رسلان منصور
يبدو ان الحظ المتعثر يلاحق مزارعي البطاطا في عكار، حيث انه مع كل موسم جديد تظهر أمامهم سلسلة من المشاكل تعيدهم الى الوراء، وتضعهم أمام حالة مزرية لا يستطيعون من خلالها تحقيق الرهان على موسمهم، لينتشلهم من أعباء تراكمت على امتداد السنوات الأخيرة، إما بفعل التوترات الأمنية في الداخل أو ما وراء الحدود، أو بفعل العوامل الطبيعية التي تؤدي الى ضرب الموسم واتلافه وتقليصه الى ما دون النصف..
وبعد أيام قليلة يبدأ هؤلاء بجني محاصيلهم، الذي يصفونه بـ»أنه الأفضل«، بعدما ساعدت الظروف المناخية هذا العام على جعله موسماً غنياً ووفيراً، لكن هذه الأمنيات التي عقدت على الموسم تبددت، وأصبحت تطيح كل الآمال والرهانات خصوصاً بعدما اقفال المعبر الوحيد المتبقي عند الحدود مع الأردن، ليجدوا أنفسهم أمام معضلة كبيرة خصوصاً في موضوع التصريف، ما يدفعهم إلى رفع الصوت عالياً قبل حلول الكارثة الكبرى التي تكمن بعدم التصريف، باعتبار أن تخزين هذه المادة أمر مستحيل، كما أنه وخلال شهرين تقريباً سيببدأ حصاد الموسم في البقاع، بحيث أن السوق اللبنانية ستواجه حالة من الاغراق، ما يؤدي الى انخفاض كارثي في الأسعار..
هذا التوجس عبر عنه رئيس التعاونية الزراعية لمزارعي البطاطا في عكار عمر الحايك، الذي قال إن «حوالى 80 الى 100 ألف طن من البطاطا لن تجد طريقها الى التصريف، والطريق المتبقية تبقى الطريق البحرية التي تتطلب اجراءات جادة ومسؤولة ولا تقبل التأخير ولو ليوم واحد«، متسائلاً: «كيف السبيل الى التصريف وما هو الحل؟».
وأضاف «سمعنا عن مناقشات وقرارات للتصريف عبر المعابر البحرية، ولكن هذا أمر مكلف وستضاهي تكلفة الشاحنة الواحدة ما يعادل الـ 3500 دولار، هذا عدا أجرة السائق، واستهلاك الشاحنة، ما يستدعي قرارت دعم فعلية للتصدير، تضاف الى تلك التي جرى الحديث عنها لدعم التصريف الجيد عبر»ايدال» أو أي مؤسسات أخرى«. وتابع «نحن مدعوون جميعاً لتدابير استثنائية بالتعاون بين الوزارات المختصة بدءاً بالزراعة وصولاً للاقتصاد والتجارة والنقل، من اجل حماية الانتاج والإسراع في التصدير، كنا نرفع الصوت لمنع ادخال المحاصيل من الدول الأخرى، واليوم نحن أمام واقعة جديدة وتحتاج الى قرارات استثنائية«.
وقال «لا أريد أن أكرر الكلام عن المعاناة الكبرى لنحو 500 عائلة عكارية تعتاش من هذه المواسم، والخسائر الكبيرة التي تكبدتها لتحسين نوعية انتاجها، من خلال شراء الأسمدة والعناية الدائمة لتحسين الجودة وتطوير الانتاج عبر اعتماد المعايير والمكافحة، لنتمكن من تصريفه في الأسواق الأوروبية وروسيا (..)، كل ذلك اليوم تلاشى، ما يعني أعباء وديون وارتهان للدائنين»، مؤكداً أن «الصوت سيرتفع كثيرا من قبل المزارعين إذا لم نبحث عن حل، ونحن ننتظر ما ستقوله الحكومة وما ستتخذه من تدابير«.
