فرديناندو جوليانو
تعبير “خروج اليونان” يعود مرة أخرى ليتردد على كل لسان في أوروبا. حتى لو كانت اليونان قادرة على تسديد قرض بقيمة 450 مليون يورو لصندوق النقد الدولي قريباً، ستكافح من أجل تسديد المبالغ الكبيرة التي يقع تاريخ استحقاقها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ما لم تبرم اتفاقا مع شركائها في منطقة اليورو، ما يرفع شبح الإعسار، وفي نهاية المطاف، الخروج من العملة الموحدة، وهو الشبح الذي لازم أوروبا لجزء كبير من عام 2012.
“خروج اليونان” مصطلح مختصر لعملية لن تكون بأي حال سريعة وواضحة المعالم. المحامون والاقتصاديون يحذرون من أن أي انفصال يوناني من الاتحاد النقدي الموحد، ربما يكون أكثر تعقيدا وأكثر فوضوية بدرجة كبيرة مما كان يُعتقد سابقا.
وكما يقول بنديكت جيمس، وهو شريك في لينك ليترز للمحاماة “هناك كثير من الكلام الفضفاض، ولكن لا توجد آليات لإكراه اليونان على الخروج من اليورو، ولا يبدو أنها تريد الخروج طواعية”. وأضاف “ما أكثر احتمالا هو أن الحكومة لن تبقى لديها مبالغ من اليورو”.
نصف داخل ونصف خارج
أحد السيناريوهات هو أن اليونان يمكن أن تبقى في اليورو، ولكن بأن تكون محجورة في منطقة رمادية من شأنها اختبار الحدود وفق قواعد العملة الموحدة.
وهذا يمكن أن نشهد أن تعمد الحكومة إلى فرض ضوابط على رأس المال حتى تمنع تدفق الودائع إلى الخارج، وإصدار سندات دين للدائنين وموظفي الخدمة المدنية، من أجل سد الثقب الذي تعانيه الحكومة في المالية العامة.
ما يؤجج المخاوف هو التدهور في صحة النظام المصرفي والمالية العامة. قاعدة الودائع لدى المصارف اليونانية تقلصت بنحو 23.6 مليار يورو، أو 14 في المائة، منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، وفقا لبنك يو بي إس، المصارف اليونانية تعتمد بشكل متزايد على تمويل طارئ من البنك المركزي الأوروبي.
في غضون ذلك، عائدات الضرائب كانت تتدفق بشكل أبطأ مما كان متوقعا.
هذا ما يجبر أثينا على المسارعة في الحصول على المال في الوقت الذي تواجه فيه جدول سداد صعب أمام دائنيها الدوليين – هناك مبلغ 458 مليون يورو مستحق الدفع لصندوق النقد الدولي اليوم – في حين ينبغي لها الدفع لأصحاب المعاشات التقاعدية وللموظفين والموردين.
يلاحظ المحللون أنه في حالة عدم وجود التزام مستمر من قبل المقرضين الدوليين لتمويل المصارف والحكومة، فأي سبيل يُسلك يمكن أن يؤدي إلى خروج اليونان من منطقة اليورو.
هناك خطوات وسيطة يمكن للحكومة أن تتخذها للبقاء في العملة الموحدة دون الحاجة إلى الانهيار أمام مطالب الدائنين الذين يطالبون بقيود صارمة على الإنفاق العام، فضلا عن مجموعة من الإصلاحات الهيكلية.
ضوابط رأس المال
أحد الخيارات هو إدخال ضوابط على رأس المال للحد من تداعيات السحب المتهافت على الودائع ووقف عملية مغادرة المال للبلاد. هذه الضوابط تنتهك إحدى الركائز الأساسية للاتحاد الأوروبي – حرية حركة رأس المال – وتم تقليص استخدامها بشدة من قبل صندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، قانون الاتحاد الأوروبي يسمح للبلدان بفرض قيود مؤقتة على عمليات السحب للحفاظ على الأمن العام. إنقاذ قبرص في عام 2013، على سبيل المثال، يضمن ضوابط على رأس المال.
في حالة عدم وجود اتفاق واضح مع شركاء منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي، يمكن لليونان أن تجد نفسها أخيرا في جدل قانوني، مع الشركات والأفراد الذين يختبرون شرعية هذه الإجراءات في محكمة العدل الأوروبية.
تحديد أولويات المدفوعات
على صعيد المالية العامة، قد تواجه اليونان قريبا عملية اختيار بين الوفاء بديونها إلى الدائنين الدوليين والدفع للموردين وأصحاب المعاشات.
يمكن للحكومة اليونانية، من حيث المبدأ، أن تقرر كيفية تحديد أولويات المدفوعات. ومع ذلك، يحذر الاقتصاديون من أن هناك حدودا لما يمكن لأثينا فعله بسبب اعتماد القطاع المصرفي لديها على الإقراض من البنك المركزي الأوروبي.
ويقول جونتران وولف، مدير بروجل، وهي مؤسسة فكرية أوروبية “اليونان ليست ذات سيادة كاملة، في الوقت الذي يملك فيه البنك المركزي الأوروبي القدرة على التأثير فيما يمكن للحكومة القيام به”.
كذلك في حال تفويت اليونان إحدى الدفعات المستحقة للدائنين الدوليين فإن هذا يمكن أن يثير الذعر بين المودعين.
يقول أثناسيوس فامفاكيديس، المختص الاقتصادي في بنك أوف أميركا ميريل لينش في لندن “أي عدم التزام بالدفع من قبل الدولة سيؤدي إلى تسارع التدفقات الخارجة. وهذا سيؤدي الى تدافع المودعين لسحب أرصدتهم من المصارف”. وأضاف “بعد ذلك تجد الحكومة نفسها مضطرة لفرض ضوابط على رأس المال”.
اليونان مدين لك
أحد المخارج يمكن أن يكون في مواصلة الدفع للبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وفي الوقت نفسه إصدار سندات دين لتسوية الالتزامات المحلية.
ويقول إريك نيلسن، كبير الاقتصاديين في المجموعة المصرفية يونيكريديت “سندات الدين لا تعتبر خروجا من اليورو”.
هناك نوعان من الحدود لهذه العملية. الأول هو مدى مقبولية هذه المدفوعات لدى الموردين وموظفي القطاع العام”.
يقول يانيس منيوليديس، وهو شريك في “ألين آند أوفري” للمحاماة في لندن “الدفع المقرر من الناحية القانونية باستخدام سندات الدين، في حين إن من الواضح أن التسديد يجب أن يكون باليورو، هو أمر يمكن الطعن به في المحاكم”.
والثاني هو قانون الاتحاد الأوروبي، الذي ينص على أنه ليست هناك عملة سوى اليورو يمكن أن تكون العملة القابلة للتداول بموجب القانون.
ومع ذلك، يمكن للحكومة اليونانية أن تتخذ الخطوات اللازمة لتحفيز تداول سندات الدين – على سبيل المثال قبولها كما لو كانت تسديدا للضرائب – دون منحها صفة رسمية.
يقول نيلسن “يمكنك تخيل السيناريو عندما يستمر هذا لبعض الوقت.
يتم تداول سندات الدين في الشارع مقابل عشرة سنتات لليورو، ثم يتوقف الناس عن الذهاب إلى العمل، ولكن الحكومة لا تطبع عملة جديدة.
ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى فترة من الفوضى، حيث يزداد الوضع سوءا بشكل تدريجي”.