يهتم بلينكن؟ هم يراهنون على مؤسسة الجيش ويتأقلمون مع غياب الدولة، كما في باكستان على سبيل المثال.
بولس، وفي حديث لموقع IMLebanon، أعرب عن اعتقاده بأن التطورات الكبرى في المنطقة لن تؤثر ايجاباً على الملف الرئاسي، بل بالعكس. ستعقّده. هذا لأن هناك فريقا من المسيحيين يراهن بقوة على انتصار المحور الإيراني في المنطقة انتصارا حاسما، الأمر الذي سيتيح له، برأيه، الوصول إلى رئاسة الجمهورية ولو على حساب الجمهورية.
وأضاف: “ربّ معترض على هذه النظريّة يقول إن الفريق “الآخر” ينتظر بدوره الضوء الأخضر من المحور “العربي” الذي ينتمي إليه. سأسلّم جدلا أن هذا الرأي صحيحا. يبقى أن هناك فرقا شاسعا بين المحور المؤثّر الذي يكتفي بوضع فيتو على أسماء معينة، فهذا مستهجن، والمحور المؤثّر الآخر الذي يضع فيتو على عملية الانتخاب برمتها، فهذا مهين ومدمر”.
وتابع بولس: “أعتقد ان الحل الوحيد من أجل لبننة الانتخابات الرئاسية اليوم هو نجاح الحوار المسيحي-المسيحي على القاعدة التي انطلقت منها “القوات اللبنانية” للدخول إليه، مع تحفظي بخصوص الإطار الذي يجب أن يكون مجلس النواب، لا معراب ولا الرابية. وهذه القاعدة هي سعي الفريقين إلى الاتفاق على مرشح مقبول من كلي أصحاب أكبر كتلتين مسيحيتين في المجلس وضمنا من بكركي. ويمنح هذا الاتفاق صفة “القوة” على المرشح التواقفي الأمر الذي يشفي غليل الرأي العام المسيحي الذي اختصر القوة “بالعضل”. وهذا الأمر يفترض تنازل العماد عون عن طموحه الرئاسي ونكله ببعض الالتزامات الخطيرة التي أعتقد أنه ارتبط بها تجاه حلفائه على حساب ما أفهمه أنا على أنه المصلحة الوطنية اللبنانية. والله أعلم.”
وردا على سؤال، قال: “لا شك أن دور الكنيسة المارونية مهم ويجب ان تكون كلمة بكركي مسموعة لدى كل الأطراف. موقف الكنيسة واضح. تريد رئيسا محترما ومقبولا ويرتاح إليه الناس وتريده البارحة قبل اليوم. هذا وقد أخطأت الكنيسة في إدارة اللعبة منذ الأساس عندما ارتأت اختصار الطائفة باربع مرجعيات تحت تسمية الأقطاب لأسباب غير مفهومة إطلاقا. كانت خطيئة مميتة لأن الكنيسة اوحت، بحيث تدري أو لا تدري، أن “الأقطاب” وحدهم هم “الأقوياء” وأن الكنيسة لن ترتضي رئيسا إلا ممن هو “قويا”.
وأضاف: “كان فخا كبيرا زاده خطورة ما تبعه من غسل دماغ المسيحيين لجهة أن أي رئيس لا يأتي من ضمن صفوف الأقطاب لا ولن يمثل المسيحيين. والمشكلة طبعا أنه كان واضحا منذ البدء أن أي من هؤلاء “الأقطاب” لا يمكن أن يصل إلى الرئاسة إلا بحالة من اثنين: الحالة الأولى بالتوافق بينهم على أحدهم. وهذا رهان محفوف بالمخاطر وكلنا يعلم أن حظوظه ضئيلة جدا ما يجعله رهانا فاشلا. والحالة الثانية هي بالفرض، أي بانكسار فريق أمام الآخر. وهذا يستوجب حصول أزمة. والأزمة تعني عدم مراعاة الآجال الدستورية. فقد ارتبكت بكركي بسعيها إلى تحقيق هدفين متناقضين. حصر زعامة الطائفة المارونية “بالأقطاب” من جهة، والسعي إلى حصول الانتخابات في أجلها الدستوري من جهة أخرى. وما زالت تتخبط الكنيسة في هذه الحلقة من دون ان تجد المخارج.
أما الحل؟ فيكمن برأيي في تنظيم مجمع ماروني تكون بكركي محوره من أجل استفتاء القوى الحية المارونية والمسيحية والإسلامية المعتدلة في لبنان والخارج بخصوص المواصفات المطلوبة للرئيس العتيد كي نخرج من منطق التوصيف العقيم بـ”القوة”. والهدف الأهم هو تحديد برنامج المرشح الذي يريد التكلم باسم المسيحيين. عندذاك، سيضطر أي مرشح للرئاسة إلى الالتزام بالبرنامج الذي يمثل عصارة المشيئة المسيحية. ومن يرى أن التزاماته لا تسمح له بذلك يعي أن تلك الالتزامات أصبحت خارج الإجماع المسيحي فيعيد النظر بها. وفي كل الأحوال، قد يسمح هكذا استفتاء بتوضيح الرؤية لدى الجميع حول ما يريده فعلا المسيحيون، ولا يبقى ذكاؤنا رهينة تحليلات بعض الساسة والأقلام المأجورة والبروبغندا الغوبلزية المقرفة. إن الموارنة أفضل بكثير مما يصورون ويستأهلون أكثر من الذي ينالونه من “اقطابهم” وللأسف أيضا، من كنيستهم.