حنان حمدان
وافق مجلس الوزراء، أمس، على طلب وزارة الداخلية عقد إتفاق رضائي مع المطبعة الوطنية الفرنسية لطباعة جوازات السفر، وفق ما أعلنه وزير الإعلام رمزي جريج.
ليست المرة الأولى التي تجري فيها طباعة جوازات السفر، من قِبل المطبعة الوطنية الفرنسية، فهي تتولى طباعة جوازات السفر اللبنانية، نظراً لغياب المطابع المحلية التي توفر الشروط الدولية للطباعة، كالشروط الفنية والمواصفات المميزة، لجهة وجود “بار كود” (شرائح ممغنطة) يحتوي على بيانات خصوصية منعاً للتزوير، وذلك وفق معايير موحدة لتسهيل مرور اللبنانيين في مختلف دول العالم، على غرار طباعة العملة الوطنية.
وعليه، فإن غياب المطبعة الوطنية حتّم تسليم مطابع في الخارج مهمة طباعة هذه الجوازات، ولا سيما أن لبنان لا يملك التكنولوجيا الطباعية، ولتفادي وقوع الخطأ في ما له علاقة بالأمن الوطني والمصداقية الدولية، ولكي لا تفتح الأبواب أمام المتاجرة في هذا الموضوع. ومن المعروف أن صفقات الخدمات الفنية، ذات الطابع الفني المعقد، تحتاج إلى خبرة فنية تتجاوز إمكانات الإدارة اللبنانية، فيتم تأمين هذه الخدمات بالإتفاق مع جهات خارجية بعد موافقة مجلس الوزراء.
لا عجب في أن تجري الإتفاقات وفق الآلية المتبعة اليوم، وعليه تقدمت وزارة الداخلية بطلب عقد إتفاق رضائي مع المطبعة الفرنسية، بعد أن تقدر المديرية العان للأمن العام حاجتها من الجوازات. ولكن التساؤلات هنا، تطرح سبب حصرية الطباعة عبر المطبعة الفرنسية، فلماذا لا يتم تلزيم الطباعة عبر إجراء مناقصات، تفتع باب المنافسة أمام العروض الأفضل من حيث الجودة والأسعار؟
طبعاً لا أحد يشكك بجودة واهمية المعايير المتبعة من قبل الشركة الفرنسية، ولكن لا يغيب عن بال الجميع أن رائحة العمولات تفوح دائماً من عقود الإتفاقات الرضائية، ولا سيما أنّ مصادر إعلامية ذكرت أن العقد الرضائي لطباعة جوازات السفر، يشمل طباعة 880 ألف جواز من النوع المعتمد حالياً، ما يعني أن النوع القديم ما زال على حاله!، فما الداعي إذاً لمثل هذه الجوازات، إذا لم يتغير فيها شيء؟ علماً بأنه سيتم إعتماد الجوازات من نوع الـ “Biometry” (بيوميتري) بعد 18 شهراً، فهل هناك حاجة إلى كل هذه الكمية في فترة إنتقالية قصيرة؟
ثم إن كلفة طباعة هذا العدد من الجوازات تبلغ 4 مليارات و35 مليون ليرة لبنانية، ما يطرح التساؤلات مرة أخرى، حول الأعداد الهائلة المطلوبة من قبل الوزارة، وهل سيتم إستهلاكها جميعها في فترة سنة ونصف إلى حين يتمّ إعتماد “البيوميتري”؟ ولا سيما أن إمكانية تجديد الجوازات واردة في جميع الحالات، وإمكانية الطباعة أيضاً واردة. فهل يصعب إعادة الطباعة في حال نفدت الكمية الموجودة؟، وهل هناك إمكانية لإعادة الفائض في شروط العقد؟ طبعاً لا، إذاً وباختصار يجري هدر المال العام، خصوصاً أن مصادر مطلعة في وزارة الداخلية تشير إلى أن 100 ألف جواز تعتبر كمية كافية لهذه الفترة، ما يُثير الشكوك حول حجم الطلب والكلفة العالية التي ترصدها الوزارة لإجراء هذا العقد.
هذا العقد تمت الموافقة عليه أمس، على رغم موافقة مجلس الوزراء على إقتراح وزير الداخلية السابق، زياد بارود، في عام 2010، لتشكيل لجنة تضم ممثلين عن ديوان المحاسبة ووزارتي الداخلية والمالية وممثل عن الأمن العام، لإنجاز دفتر شروط وفتح باب المناقصة لاستدراج العروض العالمية لطباعة الجوازات. وقد أنجزت اللجنة دفتر الشروط، ولكن حتى اليوم، وبعد مرور خمسة أعوام من تشكيلها لم تقم اللجنة بإجراء أي مناقصات، لا بل على العكس، فقد وافق مجلس الوزراء أمس على تمرير صفقة بعقد رضائي بين الطرفين اللبناني والفرنسي.
بالعودة إلى جوازات السفر من نوع الـ “بيوميتري”، فهذه الجوازات تتميز عن الجوازات الموجودة حالياً بمعايير الأمان المرتفعة وتحتوي على بصمة العين واليد في آن، وفق الإجراءات الدولية المستحدثة. كما تبلغ كلفة الجواز الواحد من هذه الفئة، وفق مصادر في وزارة الداخلية 7 يورو، في حين يتقاضى الأمن العام 300 ألف ليرة مقابل إجراء جواز سفر عادي.
لا شك في أن تلزيم طباعة جوازات السفر، على قدر من الأهمية، نظراً لضرورة خضوعه لشروط ومعايير السلامة الدولية، وضرورة مطابقته لتلك المعايير خوفاً من مساس سمعة لبنان في هذا الشأن، وهذا ما يتفق عليه الجميع. وقد يبرر البعض إجراء العقد الرضائي، بسبب قيام الجهة نفسها بالطباعة سابقاً، ولكن هل هذا يعني أن فرنسا حصراً أصبحت متخصصة في هذا المجال؟ وماذا عن الكلفة المرتفعة للطباعة وإصدار هذه الكمية، في فترة إنتقالية قبل إعتماد “البيوميتري”؟