عدنان طباجة
قبل نحو تسع سنوات بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان انتظر التاجر عباس صباح أشهراً عديدة من دون أي عمل جراء تدمير محله لبيع الألبسة، على أمل أن تدفع الحكومة والهيئة العليا للإغاثة تعويضه عن الخسائر التي لحقت به، ما رتّب عليه التزامات مادية كبيرة، جراء الأعباء والمتطلبات للتجار والبنوك، راجياً أن يتحقق ذلك في أسرع وقت تخفيفاً للديون والفوائد عنه.
على عتبة الذكرى التاسعة للعدوان كثيرون مثل صباح، من أصحاب المكاتب والمحال والمؤسسات التجارية التي دمّرت وتضرّرت في منطقة النبطية، ما زالوا يتساءلون بحسرة ومرارة عن مصير التعويضات المخصصة لهم عن خسائرهم، بعدما بقيت وعود المسؤولين في الحكومات المتعاقبة والهيئة العليا للإغاثة المتعلقة بدفع التعويضات حبراً على ورق.
لم تنفع المتضررين جميع الاعتصامات والاحتجاجات ومناشدات المسؤولين، ما اضطرهم جميعاً لإعادة بناء محالهم ومؤسساتهم وتجهيزها على نفقتهم الخاصة، وبما تيسّر لديهم من أموال وقروض استدانوها من المصارف والبنوك بفوائد كبيرة. وكان رهانهم في ذلك على قبض تعويضاتهم ليتمكنوا من سدادها، وتجاوز الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعانون منها منذ انتهاء العدوان، ويجدّد المتضررون مناشدتهم المسؤولين المعنيين في الدولة والحكومة بالعمل على دفع هذه التعويضات في أسرع وقت، رحمة بأحوالهم ومصالحهم واختصاراً لمعاناتهم.
رئيس «جمعية تجار محافظة النبطية» وسيم بدر الدين يستغرب الأهداف الكامنة وراء استمرار الحكومة والهيئة العليا للإغاثة بالتلكؤ والمماطلة في دفع التعويضات لأصحاب المكاتب والمحال والمؤسسات التجارية، لاسيما وأن مجلس الجنوب قدّم لهما في حينه المستندات المطلوبة والمتعلقة بالملف، مطالباً بالإسراع في دفع هذه التعويضات لحاجة المتضررين لتلك الأموال، للنهوض من كبوتهم التي ألمّت بهم جراء الحرب، كما يطالب المخلصين والحريصين على أبناء الجنوب للاهتمام بالأمر، لأنه من غير المعقول تجميده إلى ما شاء الله.
وكانت الجمعية قد دعت في بيان لها قبل نحو ثلاثة أشهر حكومة المصلحة الوطنية برئاسة الرئيس تمّام سلام، لضرورة الإسراع في إخراج هذا الملف إلى النور وإعطاء كل ذي حق حقه.
ويؤكد التاجر خليل ترحيني أن تمويل إعادة بناء مؤسسته التجارية جاء من خلال الديون والقروض التي حصل عليها من المصارف والبنوك بفوائد عالية، مقابل رهن بعض الأراضي والممتلكات الخاصة، بانتظار الحصول على تعويضه الذي من دونه لن يتمكّن من الوفاء بالتزاماته لمدينيه، بالرغم من مرور تسع سنوات على حرب تموز.
يُذكَر أن عدد المحال والمؤسسات والمكاتب المتضررة جزئياً في النبطية، بحسب مصادر مجلس الجنوب يبلغ نحو 1400، وتبلغ تعويضاتها حوالي 5.5 مليار ليرة، بحسب التسعيرة التي اعتمدت في حينه، والتي فقدت الكثير من قيمتها الشرائية، وباتت بحاجة لإعادة النظر بها بشكل جذري عند تسليمها للمتضررين. بينما يبلغ عدد المحال والمؤسسات والمكاتب المدمّرة كلياً أكثر من 200 وقيمة تعويضاتها ما يقارب 3 مليارات ليرة وفق التخمينات السابقة.
