IMLebanon

الحرب العالمية «الثالثة» لم تعد عسكرية بل اقتصادية بامتياز

iranoil

إيران بعد الاتفاق النووي… بين رفع العقوبات واستقرار المنطقة

واشنطن – الأناضول: رغم الاتفاق المبدئي بنهاية مارس / آذار الماضي بين ايران والدول الست الكبرى، والذي شمل المبادئ الرئيسية للبرنامج النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، والاستعداد للتوقيع على اتفاق نهائي يشمل التفاصيل ومراحل التنفيذ قبل نهاية يونيو/ حزيران المقبل، فهو يبرز مشكله معقدة عن حاله عدم اليقين وفقدان الثقة بين الجانبين ومخاوفهما من المماطلة في التنفيذ وانتهاك نصوص البنود التي تم الاتفاق عليها.

الورقة الاقتصادية

مع الأخذ في الاعتبار التركيز على المكاسب والخسائر الاستراتيجية المحتملة للاتفاق النووي في حال توقيعه في يونيو، يبدو أن الجانب الاقتصادي هو الورقة الرابحة التي دفعت الولايات المتحدة إلى وضع ثقلها لإنجاز هذا الاتفاق ودفعت ايران إلى «التضحية» بالإنجاز النووي.
واذا كانت المكاسب الاستراتيجية للطرفين المتفاوضين ليست واضحة تماماً على أساس أن البعض يعتبر أن الاتفاق يتضمن تفاهمات سريه غير معلنه على النفوذ، فإن المكاسب الاقتصادية واضحة تقريباً وهي مغريه وفق المعايير.
ولوحظ أن النظام الإيراني لم يتوان طوال عدة سنوات ماضيه ولا يزال عن التفاخر بتراجع تأثير العقوبات على الايرانيين وصمودهم مدعياً أنها تحثهم على التحدي والإبداع للتغلب عليها وتوفير كل احتياجاتهم ذاتياً. وفعلا فقد تم تحقيق قفزات تكنولوجية كبيرة تجلت أبرز ملاحمها في تطوير برنامجهم النووي فضلاً عن تصنيع أسلحة جديدة ومتطورة من طائرات إلى غواصات وصواريخ متوسطة وطويلة المدى، حتى إن مناوراتها العسكرية المتتالية لم تتوقف. وهي بمثابة رسائل سياسية توجهها إلى الأعداء وتؤكد خلالها صدقية استراتيجيتها الردعية وجاهزيتها العسكرية للتصدي لأي تهديد محتمل.
لكن النظام الإيراني انزلق إلى ارهاق كاهل اقتصاده بسياسات استعراضيه مستفزه لجهة تقديمات ماليه وعسكرية لدول وجماعات وحكومات وأحزاب سياسية وتنظيمات مسلحه ومليشيات شبه عسكرية في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وتركيا وافغانستان وذلك لخدمة استراتيجيتها في توسيع نفوذها في المنطقة.
وفي المقابل لم يتوان الكونغرس الأمريكي والدول الغربية في مطالبة مجلس الأمن والمجتمع الدوليين بفرض مزيد من العقوبات على ايران ووضع آلية صارمة لمراقبه تطبيق تلك العقوبات بكل دقة وحزم. وهذا في وقت بدأت فيه وسائل إيران للتحايل على العقوبات في الانسداد تدريجياً لاعتبارات عدة أهمها اجراءات تشديدها وضمان تنفيذها إضافة إلى اضطراب البيئة الإقليمية المحيطة بطهران على خلفية الثورات العربية والحرب على «داعش».
ومع نجاح العقوبات في تحقيق هدفها أثبتت الولايات المتحدة ومعها المجتمع الدولي أن الحرب العالمية الثالثة لم تعد من طبيعة عسكرية بل اقتصادية بامتياز. فقد دفعت العقوبات ايران مرغمة إلى التسليم بشروط المجتمع الدولي ومعاييره النووية لأنه خلاف ذلك كان من شأنه أن يهدد النظام الإيراني برمته.
ولا شك في أن تأثير العقوبات على الاقتصاد الايراني قد تعاظم بعدما طالت قطاع الطاقة الذي يمثل عموده الفقري أثر صدور القرار الأممي رقم 1929 في يونيو ،2012 ثم توقيع الرئيس الاميركي قانوناً يقضي بتشديد العقوبات على القطاع المالي الايراني من خلال تجميد أرصدة أي مؤسسة مالية أجنبية تقوم بتبادل تجاري مع المصرف المركزي الايراني.
وهذا إضافة إلى تجميد الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة وبذلك حرمت من عائدات ماليه تقدر بـ 100 مليار دولار وبما يمثل نسبة 80 في المئة من العملة الصعبة التي كانت تحصل عليها خامس أكبر دولة مصدرة للنفط على مستوى العالم. ثم اضف صفقات عدة في مجال الطاقة بين ايران ودول أخرى بما قيمته 60 مليار دولار بعدما حالت العقوبات دون تنفيذها خصوصاً مشروع «باريس» مع باكستان والهند.

