IMLebanon

مصطفى ناصر يسقط مع “حزب الله” في المحكمة!

moustafa-naser

 

كتب فارس خشان في “المستقبل”

 

لم يسجل ممثل الادعاء العام غرايم كامرون هدوءا في مرحلة الإستجواب المضاد، منذ بدأت المحاكمة الغيابية لخمسة متهمين من «حزب الله» أمام غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان، كالهدوء الذي سجله خلال استماعه الى هذا التناغم الكبير بين فرق الدفاع وبين شاهده مصطفى ناصر.

ويعكس هذا الهدوء إدراك كامرون أن المكاسب الكبيرة التي حققها من إفادة مصطفى ناصر لا تتأثر بتفسيرات شخصية لكلام منسوب الى الرئيس الشهيد في سياق ما اعتبره أكثر من شاهد ثبُتت ملازمته للحريري، محاولة «لبننة» حزب الله.

وباتت غرفة الدرجة الأولى على معرفة تامة بالأسلوب التفسيري «الرغبوي»، الذي يعتمده ناصر للأحداث، فهو على سبيل المثال لا الحصر، ادعى زورا- وتحت القسم- أنه لا يزال مستشارا للرئيس سعد الحريري، إنطلاقا من أنه لم يتبلغ من الحريري نفسه وبأذنيه خبر فصله، كما اضطر الرئيس الشهيد أن يقاطعه ويرفض قوله للمعاون حسين خليل أنه يوافق على «الودائع السورية» في لوائحه إنطلاقا من تفسيره «الرغبوي» لإبلاغ الحريري الخليل بأنه يوافق على مرشح «حزب الله« محمد برجاوي وآخر أرميني على لائحته الإنتخابية.

أكثر من ذلك، فإنه في الإستجواب المضاد، وعلى الرغم من محاولة مصطفى ناصر نسف إفادة الرئيس فؤاد السنيورة التي نقلها عن الرئيس الشهيد لجهة اكتشاف محاولات إغتيال عدة قام بها «حزب الله» ضده، سقط أمام أسئلة رئيس الغرفة دايفيد راي والعضو فيها وليد العاكوم، في فخ الإقرار غير المباشر بأن الرئيس رفيق الحريري، لم يكن يأتمنه على أسراره، بل كان يكلفه حصرا بالصلة مع «حزب الله»، فعلى سبيل المثال أقر ناصر بأن الحريري لم يبلّغه تهديد الرئيس السوري بشار الأسد له إن لم يتم التمديد لأميل لحود، كما لم يعرف شيئا عن معلومات محلية وتحذيرات دولية وردت للحريري عن خطط تجري لاغتياله، ليعود فيبرر امتناع الحريري عن إخباره بذلك على أساس» لماذا يُخبرني بأمور أمنية، بماذا أفيد أنا؟»

وسقوط مصطفى ناصر هنا، أحبط محاولة التعرض لصدقية إفادة السنيورة التي استهدفها هجوم عنيف من «حزب الله». ناصر حاول أن يعتمد على الإيحاء التحليلي، بالإشارة الى أنه لو كان الحريري خائفا من «حزب الله» لما سلّمه أمنه، وهو ينتقل من قريطم الى مقر لقاءاته مع نصر الله، ولكن رئيس الغرفة ألمح إلى أنّه لم يكن لدى الحريري أي خيار آخر، لأن مقتضيات أمن نصرالله تفرض عليه ذلك، في حين أن محللين جنائيين أفادوا أن الجرائم المعقدة التي تستهدف شخصيات مثل رفيق الحريري، لا تتم مطلقا في ميدان معروفة الأيادي الفاعلة فيه.

وهذا الموضوع، متروك لما حصده الادعاء العام من صدقية لأدلة «داتا« الاتصالات، من خلال إفادة ناصر، فمراقبة تنقلات الحريري، على سبيل المثال، كانت تتوقف عند ذهابه من قريطم الى مقر لقاءاته مع حسن نصرالله.

على أي حال، كان لافتا لاهتمام المراقبين هذا التناقض الكبير بين إصرار ناصر على وصف العلاقة بين الحريري ونصرالله، بالموثوقة جدا وبين الوقائع.

وفق ناصر فإن علاقة الحريري إستمرت مع نصرالله بوتيرة تصاعدية، منذ العام 1992 حتى اغتياله، وهي كانت مبنية على الثقة والتفاهم وإعجاب نصرالله بقدرات الحريري.

