في خطوة تاريخية، توصلت القوى العالمية وإيران الى اتفاق مبدئي في شأن برنامج طهران النووي لتنهي خلافًا دام طوال عقد من الزمن، ما يعتبر خطوة اولى نحو بدء رفع العقوبات الغربية المفروضة على الجمهورية الاسلامية وإعادة طهران الى الساحتين السياسية والاقتصادية العالمية.
لحظة إعلان بنود الاتفاق، انتظرها آلاف المستثمرين الايرانيين والدوليين ممن عانوا لسنوات من تداعيات العقوبات. وفي هذا السياق، يعتبر الخبير الاقتصادي غازي وزني ان التفاهم تاريخي وله بعد استراتيجي، تتوقف مفاعيله الاقتصادية على مدى مساهمته في تعزيز الاستقرار وبناء الثقة وتوثيق العلاقات بين دول المنطقة. ويقول: “تأتي المفاعيل الاقتصادية تدريجيا عبر رفع الحظر عن الصادرات النفطية الايرانية، وتحرير اموالها المجمدة في المصارف الغربية البالغة 120 مليار دولار، وعبر الاتاحة لها باستعمال النظام المصرفي العالمي والاجازة للشركات العالمية العودة للاستثمار، فيما تأتي المفاعيل الاستراتيجية عبر انفتاح العالم على ايران وتعزيز نفوذها اقليميا”.
قد تكون العقوبات على ايران فشلت في الحدّ من نفوذها في المنطقة، وتحديدا في سوريا والعراق ولبنان واليمن وقطاع غزّة ، ولكنها تمكنت حتما من إيصال العديد من قطاعاتها الاقتصادية الى حافة الهاوية، بعد عزل البلاد عن النظام المصرفي العالمي وتقليص تجارتها الخارجية، وممارسة كل انواع الحصار الاقتصادي الممكن على هذا البلد الذي يقدر حجم اقتصاده بحوالى 370 مليار دولار. وبحسب محسن رضائي، سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام، العقوبات على إيران حرمتها من 100مليار دولار من عائدات النفط في الاعوام الثلاثة الماضية. اما ديفيد كوهن مساعد وزير الخزانة الاميركية المكلف مكافحة الارهاب فكشف ان الجمهورية الاسلامية خسرت ما بين 3 و5 مليارات دولار شهريا بسبب العقوبات.
وفي هذا السياق، يشير وزني الى ان العقوبات ادت الى إنكماش الاقتصاد الايراني بين عامي 2012 و2013 بحوالى 8,5%ليعود ويسجل نموا خجولا عند 1,5% عام 2014، كما تراجعت الصادرات النفطية بـ60%، من2,6 مليوني برميل يوميا في 2011 الى 1,21مليون برميل في 2014، متسّببة في تراجع المداخيل السنوية من 100مليار دولار الى أقل من 30 مليارا. وتزامن هذا الامر مع انخفاض الانتاج النفطي من 4 ملايين برميل يوميا عام 2011 الى 2,5 مليوني برميل عام 2014، ما أجبر طهران على تخزين ملايين البراميل النفطية غير المباعة.
العقوبات وإن رفعت!
أدت العقوبات الى خسارة استثمارات ضخمة في البلاد بسبب انسحاب الشركات العالمية وخصوصا النفطية منها، اذ خسرت في 2011 استثمارات في قطاع التكنولوجيا النفطية الجديدة وحده بحوالى 60 مليار دولار، كما تقلصت الاحتياطات بالعملات الاجنبية الى 200 مليار دولار، بالاضافة الى هبوط سعر صرف الريال الايراني باكثر من 56%خلال فترة 2012 – 2014 لتصل قيمته الى37 ألف ريال للدولار مع نسبة تضخم لامست 45% وبطالة قرب 20%.
