Site icon IMLebanon

إيران: قنبلة اقتصادية مشعة

IranMilitaryMoney
لويس حبيقة
شغل الموضوع النووي الايراني ليس دول المنطقة فقط وانما العالم أجمع . هنالك خوف عالمي من تفشي السلاح النووي ليس في المنطقة فقط وإنما خارجها أيضاً . يريد المجتمع الدولي أن يعالج الموضوع الإيراني ليس بحد ذاته فقط، وإنما ليقول لمن يرغب في إنتاج أو شراء أسلحة نووية إن هذا مرفوض. على جميع الدول إن تستفيد من الواقع الإيراني، بل الدرس وتتجنب تجربة مزعجة مماثلة . الاتفاق الأولي بشأن الموضوع يريح المنطقة والعالم، بل يطمئن الجميع إلى أن ما قالته ايران منذ البداية وهو أنها لا تريد إنتاج قنبلة نووية هو واقعي . إيران ترغب من دون شك في تنفيذ برنامج سلمي يفيد الاقتصاد عموماً وقطاع الطاقة خصوصاً . هل هنالك منطق يبنى عليه الخوف من النووي الايراني؟ في الحقيقة هنالك 9 دول اليوم تملك السلاح النووي مع أكثر من 20 ألف رأس، وبالتالي فإن السلاح موجود من دون أن تكون هنالك أدلة بشأن زيادة مخاطر الحروب مع هذا السلاح . لا شك أن وجود السلاح يعطي قوة سياسية معنوية للدولة، من دون أن يزيد بالضرورة من احتمالات وقوع حرب مدمرة . في كل حال، وجود منطقة شرق أوسط خالية من الأسلحة النووية هو ما يجب أن يهدف إليه العالم.
ماذا يعني الاتفاق الأولي بشأن النووي الإيراني؟ يعني بالتحديد وإذا تم الإلتزام بما اتفق عليه عودة إيران إلى المجتمع الاقتصادي الدولي. تملك إيران المقومات البشرية والمادية لتكون قوة إقليمة كبرى من دون النووي . لماذا يشغل النووي “إسرائيل” إلى هذا الحد؟ وهل هنالك سبب حقيقي واقعي للقلق بشأن الوجود “الإسرائيلي” في المنطق؟ حكماً “إسرائيل” ليست خائفة من النووي الإيراني، بل هي خائفة من إيران قوية كما تخاف بالتأكيد من دول عربية قوية . “إسرائيل” تتخفى وراء النووي لمحاولة جر العالم إلى حرب على إيران يقضي على الاقتصاد ولا يهدف بالضرورة إلى انهاء النووي . “إسرائيل” كانت ستفعل الشيء نفسه لو كان البرنامج النووي معتمداً في أي دولة عربية . هدف “إسرائيل” إضعاف دول المنطقة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وليس النووي إلا جزء بسيط من هذه المعادلة.
أحسن الغرب في الوصول إلى اتفاق ولا بد من التنويه هنا بالاصرار على الوصول إلى اتفاق من قبل الإدارة الأمريكية الحالية والدول الأخرى المشاركة . حسناً فعلت إيران بالقبول بالاتفاق كي تتفرغ إلى اقتصادها ومستقبل شعبها وبحبوحته المعيشية . كل الشعوب تريد العيش بسلام مع وجود سلع وخدمات كافية ونوعية تحسن المعيشة وتطور الرفاهية الاجتماعية. لا توجد شعوب ترغب في الحروب إلى أبد الآبدين . تريد الشعوب النتائج الخيرة لمصلحتها وخاصة لمصلحة الأجيال القادمة.
تأخر الاقتصاد الإيراني جداً خلال الحصار بل في زمن العقوبات . تقع إيران اليوم في المرتبة 83 في مؤشر التنافسية الدولية، ولا بد لها من تطوير كل ركائز التنافسية كي تقفز بسرعة إلى أفضل من المرتبة الخمسين . تحتاج إيران إلى الاستثمار في البنية التحتية وخاصة قطاعي النقل والاتصالات . بالرغم من العقوبات القاسية المزمنة، حافظت إيران وتبعاً لصندوق النقد الدولي على نتائج لا بأس بها تحلم بها بعض الدول حتى في زمن السلم . بلغت نسبة النمو 3% في سنة 2011- ،2012 ومن المتوقع أن يعود النمو الإيجابي هذه السنة بعد سنتين متتاليتين من الركود . مشكلة ابران الكبرى هي التضخم في حدود 30% سنوياً الآتي من الحصار الذي يضعف العرض ويرفع الأسعار . أما نسب البطالة فهي في حدود 13% وهي وأن تكن مرتفعة تبقى أقل من النسب الموجودة في أعرق الدول الأوروبية.
