Site icon IMLebanon

المعلن والمخفي في التجارة الدولية

WORLDTRADE
غسان قلعاوي
في الوقت الذي تحمل بعض التقارير أنباء عن انتعاشات في الاقثصاد الأمريكي وارتفاع سعر الدولار مقابل معظم العملات تلاحظ في تقارير أخرى، وفقاً لبعض الخبراء الذين يرصدون حجم التجارة الدولية، أن نمو التجارة قد تباطأ على نحو لم يكن متوقعاً، بعد أن بدأت التجارة الدولية بالتعافي عام ،2010 وذلك بعد تدن ملحوظ عانت منه في أعقاب أزمة 2007 .
(فقد تراجع حسب تقديراتهم نمو التجارة إلى 3% خلال عامي ،2012 ،2013 بعد أن كان متوسط نموها يتجاوز 7% خلال عقدين قبل ذلك) .
فإلام يمكن أن تعزى انتعاشات بعض اقتصاد العالم في ظل تراجع معدلات نمو التجارة الدولية؟
في البحث عن السبب يرى البعض أن هذا التباطؤ في التجارة العالمية مرده الأزمة التي ألمت بالعالم وآثارها على أوروبا بالذات التي تستأثر بنحو ثلث حجم التجارة الدولية والتي تراجعت وارداتها بنسبة 1 .1%عام ،2012 ولم تحقق عام 2013 إلا زيادة لا تتعدى 3 .0% عن النسبة المتراجعة، وهم إذ ينظرون إلى الأزمة كمظهر من مظاهر الدورة الاقتصادية، فيردون السبب إلى التقلب “الدوري” الذي يصيب اقتصاد العالم من رواج وكساد وانتعاش وركود وما بين هذا وذاك، في دورات اقتصادية لا بد منها، كما هو متعارف عليه في التاريخ الاقتصادي وهو الأمر الذي لا بد من أن يطال التجارة الدولية في عالم مفتوح .
البعض الآخر يرى أن الأمر أعمق من أن يفسر بمجرد الركود أو الانكماش الذي تتناوب دوراته العالم حين يقدمون ما يرونه دلائل على أن سبب التراجع في التجارة الدولية يعود إلى تغيرات بنيوية أو هيكلية تصيب منظومة التجارة الدولية، لذلك يعتقد هذا الفريق أن أسباب التباطؤ التجاري تتجاوز العوامل المتعلقة بالدورة الاقتصادية متضمنة الأزمة، حيث تبدو أنها تتعلق بتغيرات في البنية الاقتصادية أو هياكلها ويستشهدون في ضوء ذلك بأثر الطفرة في تقنية المعلومات والاتصالات في العقدين الأخيرين من القرن الماضي في رفع معدلات نمو التجارة الدولية، وفي المقابل أثر الاتجاهات الحمائية التي اتسعت مؤخراً في نظم أو منظومة التجارة الدولية على النحو الذي لم يعد خافياً ولا يمكن تجاهل أثره في خفض معدل النمو في التجارة الدولية فيما مضى من سنوات الألفية الثالثة وبشكل خاص في الفترة بعد 2010 .
ومع ما يبدو من صدق التحليل الذي يرد سبب تراجع معدل نمو التجارة الدولية إلى العوامل البنيوية في السنوات الخمس الأخيرة، فإنه يهمل عوامل بنيوية مهمة إذ يقر ويعترف بالتوجهات الحمائية ويهمل أو لا يذكر بصراحة اثر تجارة الحروب والسلاح التي تبدو وكأنها السمة الغالبة في اقتصاد العالم حالياً .
فالمعلومة المهمة التي تفتقر إليها التحليلات عن تراجع التجارة الدولية مع انتعاشات في اقتصاد الدول المعنية بتجارة الحروب وسلاحها ولا تطالها شفافية إحصاءاتهم، هي عما إذا كانت تلك الإحصاءات تضم أرقام تجارة السلاح أم لا؟، فإذا كانت تضم حجم العقود الرسمية المعترف بها لتلك التجارة، فهي حتماً لا تتناول السلاح المهرب الذي يبدو أنه الأكثر رواجاً وانسجاماً مع طبيعة الحروب البينية القائمة حالياً في الشرق الأوسط بالذات، بل في ديارنا ديار العرب والمسلمين وتحمل صفة العالمية بكل معالمها وخاصة فيما يتعلق بالاتجار بالأسلحة المهربة في اقتصاد عالمي تتسع فيه دائرة الاقتصاد المخفي أو غير المعلن .
ألا تبدو هذه الحرب والتجارة المسكوت عنها وغير المشمولة بالإحصاءات وبتحليلات الخبراء، مظهراً رئيسياً من مظاهر الخلل البنيوي قد يكون أخطر من مظاهر الخلل التي تشير إليها التحليلات والتقارير المعلنة والتي قد تكون سبباً رئيسياً يفسر الانتعاش الذي اصاب اقتصاد بعض العالم مقابل هلاك بعضه الآخر؟