44.5 مليون دولار ليست مبلغا صغيرا في هذه الدولة الفقيرة
تبدو الساحة السياسية التشادية ملبدة بغيوم الفرقة بسبب الجدل الذي تثيره «كلفة الحرب المرتفعة» ضد التنظيم النيجيري الاصولي المسلح «بوكو حرام».
ففي حين تتعالى أصوات من المعارضة ومن المجتمع المدني منددة بارتفاع تكلفة الحرب على خزينة الدولة، تؤكد الحكومة من جانبها على ان مشاكل البلاد المالية عائدة إلى وضع اقتصادي عالمي متأزم وانه ليس للحرب على بوكو حرام يد في المسألة.
وصارت حدة الأصوات المنددة بهذا التدخل العسكري ترتفع ةتيرة، توازيا مع ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية من الجانب التشادي. فقد بلغ عدد الضحايا 100 عسكري قتلوا خلال المعارك الضارية التي واجهوا فيها رجال أبو بكر شيكاو». وهذا فضلا عن الخسائر اللوجستية، حسبما صرح العقيد « آزيم آغون» الناطق باسم قيادة أركان الجيش التشادي.
ومع انقضاء حماسة البدايات وتواصل سقوط الضحايا من الجيش التشادي، بدأت أصوات في البلاد من الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني تتعالى وتطرح تساؤلات بشأن ما تعتبره أموالا مهدورة كان من الأرجح استثمارها في أولويات اقتصادية واجتماعية، بحسب رأيهم. وقد كشف في هذا الصدد ان العمليات العسكرية منذ انطلاقها كلفت الخزينة العامة 18 مليار فرنك إفريقي (44.5 مليون دولار).
من جانبه قال صالح كيب زابو»، زعيم المعارضة التشادية خلال زيارة أداها إلى جنوب البلاد مع نهاية شهر مارس / آذار الماضي: «لقد بدأنا في فهم لعبة الرئيس ديبي. انه يستخدم الجيش الوطني لأغراض شخصية ولصالح حكومته. مصير جنودنا على الأرض لا يعنيه، كل ما يفكر فيه هو صورته السياسية والدبلوماسية وينبغي علينا التحرك لإيقاف ذلك».
ويندد دجيمات كليمون باغاوو، وهو الناطق الرسمي باسم «إطار تركز الأحزاب السياسية والمعارضة الديمقراطية» (تحالف يضم عشرة أحزب معارضة) في هذا المنحى، بما تقوم به الحكومة التشادية قائلا : «يستخدم جنودنا كوقود للحرب ضد تنظيم بوكو حرام. وليس من المفاجئ بتاتا أن يقع طمس الحقيقة بشأن الأرقام الفعلية لضحايا المعارك، لقد حان الوقت للانكباب فعليا على هذه المسألة».
وتؤيد أطياف واسعة من المجتمع المدني هذا الطرح أيضا وتلجأ إلى وسائل الإعلام لتدفع بالمسألة إلى واجهة القضايا. ويقول دينغاكنايال نيلي فيرسينيس، رئيس «المجمع التشادي ضد غلاء المعيشة»: «لقد كان الرأي العام مساندا للتدخل العسكري في البداية، حين قالت الحكومة للمجلس الوطني (البرلمان) ان المجموعة الدولية هي التي ستتكفل بمصاريف الحرب. غير أن الأمور تغيرت بعد أن تأكدنا من أن هذه الحرب تثقل كاهل االتوازنات المالية للبلاد التي صارت تمر بأوقات عصيبة» . ولم يغفل فيرسينيس أيضا الإشارة إلى أن الوعود التي قدمت خلال قمة المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا في يناير / كانون الثاني الماضي في العاصمة الكاميرونية ياوندي – بشأن جمع تبرعات تناهز الـ 50 مليار فرنك إفريقي (125 مليون دولار) من أجل قيادة العمليات العسكرية – ظلت جميعها حبرا على ورق، ما أجج مشاعر الغضب الذي يعتمل في صدور التشاديين.
وفي رد على سيل الانتقادات التي انهالت على الطرف الحكومي من كل جانب، نفى جون برنار باداري، الناطق باسم الحزب الحاكم، (حركة الإنقاذ الوطنية)، الاتهامات الموجهة للحكومة ناعتا إياها بالـ«المجانية» وبأنها «لا تستند إلى أية أسس».
في المقابل، يقر جمال ديرمي هارون، الأمين العام لوزارة التطهير الحكومي والحكم الرشيد، بارتفاع تكلفة الحرب. لكنه يبرر الأمور بقوله ان تشاد «ليست الوحيدة التي تشارك في هذه الحرب. فمشاكل الميزانية التي طفت على السطح لا تعد نتاجا للحرب ضد بوكو حرام وهي ليست سوى إفراز لوضع اقتصادي عالمي معمم. الأمر لا يعدو أن يكون أكثر من صدفة وليس ذلك سوى الثمن الذي يجب دفعه للقضاء على تنظيم مسلح يهدد اقصادنا واقتصاد المنطقة برمتها».
ومنذ عدة أسابيع دخلت كل من الكاميرون والنيجر ونيجريا الحرب ضد التنظيم الاصولي. غير ان المشاركة التشادية بقيت هي الأكبر وزنا. وكانت المؤسسة العسكرية التشادية قد خصصت منذ بداية الحرب على بوكو حرام في يناير/كانون الثاني الماضي قوات قوامها 3500 رجل و600 عربة خفيفة و200 من المدرعات انتشرت جميعها في بحيرة تشاد على الحدود مع نيجيريا و الكاميرون و النيجر بغية قطع الطريق أمام المخططات «الشيطانية» للتنظيم النيجيري المسلح، كما توصف هنا.
وانعكس موقف الحزب الحاكم على موقف الحكومة. غير أن خطاب السلطة بدا عاجزا عن إقناع العقول وتهدئة الخواطر. وليس أدل على ذلك من قيام نقابة المدرسين التشاديين ونقابة العمال في قطاع الصحة والقطاعات الاجتماعية بإرسال إنذار للحكومة بتنظيم إضراب إذا لم يقع دفع الأجور والمنح بشكل كامل.