تلقت أوساط سياسية رسمية وغير رسمية معلومات عن حركة تقوم بها الديبلوماسية الروسية بقيادة وزير الخارجية سيرغي لافروف حيال الأوضاع في لبنان، في محاولة منها لإيجاد حل للوضع والمساهمة في الخروج من المأزق الدستوري الناجم عن استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية.
هذه الأوساط نقلت المعلومات إلى جهات دينية، وفيها أن ما يهمّ الروس في هذه المرحلة هو ثلاثة أشياء:
أ – محاربة التطرف وخصوصاً التكفيري منه، علماً أن في روسيا اليوم 154 مليون نسمة بينهم 25 مليوناً من الشيشان ومن شعوب ذات طبيعة قاسية تعيش في الجبال، وأن ما يهم كل الشعب الروسي هو العيش في أمان واحتواء أي نزعة تتسم بأي نوع من التطرف ضمن الدولة الروسية.
ب – الحفاظ على الأقليات في الشرق الأوسط من منطلق انساني وثقافي، وإبقاؤهم خارج موضوع المصلحة الخاصة. ويذكر في هذا الإطار أن روسيا هي البلد الذي فتح العدد الأكبر من المدارس في الشرق خلال القرن الثامن عشر، وهو ما أظهر نهضة واضحة للروم الأرثوذكس في مدارس كان بعضها يعلّم العربية والروسية. أضف إلى ذلك أن الشرق الأوسط هو الأقرب إلى الحدود الروسية (نحو 1000 إلى 1500 كيلومتر) ولا يفصلها عنه تحديداً إلا أرمينيا وتركيا.
ج – المصالح الإقتصادية باعتبار أن التفاهم بين روسيا ودول الخليج المنتجة للنفط خصوصاً، أكثر جدوى من التفاهم مع ايران التي بينها وبين روسيا مصالح متضاربة، وتحديدا لجهة مخزون الغاز. أما الموقف من سوريا فهو في نظر هذه الأوساط أخلاقي أكثر منه مصلحيا، ودعمها الرئيس السوري بشار الأسد ينطلق من همها مكافحة الإرهاب قبل أي همّ آخر. وتعتبر الأوساط نفسها نتيجة ادراكها التحرك الديبلوماسي الروسي أن ما يهم هذه الديبلوماسية في المنطقة هو حماية الأقليات، ولذلك هي ترى لبلوغ ذلك، نجاح التجربة اللبنانية في عيش الطوائف معاً والحفاظ على هذا العيش عبر بقاء لبنان ذا هوية حضارية وليس مجرد طوائف متناحرة أو متقاتلة. كذلك ترى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية لأن لا دولة تُدار من دون رئيس، ولا دولة قوية من دون رئيس قوي يجمع ولا يزيد الإنقسامات.
وتعتقد الأوساط نفسها أن روسيا ترى ضرورة الإتيان برئيس قوي ويمثّل، يتوافق عليه الفريقان الكبيران 8 و14 آذار إن لم يتم التوصل إلى توافق على واحد منهما. ومن هذا المنطلق يعطي الروس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بخاصة دورا كبيرا، خصوصاً، والرؤساء الروحيين من كل الطوائف عموماً، للوصول إلى رئيس يتحلّق حوله الجميع، باعتبارهم “الأكثر جمعاً للبنانيين والأقل تطرفاً”في رأي الديبلوماسية الروسية نفسها.
وهذه المعلومات نقلتها الأوساط عينها إلى مرجعيات رسمية وسياسية ودينية مع شرح واف للموقف الروسي من كل التطورات في المنطقة ولا سيما في الدول التي تحتضن أقليات دينية وإتنية، وقد يكون التحرك الذي حصل أخيراً من رؤساء الكنائس خصوصاً في اتجاه روسيا، هو نتيجة الإطمئنان الذي شعرت به الكنيسة، والآمال التي باتت تعلقها على التحرك الديبلوماسي الروسي الناشط في كل اتجاه سواء في المحافل الدولية أو في الداخل اللبناني عبر السفير الكسندر زاسبيكين.
وتأمل الأوساط نفسها في أن تثمر المساعي الروسية مع المساعي الأميركية والأوروبية وفي مقدمها الفرنسية ـ وخصوصاً مع اقتراب موعد زيارة البطريرك الراعي لفرنسا ولقائه الرئيس فرنسوا هولاند يوم الاثنين 27 نيسان الحالي. وفي ضوء التفاهم الأميركي – الإيراني وعبره العربي – الإيراني، حلاً معيناً يفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية ينقذ الدولة ويرسخ الصيغة اللبنانية ويعطي نموذجاً في العيش المشترك لدول الجوار، وبعض الأمان والأمل للأقليات. أي أقليات في دول المنطقة.