لكن في الوقائع، فإنه في أوّل لقاء بين الحريري ونصرالله بعد صدور القرار 1559، أي بعد كل «سنوات التعاون والثقة»، قال نصرالله للحريري، ما مختصره: «أنت أميركي فاسد، وآت لتحاورنا وفي جيبك القرار 1559 الذي يستهدف سلاح المقاومة«.

وفي تفسيره للفساد، قال ناصر إن «حزب الله» يعتبر الحكومات فاسدة، بفعل طبيعة تركيبتها الطائفية وخلافه، ولذلك هو يرفض أن يكون شريكا في الفساد، في حين يثبت الواقع أن «حزب الله» شارك في الحكومات المكونة بالطريقة نفسها بعد اغتيال الحريري، وهو كان سابقا، يدعم الحكومات التي كانت تشكل بالطريقة نفسها في مواجهة رفيق الحريري.

وفي تفسيره للإستعدادات المعروفة عن الحريري في مساعدة المحتاجين إستشفائيا وعلميا، أخذ استعداد الحريري للوقوف الى جانب إبنة النائب علي عمار الذي كان يهاجمه- وهي كانت مصابة بسرطان أودى بها لاحقا- إلى المستوى السياسي، فلم يعتبر ذلك في سياق المثبوتية العطائية للحريري، بل وضعه في خدمة ما اعتبره العلاقة المتينة التي أصبحت عليها علاقة الحريري و«حزب الله«.

وعلى الرغم من إقدام ناصر على تعداد ما أنجزه الحريري لمصلحة «حزب الله» كمقاومة وما قام به ضد إسرائيل لمصلحة لبنان والعرب منذ مساهمته في إسقاط اتفاق 17 أيار حتى اقتراح خارطة الطريق لإسقاط مفاعيل القرار 1559، فإنه لم يتوقف مطلقا عند العلاقة التي كانت تربط جميع من خوّنوا الحريري وهاجموه وحرضوا عليه بحزب الله.

وعلى الرغم من إدراك ناصر بالإغتيالات التي قام بها «حزب الله» أقلّه ضد مسؤولين يساريين في الجنوب وضد مسؤولين في «حركة أمل»، فإنه وبهدوء قال إن لا اغتيالات موجودة في السجل التاريخي لحزب الله.

ولكن كل هذه الأمور، لا يبدو أن الادعاء العام معني بها، فهدوء ممثله غرايم كامرون يعكس في الواقع إرتياجه لما أراده حصده أساسا من شهادة ناصر، فهو أثبت أن الحريري رفض مسعى لحزب الله من أجل أخذ ودائع سورية في لوائحه، كما أثبت أن الحريري كان يعمل لإقناع نصرالله بالمساهمة معه في ملء الفراغ الذي سيحدثه إصراره على انسحاب الجيش السوري الى البقاع طبقا لاتفاق الطائف، كما إصراره على اكتساح أكثرية برلمانية تعينه على العودة الى رئاسة الحكومة لتنفيذ خارطة طريق متفق عليها للقرار 1559 الذي قرر «حزب الله» محاربته.

هذا الإرتياح الذي يصب في خانة ما أفاد به شهود آخرون في سياق تحديد الدافع السياسي لاغتيال الحريري، يضاف إليه انتصار كبير حققه الادعاء العام من خلال ناصر، فهو استعمل تحركاته في الضاحية الجنوبية وفي مقر الأمانة العامة لحزب الله وفي قريطم، من أجل التأكيد أن داتا الاتصالات التي تتعلق بالمتهمين الخمسة، تنسيقا ومراقبة وتنفيذا وتضليلا، هي أدلة ناطقة، فناصر أثبت ظهوره حيث أظهرته الداتا، والتزامن بين الخطوط أثبت نفسه بتأكيد ناصر تواجده في الضاحية مع الشهيدين يحيى العرب ووسام الحسن.

وعلى هذا الأساس، ففي المسألة الجنائية، تذهب التفسيرات الروائية مع الريح وتبقى الأدلة للحكم.

ناصر يعود لإكمال استجوابه المضاد يوم الأربعاء المقبل في حين يطل الزميل علي حماده يوم الإثنين على منبر الشهود، للكلام عن رسائل كان ينقلها بين مسؤول سوري في دمشق وبين الرئيس الحريري.