بالنسبة للسوق تتداول في المتوسط نحو 5.3 تريليون دولار يوميا، هناك مشكلة محيرة تؤرق العملات الأجنبية: ما الذي يحدث على جبهة السيولة في السوق؟
في الأشهر الأخيرة سلسلة من التقلبات المثيرة وغير المتوقعة خلال اليوم – حتى في العملات الشعبية والمتداولة على نطاق واسع –أدت بمستثمري النقد الأجنبي ومتداولي المصارف والمحللين إلى التشكيك في آليات السوق.
في جوهر الموضوع هناك السؤال حول ما إذا كانت السوق الموازية الواسعة خارج البورصات الرسمية، المسيطر عليها منذ فترة طويلة من قبل حفنة من المصارف الاستثمارية الكبيرة التي تجري الصفقات، تعتبر في تراجع دوري أم أن الحاصل مرتبط بأحداث الأسواق التي تتأثر بالتكنولوجيا الجديدة، والقانون التنظيمي الصارم الذي يفرض التغيير.
القلق الأكبر هو أن انخفاض السيولة سيغذي تحركات العملات الأجنبية بشكل غير متوقع أكثر من قبل ويزعزع استقرار السوق. وفقا لستيفن بارو، استراتيجي العملات في مجموعة الدول 10 في “ستاندرد بنك” فإن “التقلبات والتموجات السريعة محمولة على ردود الفعل النشطة، ربما تحركات ليست مذهلة جدا يمكنها أن تدفع العملات بعيدا عن الأساسيات”.
ويخشى كثيرون من أن هذا هو ما يحدث. ماثيو كوبون، وهو مدير صندوق في ثريدنيدل لإدارة الأصول، ترك مكتبه في وقت متأخر يوم 18 آذار (مارس) عندما كان اليورو يساوي 1.08 دولار.
في نهاية رحلته لمنزله التي تستغرق 15 دقيقة، كان اليورو قد قفز إلى 1.10 دولار. وقد حدث ذلك في الساعات التي أعقبت إشارة رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جانيت ييلين إلى نهج حمائمي كان متوقعا في السياسة النقدية.
إلا أنه كما يقول كوبون “كان هناك تداول قليل حول ارتفاع وصل إلى 1.10 دولار”، ولكن في اليوم التالي، كانت القفزة قد هبطت.
نظام التسويات الخاضعة للتنظيم CLS الأمريكية، ومقره لندن، الذي يستخدمه كثيرون من سوق النقد الأجنبى، سجل هبوطا بنسبة 16.5 في المائة في شباط (فبراير) الماضي، في متوسط حجم التداول اليومي مقارنة بشهر كانون الثاني (يناير) الماضي – على الرغم من أن ذلك الشهر شهد تقلبا شديدا نجم عن قرار البنك الوطني السويسري الذي تخلى فيه عن ربط الفرنك السويسري باليورو.
جنبا إلى جنب مع اتساع الفروق في أسعار العرض والطلب بين التداولات، هذا يدفع كوبون ليخلص إلى أن السيولة في النقد الأجنبى تعتبر “متقلصة إلى حد كبير”.
جلين ستيفنز، الرئيس التنفيذي لشركة جاين كابيتال، وهي منصة تداول العملات الأجنبية عبر الإنترنت، يقول “إن هذه التحركات لا تعتبر شيئا غير عادي بالنسبة للمتداولين منذ فترة طويلة”. ويضيف “تداولات العملات تدخل وتخرج من صرعات الموضة”.
ومع ذلك، مثل الآخرين، يعترف بأن هناك تحولات زلزالية محتملة تحت الصرح الذي تم بناء السوق ككل عليه. تهيمن على السوق التي تبلغ قيمتها بشكل تقديري 5.3 تريليون دولار المصارف الاستثمارية الكبيرة التي تتداول بالقدر الأكبر من الصفقات الخاصة بين عملاء كبار وأنفسهم.