تنعم إيران بنسب ادخار واستثمار مرتفعة . معدل الادخار من الناتج هو 45% ومعدل الاستثمار 40%، أي أن التمويل الداخلي موجود حتى في زمن الحصار . في الموازنة هنالك توازن بين الإيرادات في بعض السنوات وعجز منخفض في سنوات أخرى مما يشير إلى حسن إدارة الملف المالي في ظروف صعبة . أما ميزان الحساب الجاري فهو فائض بمعدل 6% من الناتج نتيجة قوة الصادرات وضبط الواردات . إذا نظرنا إلى مؤشر سهولة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، نرى أن إيران تقع في المرتبة 130 وهي متدنية جدا تبعا لما ذكرنا أعلاه والتي لا بد أن تتحسن بعد الرفع التدريجي للعقوبات وانفتاح الاقتصاد على العالم . إيران أنقذت نفسها واقتصادها مع القبول بالاتفاق النووي الأولي.
هنالك تنوع كبير في الاقتصاد الإيراني منه وجود 10%، من المساحة الكلية المقدرة ب 195 .648 .1 كلم مربع، قابلة للزراعة علماً أن المياه متوافرة وهذا ما تفتقد اليه العديد من دول العالم .تقع ايران في المرتبة 18 عالميا من حيث المساحة مع 2440 كلم من الشواطئ المائية.
الإنتاج الإيراني لا يقتصر على النفط والغاز، بل يصل الى مختلف السلع المعدنية كالفحم والنحاس كما الزراعية كالقمح والأرز والعديد من أنواع الفاكهة وغيرها . تصدر إيران إلى الصين والهند وتركيا وكوريا الجنوبية وغيرها . تستورد من دولة الإمارات والصين وتركيا وكوريا الجنوبية أيضاً . هنالك 80 مليون مواطن ربعهم دون ال 14 عاماً، مع عمر متوسطي يقارب ال 27 سنة أي شعب شاب بقدرات مرتفعة مهمة جداً للتطور الاقتصادي . يتنوع الإنتاج الإيراني بين الزراعة (11%) والصناعة (37%) والخدمات . ستستفيد إيران تدريجياً من قدرات كبيرة بشرية هاجرت منها في الثمانينات وحققت نجاحات كبرى في كل الميادين بما فيها العلوم والآداب والأعمال . هنالك ثروة بشرية وطنية كبرى موجودة خاصة في أمريكا وبريطانيا تنتظر الانفتاح الإيراني المتوقع لتعود بطريقة أو أخرى إلى الوطن الأم.
من مشكلات إيران الأساسية انتشار الفساد، وهذا ما يحصل عموما عندما ينغلق الاقتصاد قسراً أو طوعاً . تقع إيران في المرتبة 136 في مؤشر الفساد العالمي مما يشكل تكلفة كبيرة على الاقتصاد يدفع ثمنها المواطن العادي لمصلحة أصحاب النفوذ في القطاعين العام والخاص . عندما تتحرر إيران من المشكلة النووية، ستطور اقتصادها وتصبح كما وصفناها قنبلة اقتصادية واعدة . هل تكون مشعة بحيث تستفيد منها دول المنطقة كما تستفيد هي منها؟ تشير جميع التجارب إلى أن النجاح الاقتصادي لا بد أن يتعمم إذا صفت النيات وتفوقت المصالح الاقتصادية على الغرائز المعروفة . الولايات المتحدة القوية اقتصاديا أفادت واستفادت من كندا والمكسيك . ألمانيا القوية اقتصاديا أفادت واستفادت من مجموعة ال 28 الأوروبية . هنالك استفادة مشتركة لإيران وتركيا والدول العربية إذا استغلت جميعها هذه الفرصة التي من الممكن ألا تعود إذا نجحت بعض قوى الظلام في المنطقة وخارجها في تدمير هذا الاتفاق الأولي وعدم الوصول إلى اتفاق نهائي قبل منتصف هذه السنة . الوعي ضروري للنجاح المشترك!