ومع رفع العقوبات تدريجيا، يتوقع وزني عودة الصادرات النفطية الايرانية من 1,21 مليون برميل يوميا الى حوالى 3,6 ملايين برميل، ما ينعكس ايجابا على إيرادات الدولة التي يمثل القطاع النفطي حوالى 70% من إجمالي مداخيلها. ومن المفاعيل الايجابية المنتظرة من الاتفاق دفع معدلات النمو من حوالى2.5% الى قرب 6%، ليرتفع الى ما بين 7%و8% خلال سنة ونصف السنة بعد توقيع الاتفاق النهائي، وإعادة نسب التضخم الى ما دون 15% والبطالة الى مستويات دون 13%، وزيادة متوقعة للحركة الاستثمارية الاجنبية المباشرة بما قيمته 3,6 مليارات دولار سنويا، وتحديدا الى القطاع النفطي الذي يحتاج الى استثمارات بحوالى 130 مليار دولار حتى 2020.
ومع بدء تنفيذ بنود الاتفاق التاريخي، من المنتظر ان تلغي وزارة الخزانة الاميركية قرارها السابق بوصف إيران أنها منطقة لغسل الاموال ووضعها تحت الفصل 311 من “قانون باتريوت”. ومع إلغاء هذا التوصيف، ستعيد المصارف الاجنبية علاقاتها المالية مع الجمهورية الإسلامية وصولا الى إعادة إنضمام البلاد الى شبكة المدفوعات العالمية “SWIFT” التي حرمت منها منذ عام 2012، ما سيساهم في إعادة إطلاق القطاعات التجارية والخدماتية والاستثمارية، وسيحفز الاقتصاد حكما.
التداعيات الاقتصادية على لبنان
للاتفاق النووي إنعكاسات إقتصادية على لبنان. فالتفاهم يعيد الجمهورية الاسلامية الى سوق النفط عالميا، ما سيرفع حكما حجم المعروض العالمي من الذهب الاسود، ومن هنا إفادة لبنان. فالمعروض الاضافي المترافق مع ضعف في الطلب يؤدي الى مزيد من التراجع في سعر البرميل، ما يخفض حكما فاتورة استيراد لبنان للمشتقات النفطية ويقلّص عجز مؤسسة الكهرباء ويتسبب في تراجع اسعار المشتقات النفطية، بحسب وزني. ويضيف: “القرار السياسي يعوق تطور العلاقات الاقتصادية الثنائية كما العقوبات التي شكلت بدورها معوقا من النواحي الاقتصادية. لذا، يفترض في المرحلة المقبلة تجاوز المعوقات إذا كان لبنان فعلاً يريد الإفادة من السوق الإيرانية، لأن إيران ستشهد في السنوات المقبلة تطورات اقتصادية ومالية مهمة، والمهم في الموضوع، أن يعدّ لبنان العدة ويجهّز نفسه لولوج السوق الإيرانية، رغم أن فرص الإفادة منها لن تتوافر بين ليلة وضحاها، إنما تباعاً في خلال السنوات المقبلة”.
علماً ان إفادة لبنان قد تكون عبر قبوله العرض الايراني الخاص ببناء معامل لانتاج الطاقة بسعة 1000 ميغاواط بشروط ميسرة، وإمكان رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي لا يتخطى 70مليون دولار سنويا، وتعزيز محتمل للعلاقات المصرفية والمالية المجمدة بحكم العقوبات. وللإشارة، تتمتع إيران بقوانين إستثمارية جذابة، اذ تسمح للمستثمر الأجنبي بالتملك 100% لأي مشروع أراد الإستثمار فيه. وفي سياق متصل، يعتبر المراقبون أن توقيع الاتفاق النهائي بين إيران والغرب قد يفتح الباب أمام تسوية سياسية – أمنية شاملة للمنطقة تشمل لبنان قد تساهم في حلحلة أزمة الفراغ في سدة الرئاسة ما سينعكس إيجابا على الحركة الاقتصادية الداخلية، ويعيد ثقة المستثمرين الاجانب والمؤسسات الدولية بلبنان ويساهم في إعادة تنشيط كل القطاعات.