تتعدد وجهات النظر وتكهنات المحللين وخبراء الاقتصاد حيال أهمية وأمد وحتى احتمالات إقدام مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي على رفع اسعار الفائدة وإن كان هناك ما يشبه التسليم البدهي بأن الخطوة المقبلة لا محالة فهل تكون خطوة يتيمة أي لا تتكرر وبمعدل قريب من الصفر .
ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأن قرار رفع أسعار الفائدة قد يتخذ شكل وجبة الثعابين التي تعتمد في الغالب على صيد الفريسة ثم انتظار فترة طويلة لهضمها وانتظار فرصة لقنص فريسة أخرى . فالمجلس يعيش هاجس اتخاذ قرار الرفع للمرة الأولى، وسوف يضطر للانتظار طويلاً قبل أن يتخذ الخطوة التالية إن تكررت .
ولا شك أن هناك ما يبرر تريث المجلس بعد الخطوة الأولى على الأقل لمتابعة تأثيرها في الاقتصاد ورصد الموجات الارتدادية على مستوى اقتصادات العالم الرئيسية، فضلاً عن ردة فعل الأسواق ومسار العملة الخضراء . وقد يجد المجلس نفسه مضطرا للانتظار لفترة أطول في حال استمرت هشاشة الاقتصاد العالمي أو تفاقمت باتجاه الأزمة التي لا يستبعد الكثيرون وقوعها في ظل الأجواء الملبدة بغيوم القطاع المصرفي الأوروبي، والنمو الاقتصادي الصيني والوضع الجيوساسي العالمي، وما يمارسه من ضغوط على أسعار السلع الاستراتيجية خاصة النفط .
وهناك من المخاوف ما يكفي من أن تتسبب الخطوة الأولى في منح الدولار المزيد من القوة . وتجد هذه المخاوف سندا جديدا لها في مؤشر الدولار الذي يقيس قوته أمام سلة العملات العالمية والذي سجل مكاسب بنسبة 20% خلال العام الماضي فقط نتيجة الرهان على رفع أسعار الفائدة، فكيف إذا تم رفعها بالفعل .لكن الدولار فقد بعض زخمه خلال الأشهر الثلاثة الماضية نتيجة مخاوف تتعلق بأرباح الشركات الأمريكية للربع الأول وضعف نمو الوظائف . ونظرا لاتساع الفجوة بين معدلات أسعار الفائدة الأمريكية ومعدلاتها في باقي مناطق العالم، فإن الدولار مرشح لكسب المزيد من القوة في المدى القريب .
وقد أدى الدولار القوي الدور الذي يفترض في مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يقوم به، حيث تسبب في تقليص الناتج الاجمالي الاسمي والناتج الفعلي بحدود نقطة مئوية حسب تقديرات مراكز البحث .
يضاف إلى ذلك أن هناك مخاوف من أن يتبع الاحتياطي الفدرالي في رفع أسعار الفائدة النهج الذي اعتاده في مرات سابقة نفسه، حيث تم الرفع على 17 مرحلة متتالية حتى ارتفع معدل سعر الفائدة على أرصدة البنك المركزي من 1% إلى 5% . وهذا يعني انه في هذه الحالة سوف يدفع معدلات العائد إلى حدود الصفر وتباطؤ عجلة النمو الاقتصادي حتى يعود إلى النطاق السلبي في زمن قصير .
ولهذا حرص المجلس بكل مكوناته على التأكيد أن تطبيع أسعار الفائدة هذه المرة لن يتم دفعة واحدة كما أنه لن يكون طويل الأمد، كما في المرات السابقة .
لكن حتى حركة رفع أسعار الفائدة المجدولة على مراحل تبعاً لمقتضيات كل مرحلة ، قد تحمل الاثار السلبية نفسها في الاقتصاد، نظراً لاختلاف معطيات الركود هذه المرة ولكون الاقتصاد أكثر هشاشة وعرضة للانتكاس جراء اية خطوة لرفع أسعار الفائدة، حتى وإن تم الرفع طبقا لجدول زمني مرن .
وهذا ما يفسر الاعتقاد السائد في وول ستريت بأن الخطوة الأولى التي سوف يتخذها الاحتياطي الفدرالي لرفع اسعار الفائدة هي الخطوة الأخيرة . وهكذا يتم تسعير عقود الفائدة الآجلة في السوق بمعزل عن سيناريو تطبيع أسعار الفائدة التدريجي طويل الأمد .