كانت سلسلة من السوق المصرفية والإصلاحات، كما هو وارد في قواعد بازل الثالث وقاعدة فولكر الأمريكية، قد قللت من قدرة المصارف على تحمل مخاطر التداول في الميزانيات العمومية الخاصة بها. وقد انخفضت جملة الميزانيات العمومية المصرفية التي تدعم الأسواق المتداولة بنسبة 40 في المائة بالقيمة المرجحة بالمخاطر منذ عام 2010، وفقا لتقرير صدر أخيرا عن مصرفي أوليفر وايمان ومورجان ستانلي.
تكاليف التكنولوجيا هي أيضا في تزايد مستمر في السوق التي تشكل فيها التداولات الإلكترونية 80 في المائة من حجمها. ونتيجة لذلك تتصرف بعض المصارف بطرق تجعلها أقرب إلى كونها وكيلا عن العملاء، حيث إن كل ما نفعله هو تنفيذ الصفقات في السوق على الفور، في حين يتعرض البعض الآخر فقط لفقدان حصته في السوق.
ديفيد بافيت، الذي يرأس قسم تداول العملات الأجنبية في الأسواق الناشئة في بنك HSBC، يقول “لدى المصارف إقبال أقل على المخاطرة – العملاء أقل استعدادا لتحمل المخاطر. التوازن يتحول نحو مزيد من العملاء الراغبين في إفراغ المخاطر، ما يجعل التعاملات أكثر صعوبة”.
وفي الوقت نفسه، تواجه السوق تدقيقا غير مسبوق في أعمالها التي أعقبت مزاعم التلاعب في المؤشرات المرجعية الرئيسية في الصناعة، من قبل عديد من المصارف الاستثمارية الكبيرة. ولا تزال التحقيقات تتواصل.
قد يعمل ذلك أيضا على التأثير في سلوك العملاء. مسح سنوي أجري الشهر الماضي لأكثر من 2600 مشارك في السوق من قبل جرينتش أسوشييتس، شركة استشارات أمريكية لأسواق رأس المال، توصّل إلى أن المؤسسات والشركات المالية كانت توسع حصتها من التعامل بالعملات الأجنبية من خلال عدد أكبر من المتداولين. قال التقرير “إن فضيحة العملات الأجنبية قد جعلت أيضا بعض الشركات أكثر ترددا في تزويد العملاء بلون السوق، خوفا من مخالفة الأجهزة المنظمة، وبالتالي التقليل من بعض القيمة التي استمدها العملاء من التفاعل مع المتعاملين الرئيسيين على الهاتف”. ويرى كثير من الناس أماكن يقوم فيها المتعاملون بضخ أسعارهم داخلها – ما يسمى بـ “منصات متعددة المتداولين” – كحل لهذه المشكلة. المنصات مثل EBS وطومسون رويترز وهوتسبوت ليست مملوكة من قبل المصارف، بل من قبل مقدمي سوق البنية التحتية مثل البورصات. ويجادل أنصار هذه المنصات بأن تزويد المشاركين بسوق لديها عدد أكبر من الأطراف المقابلة من شأنه أن يعوض أي تراجع في النشاط من المصارف. ويقول آخرون “إن المشكلة تعزى بشكل أقل إلى آليات السوق وتعود بصورة أكبر إلى الإجراءات – أو عدم وجودها – من المصارف المركزية”. ويقول روجر هالام، كبير مسؤولي الاستثمار للعملات العالمية في “جيه بي مورجان لإدارة الأصول”، “من حيث الاتجاه الهيكلي، (نقص السيولة) يجعل الفارق ضئيلا”. مع ذلك فإنه يتوقع المعدل الذي ستتكشف فيه الاتجاهات سيتسارع. وبالنسبة لآخرين، فإن التحركات الحالية هي مزيج من تحركات المصارف المركزية الثابتة، وعالم إلكتروني مُغْفل بصورة أكبر.