ولا تقلّ معاناة أصحاب المنازل المدمرة بفعل الاحتلال الإسرائيلي بين العامين 1982 و2000، ومن بينهم العشرات من أبناء قرى وبلدات أرنون وكفرتبنيت، كفررمان وعربصاليم في قضاء النبطية، عن أصحاب المحال والمؤسسات والمكاتب التجارية التي دمرت أو تضررت بفعل العدوان الإسرائيلي في تموز العام 2006، بعدما تسلّم البعض منهم الدفعة الأولى من مجلس الجنوب، وقدّرها بعشرة ملايين من أصل ثلاثين مليون ليرة عن كل منزل مدمر في ذلك الحين، على أن تُعطى لهم الدفعتان الثانية والثالثة بعد ذلك بوقت قصير. لكن ذلك لم يتحقق، بالرغم من مرور أربعة عشر عاماً على قرار مجلس النواب الذي اتخذه خلال اجتماعه الشهير في مدينة بنت جبيل سنة 2001، والذي أجاز فيه للحكومة التعويض عن المنازل السكنية والممتلكات المدمّرة والمتضرّرة قبل العام 2000 بهدف إقفال هذا الملف نهائياً، في حين لم يقبض البعض الآخر من هؤلاء أي قرش لا مقدّماً ولا مؤخراً. ذلك علماً أن الكثيرين من المتضررين وقعوا تحت عجز الديون والقروض والفوائد وبيع الأراضي بهدف إعادة بناء منازلهم، مراهنين في ذلك الوقت على إعطائهم الدفعتين الأولى والثانية تباعاً، لكي يتمكّنوا من تسديد ما استدانوه وما اقترضوه من أموال. لكن حساب حقلهم لم يكن مطابقاً لحساب بيدرهم، ما رتّب عليهم أعباءً مادية لا قبل لهم على تحمّلها.
ويوضح مختار بلدة كفررمان علي شكرون أنه بعد العام 2000 قام مجلس الجنوب بدفع مبلغ عشرة ملايين ليرة عن كل منزل مدمّر في الحي الشرقي للبلدة من أصل ثلاثين مليون ليرة، على أمل أن تدفع بقية الأموال بعد مباشرة الأهالي بإعادة البناء، ما اضطر الكثيرين منهم للجوء إلى الاستدانة للإسراع في هذا الأمر، على أمل أن يسدّدوا ديونهم بعد تسليمهم الدفعتين الثانية والثالثة. وذلك لم يحصلوا عليه، ما أوقعهم تحت عجز مادي كبير ومشاكل مع مدينيهم.
ويُلفت شكرون إلى أنه بعد مراجعة رئيس مجلس النواب نبيه برّي ومجلس الجنوب مرات عديدة بهذا الشأن سابقاً، أكدّوا لنا بأن الملفات والشيكات جاهزة، بانتظار قرار مجلس الوزراء إعطاء الميزانية المطلوبة لمجلس الجنوب، لإقفال ملف التعويضات قبل العام 2000، لكن حتى الآن ما زلنا قيد الانتظار.
ويطالب محمد فقيه من كفرتبنيت المسؤولين في الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الجنوب والجهات السياسية المعنية بالتعويض على أصحاب المنازل المدمّرة قبل العام 2000 أسوة بأصحاب المنازل التي دمّرها العدوان الاسرائيلي إبان حرب تموز الأخيرة، ولا يجوز برأيه الانتظار إلى ما لا نهاية لتحقيق هذا الأمر. كما يطالب بتعديل المبالغ التي كانت مقرّرة في ذلك الوقت ومساواتها بالقيمة الحالية للتعويضات، بعدما فقدت الليرة اللبنانية الكثير من قيمتها الشرائية منذ ذلك الحين.
ويوضح مصدر في مجلس الجنوب بأن قيمة التعويضات للمنازل والممتلكات المدمّرة قبل العام 2000، كانت من ضمن الخطط الإصلاحية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة بعد الانسحاب الإسرائيلي، ولم يدفع منها للمجلس قرش واحد، مشيراً إلى أنه بتاريخ 16 آب 2001 أصدر مجلس النواب القانون رقم 362 الذي أجاز للحكومة إعطاء مجلس الجنوب مبلغ 200 مليون دولار لتسديد الالتزامات المطلوبة منه قبل العام 2000، إضافة لمبلغ 300 مليون دولار لصندوق المهجرين. وتلك المبالغ هي من إصدار سندات الخزينة بالعملة الأجنبية، لكن هذا القانون لم ينفّذ لاعتبارات غير معروفة، وإثر مراجعات رئيس مجلس النواب نبيه بري ومجلس الجنوب قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 18 شباط 2002، الإجازة لوزارة المالية إصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبية بحدود 60 مليون دولار لإعطائها للمجلس، من أصل المبلغ المقرّر له أعلاه، لكن هذا القانون لم ينفّذ أيضاً بحجة عدم توفّر الإمكانيات المالية، وبالتالي لم يتمكن مجلس الجنوب من دفع ما تبقى من تعويضات للمنازل والممتلكات المدمّرة والمتضرّرة قبل العام 2000.