انعكست الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا على قطاعات تجارية عديدة، لكن آثارها ظهرت بشكل واضح على مبيعات السيارات التي شهدت انخفاضا ملحوظا ألقى بظلاله على الشركات المصنعة والمصدرة للسيارات مما دفعها لإعادة النظر في خططها للعمل في روسيا.
فقد أعلنت شركة “فولكسفاغن غروب روس” التي تملك مصنعا بمدينة كالوغا الروسية أنها تنوي تسريح 10% من موظفيها، وتقليص ساعات العمل من سبعة أيام إلى أربعة.
وقالت مديرة العلاقات العامة ناتاليا كاشيكوفيش إن سوق السيارات الروسي يعاني من ثقل الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع نسب الفوائد على القروض وتراجع القدرة الشرائية، ومن غير المتوقع أن يشهد السوق تحسنا خلال الأشهر القريبة القادمة، ولهذا فقد قررت الشركة اتخاذ هذه الخطوات ليتناسب الإنتاج مع الانخفاض في المبيعات.
محاولات إنعاش السوق
شركات عديدة اتخذت خطوات مشابهة إما بتقليص نشاطها أو إيقافه. فقد قررت شركة جنرال موتورز علامة أوبل وقف إنتاجها، وقررت شيفروليه تقليص إنتاجها بمصنعها في بطرسبرغ إلى الثلث، وأوقفت سانغ يونغ وكيا التصدير إلى روسيا، وهناك مؤشرات على اتخاذ شركات مثل سوزوكي وهوندا خطوات مماثلة.
وفي محاولة لإنعاش هذا القطاع، وجهت رابطة وكلاء السيارات الروسية رسالة إلى رئيس الوزراء دميتري مدفيدف طالبت فيها الحكومة بتقديم الدعم لقطاع بيع السيارات الروسي، واقترحت خفض الفائدة على قروض شراء السيارات، واستئناف العمل بالبرنامج الحكومي للقروض الميسرة.
الخبيرة الاقتصادية إيرينا إيداروس ترى أن الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الروبل أديا إلى انخفاض الدخل الحقيقي وارتفاع أسعار السلع لا سيما المستوردة، وبالتالي تراجعت القدرة الشرائية لدى المواطنين خلال الأشهر الخمسة الأخيرة إلى أكثر من النصف.
وأضافت أن الإقبال على الاقتراض تراجع أيضا بسبب ارتفاع نسب الفائدة لأكثر من 20%، في حين كانت في السابق ما بين 11 و13%.
وهناك عوامل أخرى منها الخشية من عدم القدرة على السداد، وانعدام الأمان الوظيفي لدى الكثيرين بسبب سياسة التقليصات.
أبريل الحاسم
وأوضحت إيداروس، في حديثها للجزيرة نت، أن الأزمة الاقتصادية مرت بمراحل. فمع بداية تدهور سعر الروبل في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، حدثت طفرة كبيرة في الشراء، ذلك أن المواطنين الروس أرادوا بذلك إنقاذ مدخراتهم قبل أن تفقد قيمتها أمام العملات الأجنبية. وانعكس ذلك إيجابيا على سوق السيارات الذي حقق مبيعات قياسية، لكن هذه الطفرة سرعان ما انقضت لتبدأ بعدها في يناير/كانون الثاني مرحلة التراجع الحاد في المبيعات. وقد استمر هذا التراجع خلال فبراير/شباط ومارس/آذار.
وأضافت أن أبريل/نيسان سيكون حاسما في تحديد الاتجاه الذي سيذهب إليه السوق، إذ من المتوقع أن تظهر فيه معطيات السوق الحقيقية بعد زوال حالة الفوضى والقلق التي عمت روسيا، لتبدأ الأوضاع بالاستقرار وفق معطيات السوق الجديدة.
أما الخبير بمركز إحصاء السيارات “افتوستات” سيرغي موخانوف، فيرى أن الأزمة الاقتصادية أضرت كثيرا بسوق السيارات، وتسببت بتراجع المبيعات خلال الربع الأول من هذا العام بحوالي الثلث مقارنة بالعام الماضي.
بعكس التيار
وأضاف موخانوف أن هذا أثّر بدرجات متفاوتة على شركات السيارات. فعلى سبيل المثال، انخفضت واردات سوزوكي بنسبة 76% وهوندا بنسبة 90%. أما الشركات التي تملك مصانع تجميع في روسيا، فقد لجأت إلى خفض الإنتاج وتقليص العمالة، مثل فولكسفاغن، أو إيقاف نشاطها مثل جنرال موتورز.
لكنه استدرك بأن من اللافت أن الطلب على السيارات الفارهة لم يتأثر بل على العكس تزايد، كما حدث مع ماركات مرسيديس و”بي إم دبليو” وبورش. فعلى سبيل المثال، كان من المفاجئ أن مبيعات سيارات ليكزس ارتفعت إلى مستوى قياسي خلال مارس/آذار مسجلة زيادة بنسبة 30% تقريبا مقارنة بالعام الماضي، ذلك لأن من يشترونها من الأغنياء والأموال التي ينفقونها ليست مدخراتهم الأخيرة.
وتابع قائلا: في حال وصول سيارة جديدة طال انتظارها فإنها في كل الأحوال تلقى طلبا. أما هبوط المبيعات فهو يطال بالدرجة الأولى السيارات العادية والاقتصادية التي تلقى طلبا لدى الطبقات الوسطي والفقيرة.