أثر رفع العقوبات

تتطلع إيران إلى أن يؤدي رفع العقوبات إلى الافراج فوراً عن 100 مليار دولار قيمة عائدات نفطيه عالقة في الخارج. ولكن هل سيتم ذلك فوراً بعد توقيع الاتفاق النهائي المرتقب في نهاية يونيو المقبل؟
الجواب يلفه غموض كبير. ففي حين يؤكد وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف أن العقوبات سترفع كلياً فور تنفيذ الاتفاق، بقول الرئيس اوباما ان ذلك سيحصل «بعد التأكد من تنفيذ ايران التزاماتها على أن تفرض مجدداً في حال لم تطبق الالتزامات المطلوبة منها».
وستقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة الخطوات التنفيذية والتي قد تمتد من سنة إلى 15 سنة أو أكثر، وهو وقت طويل ترفضه إيران. وفي حال توصلت الوكالة إلى قرار بعدم الامتثال الإيراني، تعين عليها رفع الشكاوى إلى مجلس الأمن للفصل فيها. وفي الوقت نفسه يتعين على الولايات المتحدة محاولة إقناع الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية بأنه قد جرى انتهاك للاتفاق المبرم. ويتحتم بذلك اتخاذ الاجراءات الفعالة ضد ايران وقد يضيع الوقت في الجدال والنقاش حول مختلف وجهات النظر المتباينة مع انتظار كثير من النتائج المحتملة.

القدرة المالية

كشف تقرير لمعهد التمويل الدولي أن الناتج المحلي الايراني قد انخفض من 514 مليار دولار في السنة المالية 2011 – 2012 إلى 342 مليار دولار في السنة المالية 2013 ـ 2014. وهذا يعني خسائر بلغت 57 مليار دولار.
وقد سجل في السنة المالية 2014 – 2015 تراجع كبير بسبب العقوبات وتراجع أسعار النفط من 115 دولاراً للبرميل إلى أقل من 55 دولار مع انتاج ضئيل للتصدير لا يزيد عن 1.2 مليون برميل يومياً.
وعندما وضعت إيران موازنتها للسنة المالية 2015 – 2016 اعتمدت سعراً لبرميل النفط في حدود 72 دولارا. لكنها اضطرت مؤخرا إلى خفضه إلى 42 دولارا. واللافت للنظر في الأمر زيادة مخصصات الحرس الثوري الذي يحمي النظام من الداخل ويشكل رأس حربه في الخارج.
وينص مشروع الموازنة على زيادة الانفاق العسكري بنسبة 33 في المئة إلى عشرة مليارات دولار رغم أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير. فهناك مبالغ لا تظهر في أبواب الموازنة بل تبقى محفوظه في أدراج مكتب المرشد الاعلى آية الله على خامنئي فقط. ولم يظهر في كل المؤشرات المالية أي تراجع عن تسليح الحركات الموالية لإيران في الشرق الأوسط. ويعود الإصرار الإيراني على مواصلة تقديم الدعم إلى أسباب عدة أهمها:
1 ـ تنظر إيران إلى التكلفة البشرية والاقتصادية لوجودها العسكري الخارجي بوصفه ضرورة لا بد منها لضمان امنها القومي .
2 – تراهن إيران على هذا الوجود كخطوة في سبيل تغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة والتأثير على ميزان القوى بما يصب في صالح دورها الاقليمي وتحسين وضعها التفاوضي مع الغرب.
وحسب رأي المسؤولين الأميركيين فإن الاتفاق النووي ينص على ان العقوبات لن ترفع حتى يتم التأكد من التزام ايران بتنفيذ البنود المتعلقة بالجانب النووي وهو أمر يتطلب على الأقل ستة أشهر بعد موعد تنفيذ الاتفاق ما يعني أن العقوبات قد تستمر إلى آواخر العام الحالي أو مطلع العام المقبل. وبالتالي فان الاقتصاد الإيراني سيستمر في أزمته المالية.

الصادرات الإيرانية

تراهن الأسواق النفطية العالمية على زيادة الصادرات الايرانية بين 200 ألف و600 ألف برميل يومياً في غضون ستة أشهر من بدء تخفيف العقوبات. لكن التعافي التام للإنتاج مستبعد قبل النصف الثاني من العام 2016 بسبب الحاجة إلى ضخ استثمارات جديدة لتحديث الحقول.
وعلى الرغم من استعداد بعض المشترين لزيادة مشترياتهم قبل توقيع الاتفاق النهائي في يونيو/حزيران المقبل رهاناً منهم على استبعاد معاقبة واشنطن والدول الأوروبية لهم بسبب انتهاك عقوبات على طريق الالغاء، فان الولايات المتحدة تستبعد أن تتحقق بسرعة اتفاقات كبرى في مجال الطاقة والطيران والتكنولوجيا والسيارات بين شركات أمريكية وإيران.
والسبب في هذا هو ان رفع العقوبات يحتاج موافقة الكونغرس، ولهذا فربما تسبق الشركات الاوروبية نظيرتها الأميركية إلى عقد الصفقات مع ايران بعدما تتجاوز حالة عدم اليقين حيال الممارسة الإيرانية.

مخاوف باقية

تبقى الإشارة إلى أن معهد التمويل الدولي يستبعد أن يستعيد الاقتصاد الايراني عافيته قبل منتصف عام 2017 أي بعد مرور سنتين على توقيع الاتفاق شرط أن يستمر تنفيذه بثقة متبادلة بين إيران والدول الست الكبرى ومن دون انتهاكات للبنود المتفق عليها.
ومع استمرار المخاوف من أن تستخدم إيران رفع العقوبات في تعزيز قدرات ميليشياتها المنتشرة في بلدان عربية فلا بد من الإشارة إلى الفارق الكبير بين مرحلة ما قبل التوقيع على الاتفاق النووي وبعده. ففي المرحلة الأولى كانت إيران تسعى لمد نفوذها بأدواتها الذاتية من أجل تحسين شروط مواجهتها وتعزيز أوراقها. أما في مرحلة ما بعد التوقيع فهي ستسعى لانتزاع إقرار بدورها ونفوذها من المجتمع الدولي وخصوصاً من الولايات المتحدة وليس بواسطة قوتها الذاتية.