بدوره، قال رئيس تعاونية مزارعي الأعلاف في سهل عكار والناشط النقابي شوقي المصري، «لا تقتصر التحديات في هذه الزراعة على الإنتاج وتكلفته المرتفعة التي وصلت الى أكثر من 250 ألف ليرة لانتاج الطن الواحد، بل إستئجار الأراضي (ضمان الأرض) والأدوية والأسمدة، ناهيك عن أسعار البذار والقطاف، وحيث ان الأمطار هذا العام وفرت على المزارع بعضا من التكاليف، اليوم المشكلة هي بما جرى في سوريا عند المعابر، لكن أحداً لا ينتبه الى أمر أساسي، ويغفله البعض الآخر وهو أن المنتج السوري من البطاطا يصار الى اقتلاعه بالتزامن مع موسم عكار، وبالتالي، سيصار الى ادخاله الى السوق اللبنانية، لأن ما تبقى من معابر لدى الطرف السوري هما فقط العبودية الدبوسية، والعريضة، وهذا سيزيد من الصعوبات والمزاحمة والتنافس ليس فقط على البطاطا، بل على كافة المنتجات الزراعية المحلية«، داعياً «النقابات الزراعية وكبار المزارعين في سهل عكار إلى التحرك لاتخاذ التدابير اللازمة«.
وطالب الدولة بـ»ضبط الحدود جدياً لمنع ادخال أي منتجات سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية«، مشدداً على «
«ضرورة تدارك الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمزارع العكاري من جراء ادخال كل أنواع الخضر من سوريا الى أسواق الشمال خصوصا ولبنان عموما«.
وأضاف «هناك ظروف صعبة تعترض قطاعات انتاجية عدة، لا سيما موضوع النقل خارج الاراضي اللبنانية يجب أن يتابع بالتواصل مع السفارات المعنية والوزارات المعنية في الدول التي تستورد الانتاج اللبناني من البطاطا عبر البحر، حتى يتم ضمان تخفيف الضرر الذي يمكن أن يلحق بعدد كبير من الشاحنات الناقلة للانتاج الزراعي، سواء لناحية زيادة التكلفة او عامل الوقت الذي يلعب دوراص كبيراً ليس في مصلحتنا كمزارعين«.
من جهته، يشدد نقيب مالكي الشاحنات العاملة على «الترانزيت« للنقل الخارجي أحمد الخير، على أن «الاقتصاد الزراعي أصيب بالشلل، والآن لدينا بداية مواسم الخضر والبطاطا، إذ أنه ما لا يقل عن 60 ألف طن من البطاطا في سهل عكار يحتاج الى أسواق وتصدير، وهذه الأسواق أقفلت، وكلنا نعرف نتائج ذلك على المزارع، لأجل ذلك بقي لدينا طريق واحدة لتأمين التصدير وهي الخط البحري (رورو)، الذي يحمل الشاحنات محملة بالبضائع ذهاباً واياباً نحو مرفأ دوبا، ثم عبر قناة السويس ليفرغ ويعود محملاً، والتكلفة التقريبية علينا تحملها جميعاً، خصوصاً وأن الأزمة ستطول وعلى جميع عناصر الانتاج والتجارة والدولة تحملها«.
وأضاف «نحن كثلاثة أطراف علينا تحمل هذه الأزمة، ذلك أن عبور قناة السويس مكلف للغاية، فالعبّارة الواحدة أو المسماة برورو، تبلغ تكلفة نقل الشاحنة الواحدة على متنها ما لا يقل عن 6000 دولار، بالاضافة الى مصروف الشاحنة والسائق مع البيانات الجمركية في مرفأ طرابلس ومرفأ دوبا، كله يجب أن تؤخذ بعين من الاعتبار سواء من اصحاب الشاحنات والتجار والدولة بواسطة «ايدال» أو غيرها».
وقال «المطلوب ايجاد حل، ذلك أن الشاحنات محملة ومتوقفة في الطرقات والبضائع في العالم العربي تنتظر مصيرها، وهناك الجاهزة للتصدير تنتظر لعماً انها لا تتحمل فترة الإنتظار، كذلك هناك شاحنات في دول الخليج تنتظر اعادتها الى لبنان، اضافة الى الاتصالات التي يجريها السائقون حول الحل وآليته، نحن علينا ايجاد حل سريع والا فالكارثة ستقع من دون شك«.