تفضّل رحاب شراء عبوة صغيرة الحجم من “دوتشي غابانا” معبّأة، أو ما يعرف شعبياً بـ”الإسانس”، او العيّنة في التعبير التجاري. ليس السبب ان شراء الاخرى يكلفها اكثر من 80 دولاراً، وان العبوة التي تشتريها من الحاج ابو جمال في السوق العريض في طرابلس، لا تكلفها أكثر من 4 دولارات، بل لأن التجربة اثبتت لها ان مفعول رائحة “العينة” يبقى لوقت طويل.
يعتمد ابو جمال، الذي يبيع عادة احذية رياضية فوق بساط خشبي، على زبائن السوق العابرين لبيع زجاجات العطر التي يقوم بتعبئتها مباشرة امام عيونهم. يضع امام المارة عبوات تلتمع زجاجاتها من وقت الى آخر بسبب اشعة الشمس، التي تسقط من بين نتوء احد “مشارب” الابنية المملوكية، التي تزنر الحارات الضيقة لأسواق طرابلس القديمة. تبدو الزجاجات مثل زينة جميلة، وسط فوضى عارمة من اغراض ومتع معروضة للبيع.
يلتقطهم ابو جمال ويخبرهم عن عرضه: “عبوتان وسط بيطلعلكن وحدة صغيرة ببلاش”. هذا العرض الذي يقدمه الرجل الاربعيني، منافسة ابتكرها لمواجهة بائع آخر، صار يقدم مع كل عبوة وسط، والتي يصل سعرها الى 6000 آلاف ليرة، علبة محارم مجانية. وفي البيع هناك 3 اصناف من الزجاجات: الكبيرة التي يصل محتواها الى 50 ملليلتراً، الوسطى التي تحتوي على 25 ملليلتراً، والصغيرة التي لا يتعدى محتواها الـ 20 ملليلتراً. وكل واحدة سعرها مختلف، بين منطقة وأخرى، وبين نوع وآخر، وحسب الخلطة. لكن ابو جمال يقول إن مجمل الاسعار تكون متقاربة، وهنا في الشمال الاسعار منخفضة اكثر، اولاً لأن هذه الخلطات تعتمد على يد عاملة رخيصة، وثانياً لأن انتاج هذه الروائح يتم في مصانع محلية غير مكلفة، والمواد الأولية تكون مهرّبة او يشتريها الموزع بسعر منخفض.
ففي بيروت، هناك محال متخصصة ببيع العينات، وهي تتكلّف في دفع ايجارات محالها وموظفيها، ناهيك عن أنّ تجارة العيّنات تخضع ايضاً للعرض والطلب، لكن الفرق بين بيروت وطرابلس لجهة سعر العينات ليس بكثير، ويصل الى الفي ليرة كحد ادنى و5 آلاف كحد أقصى. لكن في طرابلس تزدهر تجارة العينات اكثر من بيروت، وهذه التجارة تتضخم في الاحياء الفقيرة والمتوسطة الحال، حيث يمكن لعابر الطريق ان يراها معروضة في الشارع.
يقول محمد، وهو بائع في محل يعتمد اكثر على ديكور جديد لجذب المارة، ولديه علامة تجارية مسجلة، ان الامر ليس متعلقاً بالحاجة المالية فحسب، هناك ظاهرة لشراء العينات كون الزبون يشعر انها مريحة له ويستطيع ان يرى بعينه خلطتها، او ان يخترع خلطته بنفسه”، موضحاً ان المؤسسة التي يعمل فيها تبيع العينات بشكل دعائي يعتمد الجودة والشكل معاً، وتراعي الزبائن من ناحية ذوقهم وخياراتهم”، مشيراً الى انهم يضعون الخلطات في علب ملونة ومزينة وبعضها له اشكال وحروف، وحسب المناسبات، ففي عيد الام هناك علب خاصة وعيد الفالنتاين ايضاً، وتكون هذه الزجاجات صالحة للهدايا، اكثر من الاحتفاظ الشخصي بها”.
ويقول ابو جمال انه يعتمد على المارّة من الشارين للثياب والاحذية والبياضات، ليقنعهم بشراء عبوة من روائحه التي ينتشر بعضها فيغطي على روائح المطر والأغراض المكدسة، او رائحة القهوة والكعك التي تفوح من حين الى آخر. ويوضح الرجل الذي بدأ بهذه التجارة منذ 7 سنوات، أنّ “الناس ترغب في اقتناء زجاجة عطر رخيصة السعر، لكنّها قوية الحضور”، مشيراً الى أنّ هذا البيع مربح وغير مكلف، و”رأسماله فيه، والمهم تعرف تقنع الناس بالريحة”. وهذه بالنسبة له ليست مشقة. هو لا يعرف كل أسماء العطور، ويلفظها بشكل خاطىء في كثير من الاحيان، رغم انه يدونها بخط عريض وبلهجة عامية تلائم الزبائن السائرين أمام المحال والواجهات المغرية. لكنه يتمكن دوماً من بيع عبواته، “المهم تكون حربوق”، يقول ضاحكاً.
وتؤكد ناديا (26 عاماً) ان “الناس لا تميز عادة الفرق بين الرائحة الجاهزة التي يمكن شراؤها من اي محل نوفوتيه او دكان متخصص ببيع الروائح، وتلك التي يمكن ابتياعها من بائع متجول او آخر يقف عند ناصية الطريق، الامر سيّان، والمهم ان نتعطر”.
ناديا أقلعت عن شراء الزجاجات الجاهزة والتي تكلفها كل شهر ما يقارب الـ200 دولار، واتجهت الى شراء عطرها لكن في زجاجات “العينة”، “اعتقد اني صرت اوفر الباقي لشراء أشياء أخرى، وشعرت أن متعة العطر هي نفسها، وتختم كلامها بالقول: “المهم نكون مهفهفين”.